، كمن يستحسن بعض أنواع الأطعمة أو الأشربة على بعض.، وبهذا ظهر ما في عبارة الشيخ الغامدي.
وقوله: (ويتوجه قصد القربة كذلك إلى العمل الذي يحمل أوجهاً متعددة مثل الأمور الدنيوية، فينظر إلى الفعل باعتبار الوجه الغالب عليه) غير منضبط، ولا مستقيم، فمثلا الطعام الوجه الغالب فيه هو حظ النفس، فعلى معنى كلامه أنه لا يدخله الابتداع الشرعي المذموم لعدم تحقق وجه القربة فيه؛ لأن الوجه الغالب فيه هو حظ النفس، وكذلك الشرب والنوم، مع أنه في الحقيقة قد يدخل كل هذه الأمور معنى البدعة بالنية، فمن أكل أو شرب بشماله ناوياً الإقتداء بالنبي، والتقرب بذلك لله، فهو مبتدع، وكذلك من لبس الحرير أو نام منبطحاً بنفس النية السابقة وهكذا.
وعليه فالراجح أن العادات المحضة لا تدخل في الإبتداع إلا من جهة شائبة التعبد والتقرب لله عز وجل بها.
وقد اعترض الشيخ سليمان الماجد في "ضابط البدعة وما تدخله" على ذلك فقال: (أما الاتجاه الأول وهو اعتبار القربة:
فإنه مع افتقاره إلى دليل صحته فهو غير مانع ولا جامع:
فهو غير مانع لأنه يُخضِعُ لأحكام البدعة أعمالاً لا يراد منها في أصل شرعها إلا القربة والأجر؛ كالجهاد فِي سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الأمور مما لا تدخلها البدعة؛ فلم يقل أحد: إن هذه الأشياء من الأمور التوقيفية التي لا يُحدث فيها، ولا يُجدد في أعمالها إلا بدليل خاص.
وهو غير جامع لأنه يُخرج أعمالا تُعد من التعبدات المحضة، ويسمى المحدث فيها في الشريعة مبتدعاً، وهي مع ذلك ليست مما يُراد بها القربة؛ حيث يُخرج الطلاق فِي الحيض، ويُخرج الأعياد الزائدة على الأعياد الشرعية؛ فقد استقر عمل العلماء على تسمية الطلاق الذي وقع على غير الوجه المشروع بالبدعة، وتسمية العيد الجديد بالعيد المبتدع؛ فهو إذاً غير جامع).
وأما قوله: (فإنه مع افتقاره إلى دليل صحته) وحديث إنما الأعمال بالنيات ونحوه يدل عليه وهي أدلة كثيرة.
وأما اعتراضه عليه بأنه غير مانع وتمثيله بالجهاد والأمر بالمعروف فإن كان بقصد وسائل الجهاد والأمر فهي خارج موضوع البدعة وقد قرر الشاطبي ذلك وسيأتي، وإن كان يقصد ذاتهما وأنه لا ستصور دخول البدعة فيهما فهو متعقب بمن يجاهد أو يأمر وينهي حمية أو من أجل المغنم، أو رياء ونحو ذلك ناويا التقرب لله بهذه النية فهو مبتدع.
وأما اعتراضه بأنه لا يشمل الطلاق البدعي فالمقصود بالبدعية فيه أنه على خلاف سنة النبي لا البدعة الإصطلاحية، وأما الأعياد الجديدة فهي محل النزاع فللمخالف أن يقول أنها لا تسمى بدعة إلا إن قصد بها التعبد، وإلا فهي معصية.
أقوال أخرى في تعريف البدعة ([1]):
قال ابن تيمية: (البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب، فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب وعلم الأمر به بالأدلة الشرعية فهو من الدين الذي شرعه الله وإن تنازع أولو الأمر في بعض ذلك وسواء كان هذا مفعولا على عهد النبي أو لم يكن فما فعل بعده بأمره من قتال المرتدين والخوارج المارقين وفارس وفارس والروم والترك وإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وغير ذلك هو من سنته ... ) (2)
قال ابن حجر الهيتمي: (البدعة هي ما لم يقم دليل شرعي على أنه واجب أو مستحب سواء فعل في عهده - صلى الله عليه وسلم - أو لم يفعل كإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب ... ) (3)
قال العيني: (قوله محدثاتها جمع محدثة والمراد به ما أحدث وليس له أصل في الشرع وسمي في عرف الشرع بدعة وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة) [4].
قال ابن الجوزي: (البدعة عبارة عن فعل لم يكن فابتُدع، والأغلب في المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة، وتوجب التعاطي عليها بزيادة أو نقصان) (5)
قال ابن رجب الحنبلي: (والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة ... [1] وقد لخصتها من كتاب الشيخ الغامدي.
(2) مجموع الفتاوى (4/ 107 - 108).
(3) الفتاوى الحديثية 281. [4] عمدة القارئ 25/ 37.
(5) تلبيس إبليس 16.