الجنة محرم عليهم، ولكنهم لفرط ما هم فيه من هول وعذاب كأنهم قد فقدوا عقولهم، فصاروا يطلبون ما لا سبيلَ إلى تحقيقه.
ومثل ذلك: قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} (المؤمنون:99: 100)، وقوله: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} (المؤمنون:106: 107). وكأن الكافر وقد حضره ملك الموت، وأبصر زبانية العذاب، أصابه الهول، فصار يطلب ما لا سبيل إلى تحقيقه، ولا يدري ماذا يقول؟ وكذا في الآية الثانية، كأن الأشقياء لشدة ما ذاقوا من العذاب في جهنم أصبحوا في حيرة وتخبط، فصاروا يطلبون ويتمنون ما لا سبيل إلى تحقيقه.
وقد يأتي الأمر للإثارة والإلهاب والتهييج: وذلك عندما يوجه إلى المأمور الواقع منه الفعل، والذي لا يتصور أن يكون منه خلافه. كما في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} (الأحزاب: 1)، وقوله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (هود: 112)، وقوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (الروم: 30).
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي يوجه فيها الأمر بما هو حاصل، أو النهي عن غير الحاصل إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-. فإن الغرض من الأمر أو النهي عندئذ:= هو الإثارة والتهييج والإلهاب؛ حتى يزداد المخاطب تمسكًا بما هو عليه من الحق واليقين، ويستمر ويداوم؛ ولذا قالوا: إن التعبير بالأمر في مثل هذه الآيات وكذا النهي يفيدان طلب الدوام والاستمرار، أي: طلب دوام التقوى والاستقامة، والابتعاد عن الكفار، وعن الطغيان.