وسئل أعرابي عن مسألة في الفرائض، ففكر ساعة، ثم قال: انظروا هل مات مع هذا الميت أحد من قرابته؟ فقالوا: ولم؟ فقال: لأن هذه الفريضة لا تصح إلا بموت آخر.
وقال أبو العيناء لأعرابي: إن الله محاسبك، فقال الأعرابي: سررتني؛ إن الكريم إذا حاسب تفضل.
وقال الأصمعي: حضر أعرابي عند الحجاج، فقدم إليه فالوذج، فلما أكل الأعرابي منه لقمة، قال الحجاج: من أكل هذا ضربت عنقه، فامتنع الناس، فجعل الأعرابي ينظر إلى الحجاج مرة وإلى الطعام مرة، ثم قال: أوصيك بالصبية خيراً، وأتى على الأكل، فضحك الحجاج حتى استلقى على ظهره، وأمر له بجائزة.
وقال الأصمعي: دخل علي أعرابي من فزارة بعد المغرب، وأنا أتعشى، فقلت: العشاء، قال: إني صائم، فقلت: قد دخل الليل، قال: قد علمت، ولكني وجدت صوم الليل أهون من صوم النهار، وهما جميعاً واحد، ولن يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وقال الأصمعي: سألت أعرابياً عن شهر رمضان، كيف صاموه؟ قال: تجرد منا ثلاثون رجلاً، فصام كل واحد يومه.
وذكر قوم قيام الليل وما فيه من الأجر، وعندهم أعرابي، فقالوا له: يا أعرابي، أتقوم الليل؟ قال: إي والله، أقوم أبول وأرجع.
وشهد أعرابي عند معاوية، فقال له معاوية: كذبت، فقال الأعرابي: الكاذب، والله، المتزمل في ثيابك، فضحك معاوية، وقال: هذا جزائي.
وقيل لأعرابي: أتقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم، أم القرآن، ومدحة الرب، وهجاء أبي لهب.
وضل لأعرابي جمل، فجعل ينشده، ويقول: من وجده فهو له، فقيل له: لم تطلبه وقد وهبته لواجده؟ فقال: وأين لذة الوجدان؟ وضل لأعرابي جمل، فحلف بالله أنه إن وجده باعه بدرهم، فوجده، فلزمه بيعه، فشد في عنق الجمل سنوراً، وقال: السنور بمائة درهم، والجمل بدرهم، ولا أبيعهما إلا معاً.
وجمع أعرابي أولاده، وقال: يا بني، أوصيكم بالناس شراً، كلموهم شزراً، وأطعموهم نزراً، ولا تقبلوا لهم عذراً، ولا تقيلوا لهم عثرة، ولا ترحموا لهم عبرة، وقصروا الأعنة، واشحذوا الأسنة، وإياكم والوهن؛ فيطمع الناس فيكم.
وقرأ أعرابي في الصلاة: إنا بعثنا نوحاً إلى قومه، فقال له رجل من خلفه: (إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه) فقال: والله ما يفرق بينهما إلا جاهل.
وسقط أعرابي عن بعير، فانكسرت أضلاعه، فأتى المجبر، فقال له: خذ زبيباً، وانزع عجمه وأقماعه، ودقه واعجنه بعسل، وضمد به الموضع، فقال الأعرابي: من داخل أضمد، أو من خارج؟ قال: اجعله حيث تعلم أنه ينفعك.
وقيل لأعرابي، وقد رئي مغتماً، ما شأنك؟ قال: سوء الحال، وكثرة العيال، قيل: لا تغتم؛ فإنهم عيال الله، قال: قد صدقتم، ولكن كنت أحب أن يكون الوكيل عليهم غيري.
وشوي لأبي جعفر الهاشمي دجاج، ففقد فخذاً من دجاجة، فأمر، فنودي في داره: من هذا الذي تعاطي فعقر، والله، لا، أخبز في هذا التنور شهراً أو يرد، فقال ابنه الأكبر: (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) .
ورأى أعرابي رجلاً سميناً، فقال له: إني أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك.
وحضر أعرابي على مائدة المغيرة، فجعل يأكل ويتعرق، فقال المغيرة: يا غلام، ناوله سكيناً، فقال الأعرابي: كل امرئ سكينه في رأسه.
وغز أعرابي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوتك هذه؟ قال: حط عنا نصف الصلاة، وأرجو في غزوة أخرى أن يضع عنا النصف الآخر.
وقيل لأعرابي: ألا تغزو الأعداء؟ قال: كيف يكونون لي أعداء، وأنا لا أعرفهم ولا يعرفونني.
وقيل لآخر: ألا تجاهد في سبيل الله؟ فقال: والله، إني لأبغض الموت على فراش، فكيف آتيه ركضاً؟
فصل في المتنبئين
قال أبو الطيب اليزيدي: أخذ رجل ادعى النبوة في أيام المهدي، فأدخل عليه، فقال له: أنت نبي؟ قال: نعم، قال: وإلى من بعثت؟ قال: أو تركتموني أذهب إلى أحد؟ ساعة بعثت ثقفتموني في السجن، فضحك المهدي وخلى سبيله.