ونظر أعرابي إلى درهم في يد رجل، فأدام النظر إليه، فقال له الرجل: لو كان لك ما كنت تصنع؟ قال: كنت أنظر إليه نظرة، ثم يكون آخر عهده بالشمس.
وحكى بعضهم قال: وقف خالد بن صفوان بباب سليمان بن علي، فاتقى بغلة كانت بالموضع واقفة، فقيل له: إنها ما ركضت أحداً قط، فقال: أخاف أن أكون أنا المستثنى، فيقال: غير خالد.
وجاء رجل إلى أبي ضمضم القاضي، يستعدي على رجل في دابة، اشتراها منه، وبها عيب، فقال أبو ضمضم: وما عيبها؟ قال: في أصل أذنها شيء مثل الرمانة، وفي ظهرها شيء مثل التفاحة، وفي عجيزتها شيء مثل الجوزة، وفي بطنها شيء مثل اللوزة، فقال القاضي: مر عنا يا بارد؛ هذا من صفات بستان، لا عيب دابة.
وهبت ريح شديدة، فقال الناس: قد قامت القيامة، فقال زائدة المخنث: قيامة بلا خروج دابة، ولا خروج دجال، هذا مما لا يكون.
وكتب سليمان بن عبد الملك إلى عامله بالمدينة، أن أحصي المخنثين، واخصهم، فخصاهم، وكان فيهم دلال المخنث، فمر بهم رجل، فقال له: ما هذا؟ فقال: الختان الثاني، فالآتي تم التخنيث.
ولما صلب ابن برحان اللص، جاز عليه خبيب بن ثابت فنظر إليه ودعا له، فقيل له: لم تدعو له، وهو برحان اللص؟ قال: فلمن أدعو، أللحسن وابن سيرين؟ وأتت امرأة إلى بلال بن بردة من ولد أبي موسى الأشعري في أمر اتفق بينها وبين زوجها، فأوجب الحاكم أن يفرق بينهما، فقالت له المرأة: يا بني موسى، ما خلقكم الله إلا للتفريق بين الناس.
وحج سليمان بن الأعمش، ومعه جماعة، فطالبهم الجمال بشيء، فأخذوا في ضربه، فقيل لسليمان بن الأعمش، وكان في يده عصاً: يا أبا محمد، ألست حاجاً؟ قال: بلى، ولكن من تمام مناسك الحج ضرب الجمال.
وقال الهيثم بن عدي: قعدت عند ابن عباس رضي الله عنه، فجاءت هدية من مكة فيها ثياب من عمل أهل اليمن، وأخر من مصر فقلت: ألست تروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من جاءته هدية، وعنده قوم جلوس، فهم شركاؤه فيها، قال: يا ابن أخي، إنما ذلك في التمر والسويق، وما أشبههما، وأما في الثياب العدنية، فلا.
ولما حج المأمون اعترضه رجل في الطريق، فقال: يا أمير المؤمنين، أنا رجل أريد الحج، قال له: الطريق أمامك، قال: وليس لي نفقة، قال: قد سقط عنك الغرض، قال: إني جئت مستمخاً لا مستفتياً، فأمر له بجائزة، وضحك.
وقال أبو علي البصري لأبي العيناء: إني ولدت قبل طلوع الشمس بيسير، قال: فلذلك كنت سائلاً؛ لأنه وقت انتشار الشمس.
ووقع حرب في بعض الثغور، فخرج رجل بقوس بلا نشاب، فقيل له في ذلك، فقال: نأخذ النشاب مما يجيئنا من العدو، قيل له: فإن لم يجيء، قال: لا يكون بيننا وبينهم قتال.
وتغدى أبو الحارث عند رجل، فقدمت دجاجة، فقال لغلامه: إنما كان ينبغي أن تقدمها في أول الطعام، ارفعها، فما كان في اليوم الثاني أتى بها في وسط الطعام، فقال: ألم أقل لك: إنما يبدأ بها في أول الطعام، فقال له أبو الحارث: دجاجتك هذه ميتة أطول عمراً منها حية.
وكان بعضهم يقدم على مائدته خبز درمك مقدار ما يأكله وحده، ويطعم جليسه خبزاً أحمر، وكانت هذه عادته مع من يواكله، فحضر مائدته يوماً إنسان لم يحضرها قبل ذلك، فلما وضع الدرمك بين يديه، مد الرجل يده، وأخذ منه، فقال له صاحب الموضع: ما هذا؟ قال: اشتهيت أن آكل خبزي بهذا الخبز، فخجل رب الدار، وعلم قبح فعله.
وسرق لرجل بخيل عشرة آلاف درهم، فأظهر الجزع عليها، فقال بعض الناس: من أين كنت اكتسبتها؟ قال: كنت أجمع الدرهم إلى الدرهم منذ ثلاثين سنة، قال: فهل كنت تحدث نفسك أن تفعل بها شيئاً من أبواب البر؟ قال: لا، قال: فهل كنت تؤمل أن تمتع بها نفسك؟ قال: لا، وإنما كنت أجعلها في جراب تحت رأسي، أستلذ بها، قال: فاجعل تحت رأسك حجراً عوضاً منها.
وكان بعضهم يتعاهد وقت طعام رياح الجوهري، ولا يخطئ وقته عند الزوال، وربما دخل وهم يأكلون، أو حين تجعل المائدة، فيقول: لعن الله القدرية، من كان يستطيع أن يصرفني عن هذا الطعام وقد كان في اللوح المحفوظ أني لابد أن آكله؟ فلما أكثر من ذلك قال له رياح: تعال أنت في غير هذا الوقت، فإن وجدت ما تأكله، فالعن القدرية وآباءهم.