ومخالفته حاصلة والتهاون بها عظيم ولذلك يقال لا تنظر إلى صغر الخطيئة وانظر إلى عظمة من واجهته بها ...
فإذا تحصلت هذه الشروط فإذا ذاك يرجى أن تكون صغيرتها صغيرة فإن تخلف شرط منها أو أكثر صارت كبيرة أو خيف أن تصير كبيرة كما أن المعاصي كذلك والله أعلم] (1)
وجلّ هذه الشروط لا تنفك عن البدعة فصاحبها يُصِّر عليها لأنه يظن أنه يحسن صنعاً، ولذلك قالوا أنها أحب إلى إبليس من المعصية، وكذلك صاحبها يدعوا إليها كما ذكر الشاطبي نفسه ذلك، ويفعلها في المجتمعات، وهكذا فيعود الأمر إلى أن كل البدع كبائر. هذا وجه، ووجه آخر وهو أننا إن فرضنا انفكاك هذه الشروط أو بعضها عن بدعة القول بخلق القرآن أو الكلام في القدر فهل يعدها من الصغائر.
(وبقيت كلمة وهي أنني لا أميل إلى هذا التقسيم للبدع رأساً وإنما ذكرته لما رأيت من متابعة القوم للإمام الشاطبي في هذا التقسيم. والذي أراه أن جنس البدع أشد من جنس المعاصي من جهة الاستدراك على الشرع بالزيادة أو النقص، ولكن هذا لا يمنع أن بعض المعاصي تكون أشد من بعض البدع كترك الصلاة وقتل النفس المعصومة ونحو ذلك، إلا أن البدع لم يرد فيها إلا النص العام بعموم الذم، وأنها في النار، فلنتوقف إلى هذا الحد ولنسكت عما سكت عنه الشرع من تقسيمها إلى كبائر صغائر، وخاصة أنه لا ينضبط، وأن قياسها على المعاصي قياس مع الفارق كما سبق. والله أعلم.
المبحث الرابع: إثم المبتدعين ليس على رتبة واحدة:
قال الشاطبي ما مختصره: [إذا ثبت أن المبتدع آثم فليس الإثم الواقع عليه على رتبة واحدة، بل هو على مراتب مختلفة، من جهة كون صاحبها مستتراً
(1) الاعتصام (2/ 65: 72).