نام کتاب : القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه نویسنده : محمد حسن عبد الغفار جلد : 1 صفحه : 2
فضل العلم والعلماء
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخوتي الكرام! إنا نحبكم في الله، وأسأل الله جل في علاه أن يجمعنا جميعاً مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى، بجانب معاذ بن جبل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام هو معاذ بن جبل).
وأذكر ثلاث مبشرات لطالب العلم: أولها: ما ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما اجتمع قوم في مجلس يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة) فهذه أولى المبشرات.
ثانيها: إن طالب العلم ينطلق من مجلس العلم إلى الجنان إن كان مخلصاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم -في السنن بسند صحيح كالشمس-: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن العالم ليستغفر له كل من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر والنملة في جحرها تستغفر لطالب العلم، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع).
ثالثها: كفاك فخراً بأنك ستجتمع على خط واحد مع معاذ بن جبل إمام العلماء، وتكون وريثاً للنبي صلى الله عليه وسلم، يا للشرف! أنت أصبحت من النبي صلى الله عليه وسلم بمكان، ليست هناك منزلة يمكن أن تداني هذه المنزلة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم).
وأيضاً يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) وأقول: طالب العلم هو أغلى ما يكون في هذه الدنيا، الأمة بأسرها لا تحتاج إلا لطلبة علم؛ لأن شمس البدعة قد بزغت، وجبال العلم قد ماتوا، نحن في يتم الآن، الدنيا بأسرها تتخبط يمنة ويسرة لموت ثلاثة كانوا جبالاً لأهل العلم، كانوا منارات كالنجوم يهتدى بهم، فلما قضوا نحبهم ترى الدنيا تتخبط، وكل يتصدر للفتوى، والله أعلم هل هو أهل لها أم لا؟! الحاصل: أن الدنيا بأسرها تتخبط لضياع أهل العلم، ونحن نقول ما قاله علي بن أبي طالب: (موت العالم يحدث ثلمة في الإسلام، وهذه الثلمة لا تنسد إلا بوجود الخلف)، ولذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم عند موت أي أحد أن نقول: (اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها)، وأحرى بنا أن نقول ذلك عند عند فقد العلماء، فنحن بحاجة إلى من يرفعون منارات العلم ويحفظون هذا الدين، كما قال ابن القيم مستقياً كلامه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله جل في علاه يغرس لهذا الدين غرساً).
فقال رحمه الله: والله ما أرى الغرس إلا أهل العلم، ولذلك أول بعض العلماء حديث: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين) كقول أحمد وغيره: لا أعرفهم إلا أن يكونوا أهل الحديث.
وقال ابن القيم: هم أهل العلم، وكفى أهل العلم فخراً بأن الله جل وعلا جعلهم من أولي الأمر.
قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]، فهذه الآية تدل على أن العلماء هم من أولي الأمر، فكما أن عليك السمع والطاعة لأولي الأمر من الحكام والأمراء فأيضاً لابد من السمع والطاعة للعلماء، وهذه الآية تدل على ذلك.
فطالب العلم ينظر في الدليل فيأتي أولاً بالشاهد، ثم يرى وجه الدلالة من هذا الشاهد، حتى يرى في نفسه قوة وهو يتكلم عن مسألة علمية، ووجه الشاهد في الآية السابقة قوله تعالى: ((وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ)) فمن هم أولو الأمر؟ جاء الرد من الله جل في علاه مفسراً ومبيناً في قوله: ((لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) أي: أولو الأمر: الذين يستنبطون الأحكام من الأدلة التفصيلية، وهم العلماء المجتهدون.
فهذا شرف ليس بعده شرف، فالعلماء هم من أولي الأمر، والله جل في علاه جعل لهم الصدارة في الدنيا؛ لأنهم الذين يوصلون الناس إلى ربهم، ورحم الله ابن عيينة حين قال: خير الناس الواسطة بين رب الناس وبين الناس.
وعن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين) متفق عليه، هذا منطوقه ومفهومه: أن الله جل وعلا إن لم يرد بعبد خيراً فلن يفقه في الدين، نعوذ بالله من الخذلان.
حتى نتعرف على أهمية طلب العلم، وكفاك أخي شرفاً وفخراً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (فضل العالم على العابد كفضلي على أمتي) أي شرف وأي منزلة بعد هذا! ورب السماوات والأرض لمداد العلماء أفضل من دماء الشهداء، وهذا باتفاق العلماء المحدثين والفقهاء، فالعالم له منزلة ليست كأي منزلة، وكما بينا في الحديث الذي سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب)، وشتان شتان بين القمر وبين سائر الكواكب.
أقول: فطلب العلم هو أفضل عبادة يمكن أن يتقرب بها العبد لله جل في علاه، وعلماؤنا كانوا يرون المدارسة خير من قيام الليل، فهذا ابن أبي حاتم يروي -في الجرح والتعديل- عن أبيه أنه كان يقول: مدارسة مسألة من العلم خير من قيام ليلة بأسرها.
ولذلك كان يأتيه أبو زرعة فيتدارس معه المسائل ويقول: هذا عندي أشهى من كذا وكذا، فكانوا يرون المدارسة أفضل عبادة يتقرب بها العبد إلى الله جل في علاه.
نام کتاب : القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه نویسنده : محمد حسن عبد الغفار جلد : 1 صفحه : 2