نام کتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري نویسنده : عبد المجيد محمود جلد : 1 صفحه : 359
يوضح لنا كيف التزم الظاهرية بالظاهر، وطبقوه على كل الفروع، لا يستثنون منها مسألة أو فرعًا، وليس كذلك المحدثون.
ثانيًا - بالنسبة للأصول المعتمد عليها في استنباط الأحكام، افترق المحدثون عن الظاهرية فيما وراء القرآن والسنة. فقد رأينا كيف كان المحدثون يتجهون إلى الآثار، يجعلونها مع القرآن مرجعًا لأحكامهم، ودليلاً عليها، وَبَيَّنَّا أن الآثار عندهم تشمل الأحاديث وغيرها من أقوال الصحابة والتابعين، وأنهم يقصرون الحجة عليها أو يكادون، فإذا لم يوجد نص أو أثر، فليس لديهم حينئذٍ خطة موحدة، بل يتوقف بعضهم فلا يفتي فيما لا أثر فيه، وقد يفتي بعضهم بما يمليه عليه الورع والاحتياط، وقد يحيل بعضهم مستفتيه إلى من يميل إليه، ممن جرؤ على الفتوى من المعاصرين أو السابقين.
أما أهل الظاهر فقد قصروا الحجة على نصوص القرآن والسنة، ولم يروا لآراء الصحابة ومن بعدهم ما يرفعها إلى مرتبة النصوص، فلم يجعلوها حجة، إلا إذا اجتمع الصحابة جميعًا على أمر، فإن هذا الإجماع حينئذٍ حجة، ومصيره إلى النص أيضًا، لأنهم لا يجتمعون إلا عن توقيف.
ومما يوضح لنا هذا الفرق أننا قد رأينا في الأمثلة السابقة كيف أن المحدثين يتفقون مع الظاهرية في أن أثر الفعل المنهي عنه هو البطلان، يحكمون برد كل فعل منهي عنه، وضربنا مثلاً لذلك برأي البخاري في بيع التلقي والنجش ولكننا نجد بيعًا آخر، جاء نهي الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصورة مطلقة، ومع ذلك لم ينه البخاري عنه بإطلاق، كما هو مقتضى الحديث، بل قيد النهي بصورة خاصة، مستدلاً على هذا التقييد، بتفسير ابن عباس للحديث، هذا البيع المنهي عنه هو بيع الحاضر للبادي.
نام کتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري نویسنده : عبد المجيد محمود جلد : 1 صفحه : 359