responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق نویسنده : الصلابي، علي محمد    جلد : 1  صفحه : 41
بطحين لها، وهي تقول: لا أعتقكما أبدًا، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: حل [1] يا أم فلان. فقالت: حل أنت، أفسدتهما فأعتقهما، قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا، وقالت: قد أخذتهما وهما حرتان، أرجعا إليها طحينها، قالتا: أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها؟ قال: وذلك إن شئتما [2].
وهنا وقفة تأمل ترينا كيف سوى الإسلام بين الصديق والجاريتين حتى خاطبتاه خطاب الند للند، لا خطاب المسود للسيد، وتقبل الصديق -على شرفه وجلالته في الجاهلية والإسلام- منهما ذلك، مع أن له يدا عليهما بالعتق، وكيف صقل الإسلام الجاريتين حتى تخلقتا بهذا الخلق الكريم، وكان يمكنهما وقد أعتقتا وتحررتا من الظلم أن تدعا لها طحينها يذهب أدراج الرياح، أو يأكله الحيوان والطير، ولكنهما أبتا -تفضُّلا- إلا أن تفرغا منه، وترداه إليها [3].
ومر الصديق بجارية بني مؤمَّل (حي من بني عدي بن كعب) وكانت مسلمة، وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام، وهو يومئذ مشرك يضربها، حتى إذا ملَّ قال: إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا عن ملالة، فتقول: كذلك فعل الله بك، فابتاعها أبو بكر فأعتقها [4].
هكذا كان واهب الحريات، ومحرر العبيد، شيخ الإسلام الوقور، الذي عُرِفَ في قومه بأنه يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، ولم ينغمس في إثم في جاهليته، أليف مألوف، يسيل قلبه رقة ورحمة على الضعفاء والأرقاء، أنفق جزءًا كبيرًا من ماله في شراء العبيد، وعتقهم لله وفي الله قبل أن تنزل التشريعات الإسلامية المحببة في العتق والواعدة عليه أجزل الثواب [5].
كان المجتمع المكي يتندر بأبي بكر - رضي الله عنه - الذي يبذل هذا المال كله لهؤلاء المستضعفين، أما في نظر الصديق فهؤلاء إخوانه في الدين الجديد، فكل واحد من هؤلاء لا يساويه عنده مشركو الأرض وطغاتها، وبهذه العناصر وغيرها تبني دولة

[1] حل: تحللي من يمينك.
[2] السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 393.
[3] السيرة النبوية لأبي شهبة: 1/ 346.
[4] السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 393.
[5] السيرة النبوية لأبي شهبة: 1/ 345.
نام کتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق نویسنده : الصلابي، علي محمد    جلد : 1  صفحه : 41
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست