ودخل رجل بجاية، فقال: ما أكثر هذه البلاد بكلاب، فأخرجت امرأة رأسها من طاق، وقالت: أكثرهم برانيون.
وشهد عند ابن شبرمة قوم على براح فيه نخل، فقال لهم: كم من نخلة؟ فقالوا: لا نعلم، فرد شهادتهم، فقال له بعضهم: أنت تقضي في هذا المسجد ثلاثين سنة، فهل تعلم كم من سارية فيه؟ فانقطع، وأجاز شهادتهم.
ودخل رجل من الهاشميين على المنصور، فقال له المنصور: متى مات؟ وما كان سبب موته؟ فجعل يقول: اعتل رحمه الله في وقت كذا، وخلف رحمه الله كذا، فقال له الربيع: كم تترحم على أبيك بين يدي أمير المؤمنين، فقال الهاشمي: لا ألومك فأنت لا تعرف حلاوة الآباء، وكان الربيع يرمي بأنه لا يعرف له أب.
وقال المنصور لأهل الشام: ألا تحمدون الله الذي رفع عنكم الطاعون منذ علينا أمركم؟ فقال له رجل: الله أعدل من أن يجمعك والطاعون علينا، فسكت، ولم يزل يطلب عليه العلل حتى قتله.
وكان بسجستان صاحب نعمة، فأخذه يعقوب بن الليث وأفقرهن فلما كان بعد مدة أدخل عليه، فقال له يعقوب: كيف أنت الساعة؟ قال له: كيف كنت أنت قديماً، فقال له يعقوب: وكيف كنت أنا قديماً؟ قال: كما أنا الساعة، فأطرق يعقوب برأسه، وأمر له بألف درهم.
وقال معاوية في مجلسه ذات يوم: إن الله عز وجل يقول: (وإن من شيء إلى عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) فلم تلومونني؟ فقال الأحنف بن قيس: ما نطالب بما في خزائن الله، ولكن المقدار المعلوم الذي أنزله الله من خزائنه قد جعله في خزائنك، فانقطع معاوية، ولم يجب.
ودخل رجل على كسرى يتظلم من بعض عماله في ضيعة غصبها له، فقال كسرى: قد أكلت ضيعتك منذ أربعين سنة، فما عليك أن تتركها لعاملي هذه السنة؟ فقال: أيها الملك، وما عليك أن تسلم موضعك إلى بهرام عدوك؟ فأمر برد ضيعته.
ودخل ابن يزيد على هشام بن عبد الملك، وعلى رأس يزيد قلنسوة حسنة، فقال هشام: بكم أخذت قلنسوتك هذه؟ قال: بألف درهم، قال: سبحان الله، قلنسوة بألف درهم؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أخذتها لأكرم أطرافي، وأنت قد اشتريت جارية بألف درهم لأخس أطرافك، فأفحم هشاماً بالجواب.
وجلس محمد بن الزيات للمظالم، فجاءه رجل يتظلم، فقال له: غصبني وكيلك ضيعتي، وحازها إلى أرضك، قال: تحتاج إلى بينة وشهود، وأشياء كثيرة، قال: الشهود هم البينة وأشياء كثيرة تجيء من عندك، فبقي ابن الزيات باهتاً، ثم رد عليه ضيعته.
وقال رجل لجارية أبيه: يا زانية، فقالت: لو كنت كذلك لجئت بآخر مثلك.
وقال رجل من العباسيين لأبي العيناء: تبغضني وقد أمرت بالصلاة علي؟ تقول: اللهم صل على محمد وعلى آله، فقال أبو العيناء: فإني أقول: الطيبين الصالحين، فتخرج أنت منهم.
وقال أبو العيناء: ما أخجلني أحد مثل ما أخجلني ابن ظريف لعبد الرحمن بن خاقان، كنت يوماً عندهم، فقلت لأبيه: وددت أن لي ابناً مثل ابنك، فقال الابن: هذا أمر هين، عليك بأم عيالك؛ فإنها تأتيك بابن مثلي.
وكان زياد الأعجم يوماً يتكلم وهو قائم، والناس حوله، فمر به الفرزدق، فقال له: صرت يا أغلف تتكلم بين الناس، فقال زياد: أو أخبرتك أمك بالخبر.
وقال رجل لبعض الشعراء: أنت تقذف المحصنات في شعرك، فقال: إذن لا يصيبك في أمك من شعري شيء.
وقال نصر بن سيار الأعرابي: هل أصابتك تخمة؟ قال: أما من طعامك، وطعام أبيك، فلا.
وقال المدائني: كان عند روح بن زنباغ هند ابنة النعمان بن بشير، وكان شديد الغيرة، فأشرفت تنظر إلى وفد من جذام كانوا عنده، فزجرها، فقلت: إني والله لأبغض الحلال من جذام، فكيف بالحرام منهم؟.
الباب الثاني
في مستحسن الأجوبة التي هي عن ذكاء قائلها معربة قبل لأبي الأسود الدؤلي: أشهد معاوية بدراً؟ قال: نعم، من تلك الناحية.
ولقي الحسين بن علي رضي الله عنهما في حين خروجه إلى العراق فسأله: ما وراءك؟ فقال له: تركت القلوب معك، والسيوف عليك، والنصر من عند الله.
وقدم معن بن زائدة أسرى كانوا عنده للقتل، فلما مثلوا بين يديه، قال أصغرهم: أتقتل الأسرى عطاشاً؟ فأمر لهم بالماء فلما شربوا، أمر بقتلهم، فقال له: أتقتل أضيافك يا معن فعفا عنهم، وخلى سبيلهم.
وقيل للحسن البصري: أينام إبليس؟ قال: لو نام لوجدنا الراحة.