وتمتاز (الجمهرة) بأنها خطت خطوة جديدة نحو المنهجية العلمية بهذا التقسيم، وبهذه المقدمة التي أتى بها أبو زيد القرشي في بداية جمهرته، وقد طبعت (جمهرة أشعار العرب) بمطبعة بولاق الأميرية سنة ألف وثلاثمائة وثمان من الهجرة، ثم طبعت بعد ذلك طبعات كثيرة، وقام الأستاذ علي محمد البيجاوي بتحقيقها، وطبعتها في دار نهضة مصر سنة ألف وتسعمائة وسبع وستين من الميلاد، كما قام بتحقيقها أخيرًا الدكتور محمد علي الهاشمي في المملكة العربية السعودية، عام ألف وثلاثمائة وتسعة وتسعين للهجرة، وطبعت بمطبعة لجنة البحوث والتأليف والترجمة والنشر.
نكتفي بهذا القدر من الحديث عن هذين المصدرين كنموذجين لاتجاه الاختيار المجرد، وهو أول اتجاه من اتجاهات التأليف عند العلماء العرب.
الاتجاه الثاني "اتجاه أصحاب الطبقات والتراجم"
الاتجاه الثاني: يسمى اتجاه أصحاب الطبقات والتراجم:
ونعني به ذلك الاتجاه الذي يعمد فيه المؤلفون إلى دراسة حياة الأديب، وبيان طبيعة بيئته التي نشأ فيها، والكشف عن منزلته بين الأدباء، أو وضعه في طبقته الفنية، لا يخضع هذا الاتجاه لغير هذين المقياسين: بيان حياة الأديب، والمقياس الثاني: تحديد طبقته الفنية، والمؤلفون في هذا الاتجاه لا يقصدون أديبًا واحدًا فحسب، وإنما تتجه الدراسة فيه إلى أكثر من أديب، يجمعهم عصر معين أو عصور متعددة، يضمهم إقليم واحد، وتشملهم عدة أقطار، يترجمون لهم ويُعرِّفون بهم، ويعرضون أمثلة من أدبهم، مصحوبة ببعض الآراء النقدية