أما بعد فإني جمعت في هذا الكتاب من طرف الأخبار، ورائق الأشعار، ومستحسن الجواب، ومضحكات المولدين والأعراب ونوادر الحكم والأمثال والآداب ما يستحسن ويستطرف، ويستملح ويستظرف من كل نادرة غريبة، أو نكتة عجيبة، أو حكاية بارعة، أو حكمة نافعة، أو قطعة شعر رائعة أو مخاطبة فائقة، مع ما يستفاد في ذلك من الوقوف على مناقب الملوك ومآثرها، ومحامدها ومفاخرها، ومكارم أخلاقها وشيمها، وشرف أنفسها وهممها، وجميل أفعالها وكريم محلها واحتمالها، وعدلها ووفائها، وبأسها وسخائها، وخوفها ورجائها، وحزمها واتقائها، وعزمها وإمضائها، وصفحها وإغضائها، وجدها واعتنائها، وسطوتها وحنانها، واستقباحها واستحسانها، وسيرها وعوائدها، وجوائزها وفوائدها، إلى غير ذلك من معرفة سنن م تقدم من الولاة والأمراء، والكتّاب والشعراء، والأئمة والخطباء، والمؤذنين والفقهاء، والوعاظ والحكماء، والأعراب والغرباء، والمجان والظرفاء، والمجنونين والعقلاء، والطفيليين والبخلاء، وحذاق الجواري والنساء، وأهل التصنع والرياء، والزهاد والأولياء، فأخذت في تبويبه وترتيبه، واجتهدت في تهذيبه وتقريبه، واعتنيت بتأليفه وجمعه، ورددت كل جنس إلى جنسه، وكل نوع على نوعه، وجعلت الشكل فيه مع شكله وضممت المثل إلى مثله، ليسهل النظر فيه على مطالعه، وتحصل الفائدة لقارئه وسامعه، فجاء بحمد الله سبحانه حسن الترتيب، بديع التهذيب، فهو روضه آداب، ومتعة أحداق وأسماع ألباب، فيه تسلية للنفوس وترويح للأرواح، واستجلاب للمسرات والأفراح، وراحة الخاطر، وأنس المجالس والمسامر، وتحفة القادم، وزاد المسافر، وسميته حدائق الأزاهر في مستحسن الأجوبة والمضحكات والحكم والأمثال والحكايات والنوادر، وجعلته ست حدائق: الحديقة الأولى: في المجاوبة البديهية والمخاطبة المرضية، وفيها ثلاثة أبواب: الباب الأول في مسكت الجواب ومفحم الخطاب، الباب الثاني في مستحسن الأجوبة التي هي عن ذكاء قائلها معربة، الباب الثالث في أبيات شعر وقعت جواباً، واستعملت خطاباً، الحديثة الثانية: في مداعبة يستجلب بها أبواب: الباب الأول في ترويح الأرواح بمستحسن المزاح، الباب الثاني في المضحكات المستحسنة، الخفيفة على الألسنة، الباب الثالث في المضحكات المستملحة، وإن كانت ألفاظها مستقبحة، الباب الرابع في نوادر أولي العقول والألباب، وحكايات المستخفين والمغفلين من المولدين والأعراب، وفيها ثلاثة أبواب: الباب الأول في النوادر المستغربة، والنكت المستعذبة، الباب الثاني في أخبار الأعراب والمتنبئين ونوادر المجان والمستخفين، الباب الثالث في أخبار المغفلين وأهل البله، وما يحكى عن المجنونين، ومن لا عقل له. الحديقة الرابعة: في الوصايا والحكم وفيها باب واحد. الحديقة الخامسة: في أمثال العامة وحكمها، وفيها باب واحد. الحديقة السادسة: في الحكايات الغريبة، والأخبار العجيبة، وفيها ثلاثة أبواب: الباب الأول في الحكايات المستطرفة والأخبار المستظرفة، الباب الثاني في مختار الحكايات والأخبار ذوات الأشعار، الباب الثالث في حكايات الأولياء والعباد، والصلحاء والزهاد، وعسى الله أن ينفع بهذا الباب وأهله، ويجعله كفارة للأبواب المتقدمة من قبله، إنه ولي التوفيق، والهادي إلى سواء الطريق.
الحديقة الأولى
في المجاوبة البديهية والمخاطبة المرضية وفيها ثلاثة أبواب: الباب الأول في مسكت الجواب، ومفحم الخطاب
قال عقبة بن أبي معيط لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بضرب عنقه يوم بدر: من للصبية؟ قال: النار.
وقال معاوية بن أبي سفيان لرجل من سبأ أهل اليمن: ما كان أحمق قومك حين قالوا: (ربنا باعد بين أسفارنا) أما كان اجتماع الشمل خيراً لهم؟ فقال اليماني: قومك أحمق منهم حيث قالوا: (إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) أفلا قالوا: إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له.
وقال معاوية أيضاً لابن عباس رضي الله عنه: أنتم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم، فقال له ابن عباس: وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم.