نام کتاب : المطالع البدرية في المنازل الرومية نویسنده : الغزي، أبو البركات جلد : 1 صفحه : 112
وسوداء وحمراء، وبخارجها بحرة كبيرة، وبها أسماك كثيرة، وقد جُسْت خلال هذه المدينة، وجُزت في أماكنها المكينة، ورأيت العجب من محاسنها الجمّة المستبينة، فدخلت بها جنة حفت من طرقها بالمكاره، وعقيلة عقلت قلب الطائع والكاره، ثم نزلنا بظاهرها على نحو نصف ميل، بمرج أريج وظل ظليل، قد نسجت به يد السحب بسطاً عجيبة التلوين، غريبة التكوين، نقوشها تفوق الحبر، ويكاد يضاهي الزّهر ما فيها من الزهر، فيا له من بلد ومنزل عزيز، بديع التفويف والتطريف والتطريز:
كلّ المنازلِ والبلاد عزيزةٌ ... عندي ولا كمنازلي وبلادي
فأقمنا هناك إلى وقت الظهيرة، حين قبض النهار ظله وبسط حروره (وهجر برده وواصل هجيره)، ثم قطعنا مرحلة قصيرة بين أشجار كثيرة ومياه غزيرة، وبتنا بساحة وادٍ حللنا به، بين ظُفْر التوحش ونابه، لا تعرف جنوبنا من المضاجع قراراً، ولا تطعم عيوننا النوم إلاّ غراراً، إلى أن قضي الليل نحبه، وغوَّر الصبحُ شهبه، ففوقنا سهام العزم، وأطرنا عن زنده شرار الحزم، وسرنا في دروب ضيقة المناهج، ودَرْبَنْدَات وعرة المدارج، ومفاوز ومهالك ومسالك يضل فيها السالك:
ومهامةٍ كالبحر لا أثرٌ ... للمقتفي فيها ولا سَنَنُ
لو سار فيها النَّجْمُ ضلَّ بها ... حيران لا شامٌ ولا يَمَن
نام کتاب : المطالع البدرية في المنازل الرومية نویسنده : الغزي، أبو البركات جلد : 1 صفحه : 112