وقال خالد بن الوليد لعبد المسيح بن عمرو الغساني وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة، من أين أفضي أمرك؟ قال: من صلب أبي، قال: من أين خرجت؟ قال: من بطن أمي، قال: فعلام أنت؟ قال: على الأرض، قال: ففيم أنت؟ قال: في ثيابي، قال: أتعقل؟ قال: إي والله وأقيد، قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد، قال: فما سنك؟ قال عظم، قال: ما تزيد في مسألتك إلا عناء، قال: ما أجبتك إلا عن مسألتك.
وقال الربيع بن عبد الرحمن: قلت لأعرابي: أتهمز إسرائيل؟ قال: إني إذن لرجل سوء، أراد قوله تعالى: (هماز مشاء بنميم) ، قلت: أتجر فلسطين؟ قال: إني إذن لقوي.
وقيل لأعرابي: أتهمز الفأرة؟ قال: الهر يهمزها.
ومما يستظرف في هذا الباب أن رجلاً من محارب وفد على عبد الله بن زيد الهلالي عامل أرمينية، وقد بات على قرب من غدير فيه ضفادع، فقال عبد الله: ما تركتنا شيوخ محارب ننام لشدة أصواتها، فقال المحاربي: أصلح الله الأمير، إنها ضلت برقعاً، فهن في طلبه، أراد الهلالي قول الأخطل:
تنق بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبري
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر
وأراد المحاربي قول الآخر:
لكل هلالي من اللؤم برقع ... ولابن هلال برقع وقميص
وأذن بشار لأصحابه في الدخول عليه، والطعام بين يديه، فلم يدعهم، ثم دعا بطست، وكشف عن سؤاله فبال، ثم حضر الظهر والعصر، فلم يصل، فقالوا له: أنت أستأذنا، وقد رأينا منك أشياء أنكرناها عليك، قال: وما هي؟ قالوا: دخلنا والطعام بين يديك فلم تدعنا إليه، قال: إنما أذنت لكم بالدخول لتأكلوا، ولو لم أرد هذا لما أذنت لكم، ثم ماذا؟ قالوا: دعوت بالطست، ونحن حضور، فبلت، ونحن نراك فقال: أنا مكفوف وأنتم بصراء، وأنتم المأمورون بغض البصر دوني، ثم ماذا؟ قالوا: حضرت الصلاة ولم تصل قال: إن الذي يقبلها تفاريق يقبلها جملة. أحسن في الثنتين، ولم يحسن في الثالثة.
وترك رجل النبيذ، فقيل له: لم تركته، وهو رسول السرور إلى القلب؟ فقال: ولكنه بئس الرسول يبعث إلى الجوف فيذهب إلى الرأس.
وسمع رجل أبا العتاهية ينشد:
فانظر بطرفك حيث شئت، ... فلا ترى إلا بخيلا
فقال: لقد بخلت الناس كلهم، فقال: اكذبني أنت بواحد منهم سخي.
وقال المأمون لمحمد بن عباد: أنت متلاف، فقال: منع الجود سوء الظن بالمعبود، يقول الله تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) .
وخوف بخيل سخياً الإملاق والفقر، فرد عليه السخي: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) .
وقال الحسن والحسين لعبد الله بن جعفر: إنك قد أسرفت في بذل المال، فقال: بأبي أنتما وأمي، إن الله عودني أن يتفضل علي، وعودته أن أتفضل على عبيده، وأخاف أن أقطع العادة، فيقطع عني عادته.
ودخل رجل على الشعبي - وهو مع امرأته - فقال: أيكما الشعبي؟ فقال: هذه، فقال: ما تقول - أصلحك الله - في رجل شتمني في أول يوم من رمضان؟ هل يؤجر؟ فقال له الشعبي: إن كان قال لك: أحمق فأرجو له الأجر.
وسأله آخر، فقال له: ما تقول في رجل أدخل أصبعه في أنفه في الصلاة، فخرج عليه دم، أترى له أن يحتجم؟ فقال: الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة.
وسأله فقال: كيف كانت تسمى امرأة إبليس؟ فقال: ذلك نكاح ما شهدناه.
ودخل الشعبي الحمام فرأى داود الأزدي بلا مئزر فغمض عينيه، فقال له داود: متى عميت يا أبا عمرو؟ قال: مذ هتك الله سترك.
وقال الأصمعي: قلت لامرأة ظريفة: يا جارية، هل في يديك عمل؟ قلت: لا، ولكن في رجلي.
وقال معاوية لعمرو بن سعيد: إلى من أوصى بك أبوك؟ وكان صغيراً، قال: إن أبي أوصى إلي، ولم يوص بي.
وكان للفرزدق نديم يسمى زياد الأقطع، فأتى به يوماً، فخرجت له بنية للفرزدق صغيرة، فقال: ابنة من أنت؟ قالت: ابنة الفرزدق، قال: فما بالك حبشية؟ قالت: فما بال يدك مقطوعة؟ قال: قطعت في حرب الحرورية، قالت: بل قطعت في اللصوصية. فقال: عليك وعلى أبيك لعنة الله، ثم أخبر الفرزدق، فقال: أشهد أنها ابنتي حقاً.
وأنشد الفرزدق شعراً وهو صغير، بمحضر الحطيئة فقال: هذا والله الشعر يا غلام، هل أنجدت أمك؟ قال: لا بل أنجد أبي.