وروي أن نعيمان رضي الله عنه أصابه رمد في عينه، فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده يأكل تمراً، فقال له: أتأكل التمر وأنت أرمد؟ فقال له نعيمان: إنما أنا آكل من الجهة الأخرى، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل لسفيان الثوري: المزاح هجنة، قال: بل سنة.
وقال عبد الله بن عمر لجاريته: خلقني خالق الخير، وخلقك خالق الشر، فبكت، فقال: لا عليك؛ فإن الله هو خالق الخير والشر جميعاً.
وكانت سويداء لبعض الأنصار، تختلف إلى عائشة رضي الله عنها، تلعب بين يديها وتضحكها، وربما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على عائشة فيجدها عندها، فيضحكان جميعاً، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم فقدها، فقال: يا عائشة ما فعلت سويداء؟ قالت: إنها مريضة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودها فوجدها في الموت، فقال لأهلها: إذا توفيت فأذنوني، فلما توفيت أعلموه، فشهدها، وصلى عليها وقال: اللهم إنها كانت حريصة على أن تضحكني، فأضحكها فرحاً.
وفي بعض الكتب المترجمة أن يحيى وشمعون كانا من الحواريين، فكان يحيى لا يجلس مجلساً إلا ضحك وأضحك من حوله، وكان شمعون لا يجلس مجلساً إلا بكى وأبكى من حوله، فقال شمعون ليحيى: ما أكثر ضحكك، كأنك قد فرغت من عملك، فقال له يحيى: ما أكثر بكاءك كأنك قد يئست من ربك، فأوحى الله إلى عيسى عليه السلام: أن أحب السيرتين إلي سيرة يحيى.
وفي بعض الكتب المنزلة أيضاً أن عيسى بن مريم لقي يحيى بن زكرياء فقال له عيسى: إنك لتبتسم تبسم آمن، فقال له يحيى: إنك لتعبس تعبس قانط، فأوحى الله إلى عيسى عليه السلام أن الذي يفعل يحيى أحب إلي.
وكان عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيه مزاح، فدخل على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وهي عمة والده يعودها في مرضها الذي ماتت فيه، فقال لها: كيف تجدينك يا أمي، فدتك نفسي، فقالت: في الموت، قال: فلا أفديك إذن، فتبسمت وقالت له: ما تدع مزاحك على حال.
ولقي نعيمان، وهو من قدماء الصحابة، وكان رجلاً صالحاً مع ما كان فيه من المزاح، أعرابياً معه عكة عسل، فاشتراها منه، وجاء بها إلى عائشة والنبي صلى الله عليه وسلم عندها، فقرع الباب، وقال: خذوا هذه، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أهداها له، ومر نعيمان، وترك الأعرابي جالساً، فلما طال جلوسه، صاح: يا هؤلاء، ردوا علي عسلي إن لم يحضر الثمن، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم كلامه، فأعطاه ثمنه، فلما جاء نعيمان، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ما فعلت يا نعيمان؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحب العسل، ولم كين عندي ثمنه، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
ومر نعيمان بابن نوفل البصير، وهو في المسجد، فقال له: أريد أن أبول فأخذه بيده، وحمله إلى موضع في المسجد، وقال له: اجلس، ومضى وتركه، فبال، فصاح الناس به: يا أبا المغيرة، إنك لفي المسجد، قال: نعيمان أجلسني ها هنا، لله علي أن أضربه بعصاي هذه إن وجدته، فبلغه الخبر، فجاءه بعد ذلك، وهو لا يعرفه، فقال له: هل أدلك على نعيمان؟ قال: نعم، قال: هو ذا يصلي، وجاء به إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: هذا نعيمان، فعلاه بالعصا، فضحك الناس به: ويحك، هو عثمان، فقال: من قادني إليه؟ قالوا: نعيمان، قال: والله لا تعرضت له بسوء أبداً.