نام کتاب : البلاغة 1 - البيان والبديع نویسنده : جامعة المدينة العالمية جلد : 1 صفحه : 327
قالوا اقترح شيئًا نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا
فقد عبر الشاعر عن الخياطة بالطبخ؛ تشبيهًا لها به في كونها مما ينبغي أن تكون موضع رغبتهم، ومحل عنايتهم، فإذا كانت رغبتهم متجهةً إلى الطبخ ليأكل ما طبخوه، فينبغي أن تكون منهم تلك الرغبة في خياطة جُبة وقميص يقيانه شر البرد، ويعتصم بهما من أذاه، فقد وصل الشاعر إلى غرضه بتنبيههم إلى ما يريد بهذا الأسلوب، مع ما اشتمل عليه من الاستعارة الرائعة.
فأليس هذا كافيًا في أن تكون المشاكلة لها قوة وأثر في بلاغة الأسلوب وسموه ورفعته؟
وأبعد من هذا فإن أساليب المشاكلة معدودة في المجاز المرسل، وإذا رجعتَ إلى الأمثلة التي ذكرها البلاغيون في هذا النوع من المجاز لعلاقة السببية، لوجدتها جميعًا أمثلةً للمشاكلة، وما قيل فيما عرضنا له من الألوان يقال في كل ألوان البديع وأساليبه؛ ولذا فإنا نكتفي بهذا القدر من الأمثلة دليلًا على أن البديع لا يكون في الكلام إلا ووراءه حال تقتضيه، وتحته ملحظ يدعو إليه، وإذا اقتضته الحال ودعا إليه غرض أو مقصد صار حسنه ذاتيًّا يهبط الكلام إذا فقده، ومن ثم فإن لهذه الألوان أثرًا في قوة الكلام، ومدخلًا في بلاغته.
وقد أكمل الفخر الرازي في (نهاية الإيجاز) نظرة الشيخ عبد القاهر في باب النظم الذي يتحد في الوضع ويدِق فيه الصنع، فأدرج الطباق والمقابلة ومراعاة النظير وبعض الألوان البديعية الأخرى من مقتضيات الأحوال وموجبات الأغراض، ولذا فليس بغريب أن نجد واحدًا من البلاغيين -وهو صاحب (الطراز) - يربط بين البديع والمجاز، فيشترط في البديع أن يكون الكلام في مرتبة المجاز؛ لأن المجاز يقوم على الاتساع في الكلام والافتنان فيه، فيقول: من شروط البديع أن يكون
نام کتاب : البلاغة 1 - البيان والبديع نویسنده : جامعة المدينة العالمية جلد : 1 صفحه : 327