وهذه الآيات فيها رد شديد على أولئك
الذين يحيلون على الله أن يخلق أي أمة من الأمم ابتداء، ويتصورون أنه يفتقر إلى أن
يطور خلقا سابقا، ليحصل منه خلق جديد، وكأنه عامل في مصنع، أو مخترع في مخبر، وليس
قادرا على كل شيء.. يخلق ما يشاء.. متى يشاء.. كيف يشاء.
ولذلك هم يصادمون النصوص الصريحة التي
تنص على أن آدم عليه السلام خلق من تراب، ومن طين، ليحولوه إلى كائن متطور على
كائن سابق، وأن تلك التسوية التي ذكرها القرآن الكريم ليست سوى ألفاظا عبثية
اعتباطية لا دلالة حقيقية لها.
والمشكلة أن هؤلاء في تكلفاتهم يربطون
ذلك بالقرآن الكريم، فيستدلون بقوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ
اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
﴾ [آل عمران: 59]، ويلبسون على أنفسهم وعلى الناس، بأن الله شبه المسيح
بآدم غافلين عن أن المشبه به لا يساوي المشبه في كل الوجوه.. وغافلين عن أن الله
تعالى ما ذكر ذلك إلا ليبين أن له الإرادة المطلقة، ولذلك ـ كما خلق آدم عليه
السلام ـ من غير أبوين، فهو قادر على خلق المسيح من غير والد.
قال: صدقت.. ولو أن هؤلاء تخلوا عن
كبريائهم، وراحوا يحترمون لغة القرآن الكريم، ويتدبروا قوله تعالى: ﴿وَإِذْ
قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ
مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ
سَاجِدِينَ﴾ [الحجر: 28، 29] والذي ورد في مواضع متعددة من القرآن الكريم..
لما وقعوا فيما وقعوا فيه.. ولما فضلوا أي فرضية مهما كانت على هذه الحقائق المقدسة.
قلت: بورك فيك وفي إيمانك.. ولو أن
هؤلاء نظروا فيما يخترعونه من مخترعات يزهون بها، لكان ذلك وحده كفيلا بتسليمهم
لخالقهم، واعترافهم بقدرته المطلقة على
نام کتاب : الحياة تصميم لا صدفة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 68