فضحكت، واستعادت: حوتاً في عصيدة، وهي تضحك، ثم قالت لجارية: خذي ما عندك، وامشي إليه، فلما بلغها الرسول منزله، لم يجده، فدفعها إلى امرأته، ودخل دلامة ابنه، وأمه تبكي، فسألها فأخبرته وقالت: إن أردت بري يوماً من الدهر فاليوم، قال لها: قولي ما شئت أفعل، قالت: تدخل إلى الجارية، وتعلمها أنك مالكها، فتطؤها، فتحرم عليه، وإلا شغلته فجفاني وجفاك، ففعل، وجاء أبو دلامة فسألها عنها، فقالت: هي في ذلك البيت، فدخل، ومد يده وذهب ليقبلها، فرأت شيخاً قبيح الوجه، فقالت: تنح عني، وإلا لطمتك لطمة أدق بها أنفك، فقال: أو بهذا أوصتك سيدتك؟ فقالت: إنها بعثتني إلى فتى، من صفته كذا وكذا، وقد نال مني حاجته، فعلم أنه وهي من دلامة وأمه، فخرج ولطمه ولببه، وحلف ألا يفارقه حتى يوصله إلى المهدي، فمضى على تلك الحالة، حتى دخل على المهدي، فقال له: ما لك؟ ويحك، فقال: عمل بي هذا ابن الخبيثة ما لم يعمله أحد بأحد، ولا يرضيني إلا أن تقتله، وأخبره الخبر، فضحك منه، فقال: علي بالسيف والنطع، فقا دلامة: اسمع حجتي يا أمير المؤمنين كما سمعت حجته، قال: هات، قال: هذا الشيخ أصفق الناس وجهاً، هو ينكح أمي منذ أربعين سنة، فما غضبت ونكحت جاريته مرة واحدة، فغضب المهدي أشد من ضحكه الأول، وقال: دعها له، وأنا أعطيك خيراً منها، قال: على أن تخبئها لي بين السماء والأرض، فصرفهما، وحلف لدلامة: إن عاد ليقتله.
وأقبل دلامة إلى أبيه في محفل، فجلس بين يديه، وقال للجماعة: إن شيخي كما ترون قد كبرت سنه، ورق جلده، ورق عظمه، وبنا إلى حياته حاجة، ولا أزال أشير عليه بالشيء يمسك رمقه، ويبقي قوته، فيخالفني، وأسألكم أن تسألوه قضاء حاجة، فيها صلاح جسمه، فقالوا: حباً وكرامة، فأخذ أبو دلامة بألسنتهم، فقال وقولوا: للخبيث: ليقل ما يريد، فستعلمون أن لم يأت إلا ببلية، فقال: إنما يقتله كثرة النكاح، ولا يقطعه عنه إلا الخصا، فتعاونونني عليه حتى أخصيه، فضحكوا منه، ثم قالوا لأبيه: قد سمعت، فما عندك؟ قال: قد عرفتكم أنه لم يأت بخير، وقد جعلت أمه حكماً بيني وبينه، فدخلوا إليها وقصوا القصة عليها، فأقبلت على الجماعة، وقالت: إن ابني - أبقاه الله - قد نصح أباه وأبره، وأنا إلى بقاء أبيه، أحوج منه إليه، إلا أن هذا أمر لم تقع به تجربة عندنا، ولا جرت به عادة، وهو قد ادعى معرفة هذا، فليبدأن بنفسه، فإذا هو عوفي، ورأينا ذلك قد أبقى عليه أثراً محموداً، استعمله أبوه على علم، فجعل القوم يعجبون من اتفاقهم في الخبث.
وقال الفقيه أبو عمرو بن حكم: خرج رجلان من بلدهما من الضياعة والفقر، فلما وصلا إلى بلد آخر، وجدا بخارج تلك البلدة وادياً فيه أشجار كثيرة، فقطعا منها، وصنعا بيتاً في خارج البلدة، ونادى مناديهما: من أراد أن ينظر شيئاً ما رآه قط، فليأت الموضع الفلاني، فاجتمع الناس إليهما، وقعد أحدهما في داخل البيت، ووقف الآخر خارج البيت، وقال للناس: من أراد أن يرى عجباً يعطي درهماً ويدخل البيت، فتشوق الناس إلى ذلك، فدخل شخص، فرأى الرجل وبين يديه رجل حمار، فقال له: هذا في است من يقول لأحد ما رأى فخرج وهو يضحك، فقال له الناس: ما رأيت؟ قال: ادخلوا تروا ما رأيت ومضى، فلم يزل الناس يدخلون كذلك إلى آخرهم، واجتمعت له جملة كبيرة من دراهم.
ودخل أبو العيناء على عبيد الله، وبين يديه شطرنج يلعب به، مع بعض أولاده، فقال له عبيد الله: من أي الحزبين تريد أن تكون؟ قال: معك، فلم يكن بأسرع من أن قال: قد غلبنا، ولزمك من القمار عشرون رطلاً من الثلج، قال: احضره أيها الأمير، ولكن تأذن لي أن أمضي إلى داري أوصيهم بما أحتاج إليه، حتى يدرك الطعام، وأوافيك بالثلج، فقال: امض، ولا تتأخر، فركب حماره، ومضى لأبي العباس بن ثوابة، فقال له: الأمير يدعوك الساعة، فلبس ابن ثوابة ثيابه، وركب دابته وصار معه أبو العيناء، فما شعر عبيد الله إلا بأبي العيناء مع ابن ثوابة قد وافى، فسر بذلك، فقال أبو العيناء: كلفونا أربعين رطلاً من الثلج، وقد جئتك بثلج مذاب كله، فخذ منه ما شئت، فضحك عبيد الله حتى استلقى.