نام کتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري نویسنده : عبد المجيد محمود جلد : 1 صفحه : 113
أولاً: كان اتهام المحدثين بقلة الفقه وكثرة التصحيف والاشتغال بما لا يفيد من جمع الغرائب والشواذ وغير ذلك، سببًا في أن يتنبه المحدثون للدخلاء عليهم من الطلبة السطحيين، فحذروا منهم وحاولوا تأديبهم وتثقيفهم، لِيَسُدُّوا الثغرة التي يؤتون منها. وكان هؤلاء الطلبة قد زاد عددهم زيادة ملحوظة منذ القرن الثاني: يقول أنس بن سيرين، مُبَيِّنًا ضخامة عددهم، ومُشيرًا إلى قلة الفقهاء منهم: «أَتَيْتُ الكُوفَةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا أَرْبَعَةَ آلافٍ يَطْلُبُونَ الحَدِيثَ، وَأَرْبَعَمِائَةٍ قَدْ فَقِهُوا» [1].
هذا العدد الكبير في الكوفة، ومثلها غيرها من الأمصار قد اتخذ الحديث صناعة يرويه ويتفاخر أفراده بكثرة الشيوخ، ويتنافس بكثرة الطرق ويتكسب به، دون عناية بحسن الفهم أو صالح العمل، هذا الصنف من الطلبة هو الذي أساء إلى الحديث وإلى المحدثين، فكان من الطبيعي أن يتنبه إليهم المحدثون، وأن يكون إعلان الحرب عليهم أول وسائل الدفاع عن أنفسهم وبخاصة أنه كان لهذا الصنف من الطلبة سلف منذ عصر الصحابة، فقد نَظَرَ «[عُبَيْدُ اللَّهِ] بْنُ عُمَرَ إِلَى أَصْحَابِ الحَدِيثِ وَزِحَامِهِمْ، فَقَالَ: " شِنْتُمُ الْعِلْمَ وَذَهَبْتُمْ بِنُورِهِ. وَلَوْ أَدْرَكْنَا وَإِيَّاكُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَأَوْجَعَنَا ضَرْبًا "» [2]، ونتج عن الحملة عليهم ومحاولة إصلاحهم التأليف في علوم الحديث.
فابن قتيبة مع حسن بلائه في الدفاع عن أهل الحديث لا يسعه إلا أن يهاجم هذه الفئة بقوله: «عَلَى أَنَّا لَا نُخَلِّي أَكْثَرَهُمْ مِنَ الْعَذْلِ فِي كُتُبِنَا، فِي تَرْكِهِمُ الاشْتِغَالَ بِعِلْمِ مَا قَدْ كَتَبُوا، وَالتَّفَقُّهَ بِمَا جَمَعُوا، وَتَهَافُتِهِمْ عَلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ مِنْ عَشْرَةِ أَوْجُهٍ، أوعشرين وَجْهًا.
وَقَدْ كَانَ فِي الْوَجْهِ الْوَاحِدِ الصَّحِيحِ، [وَالْوَجْهَيْنِ] مَقْنَعٌ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِعِلْمِهِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ أَعْمَارُهُمْ، وَلَمْ يَحِلُّوا مِنْ ذَلِكَ إِلا بِأَسْفَارٍ أَتْعَبَتِ الطَّالِب، وَلم
(1) " المحدث الفاصل ": ص 372.
(2) " شرف أصحاب الحديث ": ورقة أ، ب.
نام کتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري نویسنده : عبد المجيد محمود جلد : 1 صفحه : 113