المصريين، فخاطب محمد محمود المذكور، قائلا: يا مولانا، أفدنا عن لون الخفين المذكورين؟ فقال له: سأعلمه للعوام، فتلقوه من هناك. فانفض المجلس.
ثم إن محمد محمود، أراهم الحديث في الشمائل، وأن الخفين كانا أسودين، فمبلغ ذلك الأستاذ البشرى وقال: إن في رواته ضعيفين، فهو غير مقبول. وألف في ذلك رسالة. وقد احتج يوما على بعض علماء الأزهر، بأن في الحديث راويين ضعيفين. فقلت له: أن الضعيف لا يرد إلا بما هو أصح منه، وإن الشيخ البشرى أضعف منهما، فلوى شاربيه، فسكت عنه. ولعله ظن أني أحقر البشرى بذلك، وليس الأمر كما ظن، بل لأن أقوى أهل عصرنا هذا، لا يبلغ في السنة مبلغ أضعف من تقدم، خصوصا من روى عنه الترمذي. ولا يخفى أن المسألة دخلها تعصب كبير. فلو فرضنا إن الكراهة مبنية على أن الجلد الذي صنع منه الخفان ميتة، لما كان ذلك مانعا!! أليس الدبّاغ يطهره؟ وإن عللناه بأنه من ذبائح النصارى، فإن ذبائح النصارى يباح أكلها. فكيف بجلد دبغ، على إنه من المعلوم عند المشارقة، إن القسطنطينية لا يذبح فيها غير المسلم من قديم. وإذا صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبس خفين من صنع أهل الكتاب أصفرين، فهلا كان ذلك دليل على جواز لبسهما لو كانا أسودين. لأن اللون لا عبرة به إذا لم يكن فيه نص، وكيف ومن المعلوم إن خفاف النصارى، كانت سودا في القديم وقد نص ابن السيد في شرح (أدب الكتاب): على أن النصارى معروفون بلباس الخفاف السوداء، في شرحه لبيت الشماخ، يصف أسؤق النعام:
وداويةٍ قفْرٍ تمشى نعامُها ... كمشي النصارى في خفاف اليرندج
فاليرندج: جلد أسود، وأضاف الخفاف إليه، لأنها تصنع منه، وشبه أسؤق النعام،
بأسؤق النصارى لا بسين الخفاف، ووجه التشبيه هو السواد، فلا وجه لإنكار سواد الخفين، اللذين أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لفظ حديث الترمذي (حدثنا هناد بن السري، حدثنا وكيع عن دلهم بن