وتنبأ رجل في أيام المأمون، فقال: يا ثمامة، ناظره، فقال: ما أكثر المتنبئين في دولتك يا أمير المؤمنين فهون عليك، ثم التفت إلى المتنبئ فقال: ما دليلك على نبوتك؟ قال: تحضر لي امرأتك يا ثمامة، فأنكحها بين يديك، فتلد غلاماً ينطق في المهد، ويخبرك أني نبي، قال ثمامة: أشهد أنك رسول الله، قال له المأمون: ما أسرع ما آمنت به، قال: وأنت يا أمير المؤمنين ما أهون عليك أن ينكح امرأتي على بساطك، فضحك المأمون وأطلقه.
وادعى رجل النبوة في أيام المهدي، فأتى به، فقال له: من أنت؟ قال: نبي، قال: ومتى تنبأت؟ قال: وما تصنع بالتاريخ؟ قال: في أي موضع جاءتك النبوة؟ قال: وقعنا في شغل، ليس هذا من مسائل الأنبياء، إن كان رأيك أن تصدقني في كل ما أقول لك فاعمل بقولي، وإن كنت عزمت على تكذيبي، فدعني، أذهب عنك، قال المهدي: هذا لا يجوز؛ إذ فيه فساد الدين، قال: وا عجباً لك تغضب لفساد دينك، ولا أغضب لفساد نبوتي، أما والله، ما قدرت علي إلا بمعن بن زائدة، والحسن بين قحطبة، وما أشبههما من قوادك، وكان عن يمين المهدي شريك القاضي، فقال له: ما تقول في هذا النبي؟ قال: شاورت هذا في أمري، ولم تشاورني في أمره، قال له القاضي: هات ما عندك، قال: أخاصمك بما جاء به من قبلي من الرسل، قال القاضي: قد رضيت، قال: أكافر أنا عندك أم مؤمن؟ قال: كافر، قال: فإن الله تعالى يقول: (ولا تطع الكفرين والمنفقين) فلا تطعني ولا تؤذني، ودعني أذهب إلى الضعفاء والمساكين؛ فإنهم أتباع الأنبياء، وادع الملوك والجبابرة؛ فإنهم حطب جهنم، فضحك المهدي وخلى سبيله.
وقال ثمامة بن أشرس: شهدت المأمون، وأتي برجل يدعي النبوة، وأنه إبراهيم الخليل، فقال المأمون: سمعتم أجرأ على الله من هذا؟ فقلت له: يا هذا، إن إبراهيم - عليه السلام - كانت له براهين، قال: وما براهينه؟ قلت: أضرمت له نار، فألقي فيها، فصارت عليه برداً وسلاماً، ونحن نضرم لك ناراً، ونطرحك فيها، فإن كانت عليك كما كانت على إبراهيم عليه السلام آمنا بك، قال: هات ما هو أقرب من هذا، قلت: فبراهين موسى عليه السلام، قال: وما كانت؟ قلت: عصاه التي ألقاها فصارت حية تسعى، وضرب بها البحر فانفلق، قال: هذا صعب، هات ما هو أقرب من هذا، قلت: فبراهين عيسى عليه السلام، قال: وما هي؟ قلت: كان يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى، قال: ما معي من هذا كله شيء، وقد قلت لجبريل: إنكم توجهونني إلى شياطين، فأعطوني حجة أذهب بها إليهم، وأحتج عليهم، فغضب علي وقال: بدأت بالشر، اذهب الآن، فانظر ماذا يقول لك القوم، قلت: هاجت بي مرارة يا أمير المؤمنين، قال: قد صدقت فدعه.
وتنبأ رجل بخراسان فأتى به العامل، فقال: من أنت؟ قال: نبي، قال: وما صناعتك؟ قال: حائك، قال: فنبي حائك؟ قال له: فأردت أنت صيرفياً؟ (الله أعلم حيث تجعل رسالته) فضحك منه وأمر بإطلاقه.
الباب الثالث في أخبار المغفلين وأهل البله وما يحكى عن المجنونين، ومن لا عقل لهم
قال بعضهم: أردت النكاح، فقلت: لأستشيرن أول من يطلع علي، فأعمل برأيه، فأول من طلع علي هبنقة القيسي الأحمق، وهو راكب على قصبة، فقلت له: إني أستشيرك في النكاح، قال: البكر لك، والثيب عليك، وذات الولد لا تقربها، واحذر فرسي؛ لئلا يضربك، فلم أر أعقل منه في هذا الكلام.