والمسلم قد يترك المستحب إذا كان في فعله فسادٌ راجحٌ على مصلحته، كما تركَ النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم ... فتركَ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الذي كان عنده أفضل الأمرين للمعارض الراجح، وهو: حِدْثَانُ عهدِ قريش بالإسلام، لما في ذلك من التنفير لهم، فكانت المفسدة راجحة على المصلحة.
ولذلك استحب الأئمةُ: أحمد وغيرُه: أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل إذا كان فيه تأليف المأمومين، مثل أن يكون عنده فصل الوتر أفضل بأن يُسَلِّم في الشفعِ ثم يصلي ركعةَ الوترِ، وهو يؤمُّ قوماً لا يرون إلا وَصْلَ الوتر، فإذا لم يمكنْهُ أن يتقدَّمَ إلى الأفضل كانت المصلحة الحاصلة بموافقتِهِ لهم بوصلِ الوترِ أرجح من مصلحة فَصْلِهِ مع كراهتهم للصلاة خَلْفَهُ.
وكذلك لو كان ممن يرى المخافتَةَ بالبَسْمَلَةِ أفضلَ أو الجهرَ بها، وكان المأمومون على خلاف رأيه، ففعل المفضول عنده لمصلحةِ الموافقةِ والتأليف التي هي راجحةٌ على مصلحة تلك الفضيلة كان جائزاً حسناً». اهـ [1].
وكل ما قَرَّرْتُهُ تحت هذه القاعدة، لا ينفي ما سبق بيانُه من العناية بالسنَّة، والحرص عليها.
فإن هذه القاعدة إنما سيقت لأمرٍ عارضٍ، لا أن تُقْتَلَ السنَّةُ، وتدفَنَ من أَجْلِهَا. [1] مجموع الفتاوى 24/ 195 - 196.