نام کتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 64
وعاد المسلمون إلى بلاد الشام، وأثبتت هذه الحملة قدرة المسلمين على خوض غمار المعارك البحرية بجدارة وأعطت المسلمين فرصة المران على الدخول في معارك من هذا النوع مع العدوّ المتربص بهم سواء بالهجوم على بلاد الشام، أو على الإسكندرية (1)
6 ـ عبد الله بن قيس قائد الأسطول الإسلامي في الشام:
استعمل معاوية بن أبي سفيان على البحر عبد الله بن قيس الجاسيّ حليف بني فزارة فغزا خمسين غزاة ما بين شاتية، وصائفة في البحر، ولم يغرق فيه أحد، ولم ينكب، وكان يدعو الله أن يرزقه الله العافية في جنده، وألا يبتليه بمصاب أحد منهم، ففعل، حتّى إذا أراد أن يصيبه وحده، خرج في قاربه طليعة، فانتهى إلى المرفأ من أرض الروم وعليه سُؤَّال يعترّون [2] بذلك المكان، فتصدق عليهم، فرجعت امرأة من السُّوَّال إلى قريتها، فقالت للرجال: هل لكم في عبد الله بن قيس؟ قالوا وأين هو؟ قالت: في المرفأ، قالوا: أي عدوّة الله، ومن أين تعرفين عبد الله بن قيس؟ فوبّختهم، وقالت: أنتم أعجز من أن يخفى عبد الله على أحد فساروا إليه، فهجموا عليه، فقاتلوه، وقاتلهم، فأصيب وحده، وأفلت الملاح حتى أتى أصحابه، فجاؤوا حتى أرقوا، والخليفة منهم سفيان بن عوف الأزدي، فخرج فقاتلهم، فضجر وجعل يعبث بأصحابه، ويشتمهم، فقالت جارية عبد الله: وا عبد الله ما هكذا كان يقول حين يقاتل! فقال سفيان: وكيف كان يقول؟ قالت: الغمرات ثم ينجلينا وأصيب في المسلمين يومئذ، وذلك آخر زمان عبد الله بن قيس: الجاسيِّ [3]، وقيل لتلك المرأة التي استشارت الروم على عبد الله بن قيس: كيف عرفته؟ قالت: كان كالتَّاجر، فلمّا سألته، أعطاني كالملك، فعرفت أنه عبد الله بن قيس [4].
وهكذا حينما أراد الله تعالى أن يمنىَّ بالشهادة على هذا القائد العظيم أتيحت له وهو في وضع لا يضرُّ بسمعة المسلمين البحرية، حيث كان وحده يتطلع ويراقب الأعداء فكانت تلك الكائنة الغريبة التي أبصرت غورها تلك المرأة الَّذكَّية من نساء تلك البلاد، حيث رأت ذلك الرَّجل يظهر من مظاهر الخارجَّية بمظهر التُّجار العاديين، ولكنَّه يعطي عطاء الملوك، فلقد رأت فيه أمارات السِّيادة مع بساطة مظهره فعرفت: أنه قائد المسلمين، الذي دوّخ المحاربين في تلك البلاد، وهكذا كانت نسمات ذلك القائد وسخاؤه البارز حتى مع غير المسلمين في كشف أمره، ومعرفة مركزه، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فيتمَّ بذلك الهجوم عليه، وظفرْ بالشهادة، وهكذا يضرب قادة المسلمين المُثُل العليا بأنفسهم، لتتمَّ الإنجازات الكبرى على أيديهم، وليكونوا قدوة صالحة لمن يخلفهم، فقد قام هذا القائد الملهم بهمّة الاستطلاع بنفسه، ولم
(1) جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين صـ 358، 359. [2] يعترّون: يتعرضون للناس دون أن يسألهم. [3] تاريخ الطبري (5/ 260). [4] تاريخ الطبري (5/ 260).
نام کتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 64