ومر معاوية بن مروان بحقل له، فلم يعجبه، فقال: ما كذب من قال: كل حقل لا يرى قفا صاحبه لا يفلح، ثم نزل عن دابته، فأحدث فيه ثم ركب.
وهو الذي قال لوالد زوجته: ملأتنا ابنتك البارحة بالدم، قال: إنها من نسوة يخبئن ذلك لأزواجهن، ولو كنت خصياً ما زوجناك، فعلى الذي دلنا عليك لعنة الله.
وكان أبو العاج والياً بواسط، فأتاه صاحب شرطته بقوادة، فقال: ما هذه؟ قال: قوادة، قال: وما تصنع؟ قال: تجمع بين الرجال والنساء، قال: إنما جئتني بها لتعرفها بداري، خل عنك، لعنك الله ولعنها.
ودخل قوم على كردم، فقالوا له: أين القبلة في دارك؟ فقال: والله، ما اهتديت لها؛ لأني إنما دخلت هذه الدار منذ ستة أشهر.
ودخل كردم على رجل فدعاه للغداء، فقال: قد أكلت، فقال له: وما أكلت؟ قال: قليل أرز، فأكثرت منه.
ومرض كردم، فقال له عمه: أي شيء تشتهي؟ قال: رأس كبشين، قال: لا يكون ذلك، قال: فرأسي كبش، قال: وهذا لا يكون، قال: فلست أشتهي شيئاً.
وكان أبو إدريس السمان يكتب: فلا صبحك الله إلا بخير، ولا حيا وجهك إلا بكرامة.
وأتى عامر بن عبد الله بن الزبير بعطائه وهو في المسجد، فقام ونسيه، فلما سار إلى بيته ذكره، فقال لغلامه: إئتني بعطائي الذي نسيت في المسجد، قال له: وأين يوجد وقد دخل بعد ذلك المسجد جماعة؟ قال: وبقي أحد يأخذ ما ليس له؟ وسرقت نعله، فلم يلبس بعد ذلك نعلاً حتى مات، وقال: أكره أن أتخذ نعلاً، فيجيء من يسرقها فيأثم.
وقال بعضهم: مررت ببعض طرق الكوفة، فإذا أنا برجل يخاصم جاراً له، فقلت: ما بالكما؟ فقال: إن صديقي زارني، فاشتهى رأساً فاشتريته وتغدينا، فأخذت عظامه فوضعتها على باب داري؛ أتجمل بها عند جيراني، فجاء هذا فأخذها، ووضعها على باب داره؛ يوهم الناس أنه اشترى الرأس.
وقال بعض المتبردين: أفطرت البارحة على رغيف وزيتونة ونصف زيتونة أو زيتونة وثلث، أو زيتونة وربع، أو زيتونة وما علم الله من زيتونة أخرى، فقال له بعض الحاضرين: يا فتى، إنه بلغنا من الورع ما يبغضه الله، وأحسبه ورعك.
ونظر آخر إلى أهل عرفات فقال: ما أظن الله إلا قد غفر لهم، لولا أني كنت فيهم.
وحكى الأعمش قال: أتاني عبد الله بن سعيد، فقال لي: ألا تعجب؟ أتاني رجل فقال: دلني على شيء إذا أكلته مرضت؛ فقد استبطأت العلة، وأحببت أن أعتل فأؤجر، فقلت: اسأل الله العافية؛ واستدم النعمة، فإن من شكر الله على النعمة كمن صبر على البلية، فألح علي فقلت له: كل السمك المملوح، واشرب النبيذ الحار، وقم في الشمس، واستمرض الله يمرضك إن شاء الله.
ودخل قوم على رجل من الزهاد، فوجدوا عنده رائحة قبيحة، فقالوا له: ما هذا؟ نظنه في بعض نعالكم، فقال الزاهد: ليس كما قلتم، هو من حشو الكنيف، أودعته شاربي؛ رياضة للنفس وإذلالاً لها، ألا تطلع إلي الروائح التي تحرم عدا رائحة الجنة.
وسمع آخر تشاجر قوم في تاريخ شيء فقال: ليس هذا كما تزعمون، إنما كان هذا قبل ابتدائي بصيام الدهر، فلا كان هذا ولا كان صيامه.
وكان بغرناطة رجلان أحمقان، يقال لأحدهما: حسين، وللآخر: يحيى، فاشترى يوماً يحيى زناراً جديداً، فرآه حسين عليه، فأعجبه، فقال له: جرده وألبسه أنا أقيسه، والبس أنت زناري، فلبسه حسين، وأعطاه زناره المبتذل، ونظر عليه يميناً وشمالاً، ثم ذهب به مسرعاً، فقال له: جرد زناري، وذهب خلفه، إلى أن وصلا إلى البيازين، واجتمع عليهما الناس، فلم يقدر أحد أن يجرده له، فقالوا له: رد زناره، ونشتري لك غيره، ففعلوا، وبقي ذلك الزنار عليه.
وجمع بعض الملوك بين مجنونين؛ ليضحك عليهما، فبعث بهما، فأسمعاه ما يكره، فدعا بالسيف، فقال أحد المجنونين لصاحبه: كنا اثنين، فصرنا ثلاثة.
الحديقة الرابعة في الوصايا والحكم وفيها باب الواحد
الباب الأول
لما وجه ابن هبيرة مسلم بن سعيد إلى خراسان، قال له: أوصيك بثلاثة: حاجبك؛ فإنه وجهك الذي تلقى به الناس، إن أحسن، فأنت المحسن، وإن أساء فأنت المسيء، وصاحب شرطنك؛ فإنه سوطك وسيفك، وحيث وضعتهما، وضعتهما، وعمال الفرد، قال له: وما عمال الفرد؟ قال: أن تختار من كل كورة رجالاً لعملك، فإن أصبت فهو الذي أردت، وإن أخطأت فهم المخطئون، وأنت المصيب.