نام کتاب : المطالع البدرية في المنازل الرومية نویسنده : الغزي، أبو البركات جلد : 1 صفحه : 287
ثم أخذنا في أهبة الترحَال، ورحلنا منه بعد الزوال، وسرنا في فياف كثيرة التراب والعجاج، واسعة الشعوب والفجاج، شديدة الحرّ والسموم، (ماؤها بعد قوة محموم، ونسيمها بعد تنفسه مزكوم، وسحاب وخير مركوم، وثوب حميمه مَرقوم). ثم انتهينا إلى تلال وأوعار، وأشجار من شجر البادية صغار وكبار، إلى أن أشرفنا على بحرة أَزْنِيْق، ذات المنظر الأنيق، والوجه الشريق، وهبّ نسيم الروح منبعثاً بما به الروح تحيا بعد موتٍ وتبعث، وعاد إلى الأجسام رونق حسنها وكادت به تفنى حقيقاً وتجدث. (ثم مسينا ساحلها على بساطٍ أخضر، وأديمٍ أنضر) ثم لم نزل في طريقنا ذلك نتجول على تلك المنازل، ونتحول في هاتيك الخمائل. ودخلنا البلدة والشمس مرضى أصائلها، والربى معصفرة وصائلها، ونزلنا بها بعمارة منسوبة للوزير الأعظم الهُمَام إبراهيم باشا والد عيسى باشا نائب الشَّام، وبتنا بها ليلة الاثنين سادس عشرين شوال، ونحن في أحسن حَال وأيسر بال.
ثم رحلنا عندما اكتهل من الليل الشباب، وشمّر ذيله للهرب والذهاب، وأقبلت تباشير الصباح تترى، وأخفى الأفق زهراً وأظهر رهزا، وسرنا ساعة بجانب شاطيء بركتها، ثم ارتقينا على كاهل عقبتها، ثم أظلم الجو، وتراكم النو، وارتفع الصحو، وتبدّل بالكدر الصفو، وهما الغمام، وأرسلت شآبيب الأمطار كالسهام، وغلب اليأس على الأمل، وقلت: أنا الغريق فما خوفي من البَلل، ولم نزل في صعود وهبوط، ورجاء وقنوط، وبسط وقبض، ورفع وخفض، لا نرى مفعولاً إلاّ للفاعل المختار، ولا نشهد موصولاً إلاّ وقد انفصل عن صلته وعوائده بلا اختيار، والحال عن المكاره لا تتميَّز، وقد أحوج ابتداء السير فيها إلى خير انقاضئه وأعوز، فلا ترى إلاّ التعجب من هذا النعتْ، والتقلب بين العوج والأمت، والأكف مرتفعة
نام کتاب : المطالع البدرية في المنازل الرومية نویسنده : الغزي، أبو البركات جلد : 1 صفحه : 287