نام کتاب : تقويم الأدلة في أصول الفقه نویسنده : الدبوسي، أبو زيد جلد : 1 صفحه : 396
وكذلك لا يلزم الناس إتباعه ولا يحل إلا بعد ظهور الآية لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول برأيه وكان ينزل الوحي بخلافه، وكان يرجع عنه بقول الصحابة فلما جاز الغلط على الرسول إلا فيما أقر عليه لكونه معصوما عن شرع ما لا يحل كان على من دونه أجوز وقد أمر الله تعالى رسوله بمشورة الصحابة ولم يأمره بالرجوع إلى قلبه في فصل المهمات.
ولأن الخصم يقول له إنك مبطل لأني ألهمت ذلك وأنه حجة فلا يمكنه الخروج عنه إلا بأن يقول: إنك لست من أهله فيقابله خصم بمثله ثم لا يمكنه التمييز بين الأهل وغيره إلا ينظر واستدلال.
ثم نقول: إن الإنسان مبتلى بكسب العلام كما ابتلي بالعمل بالعلم قال الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} بل كسب العلم هو الأصل، وكسب العلم عمل القلب، وكل عمل ابتلي الآدمي به فهو عمل يأتي الآدمي على سبيل الاختيار عن تمييز عقلي فلو كان العلم يقع بالإلهام جبرا من الله تعالى لم يكن مما ابتلينا به ولم يكن عليه ثواب، ولا على تركه عقاب على مثال معرفة البهائم والطيور ربها تعالى فلما كان الثواب مشروعا على العلم بالله تعالى علم أنه لا يحصل إلا عن عمل منا وما ذلك إلا النظر والتمييز سواء سمعنا رسولا يتكلم به أو لم نسمع فإنا لا نعرفه رسولا ولا كلامه حقا إلا بعد النظر فيما معه من الآية الدالة على الرسالة.
قال العبد رحمه الله: وقد ابتليت بقوم قد زعموا أن العب يرى ربه بقلبه فيعرفه بلا نظر ولا استدلال بالآيات، فكأنه قل لم يكن في السلف، فإن القلب بضعة لحم ما لها حاسة رؤية كسائر الأعضاء، دون العين فلا يقع الفرق بين قولهم هذا.
وقول من يقول: رأيت الله بأذني أو بيدي معرفته، إنما رؤية القلب علمه بنظره، ونظره التفكر فيما أحس لا يتصور غير ذلك لإفادة علم، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {تفكروا في الآيات ولا تتفكروا في الذات} لأن الآيات محسوسة فالتفكر فيها يدلنا على الله تعالى والتفكر في الذات يوجب التعطيل كنظر العين إلى ما لا يرى.
وإنما مثاله نجار في بيت لا يرى ويخرج منه الخشب المنجورة فيفيد نظر الناظر إلى الخشب المنجورة العلم بالنجارة، والنظر إلى النجار نفسه يجهله بحاله.
وحكي لنا عن محمد بن زكريا رحمه الله؛ أنه قال لأصحابه: إذا كلمكم الموحدون في الآيات فكلموهم في الذات، وإليه دس فرعون في محاجته موسى عليه السلام فقال: {وما رب العالمين} فأعرض موسى عن جواب المحال، وأجاب بالوصف فقال: {رب السموات}. وما كفر حكماء الزنادقة إلا بتفكرهم في الذات والمائية.
نام کتاب : تقويم الأدلة في أصول الفقه نویسنده : الدبوسي، أبو زيد جلد : 1 صفحه : 396