7 ـ المعاملة الكريمة أثناء الحرب والمواجهة:
إن وقعت صفين كانت من أعجب الوقائع بين المسلمين .. كانت هذه الوقعات من الغرابة إلى حد أن القارئ لا يصدق ما يقرأ ويقف مشدوهاً أمام طبيعة النفوس عند الطرفين، فكل منهم كان يقف وسط المعركة شاهراً سيفه وهو يؤمن بقضيته إيماناً كاملاً، فليست معركة مدفوعة من قبل القيادة يدفعون الجنود إلى معركة غير مقنعين بها، بل كانت معركة مدفوعة من قبل القيادة، معركة فريدة في بواعثها وفي طريقة أدائها وفيما خلفتها من آثار فبواعثها في نفوس المشاركين يعبر عنها بعض المواقف التي وصلت إلينا في المصادر التاريخية، فهم إخوة يذهبون معاً إلى مكان الماء فيستقون جميعاً ويزدحمون وهم يغرفون الماء وما يؤذي إنسان إنساناً [2]، وهم إخوة يعيشون معاً عندما يتوقف القتال فهذا أحد المشاركين يقول: كناإذا تواعدنا من القتال دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء وهؤلاء في معسكر هؤلاء .. وتحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم [3]، وهم أبناء قبيلة واحدة ولكل منهما اجتهاده، فيقتل أبناء القبيلة الواحدة كل في طرف [4]، قتالاً مريراً، وكل منهما يرى نفسه على الحق وعنده الاستعداد لأن يُقْتَل من أجله، فكان الرجلان يقتتلان حتى يُثْخِنا (وهنا وضعفاً) ثم يجلسان يستريحان، ويدور بينهما الكلام الكثير، ثم يقومان فيقتتلان كما كانا [5]، وهما أبناء دين واحد يجمعهما، وهو أحب إليهما من أنفسهما، فإذا حان وقت الصلاة توقفوا لأدائها [6]، ويوم قتل عمار بن ياسر صلى عليه الطرفان ([7])،
ويذكر شاهد عيان إشترك في صفين: تنازلنا بصفين، فاقتتلنا أياماً فكثر القتلى بيننا حتى عقرت الخيل، فبعث علي إلى عمرو بن العاص أن القتلى قد كثروا فأمسك حتى يدفن الجميع قتلاهم فأجابهم، فاختلط بعض القوم ببعض حتى كانوا هكذا وشبك بين أصابعه، وكان الرجل من أصحاب علي يشد فيقتل في عسكر معاوية، فيستخرج منه، وقد مر أصحاب علي بقتيل لهم أمام عمرو، فلما رآه بكى وقال: لقد كان مجتهداً أخشن في أمر الله [8]. وكانوا يسارعون إلى التناهي عن المنكر حتى في مثل هذه المواقع، فكانت هناك مجموعة عرفوا بالقراء، وكانوا من تلامذة عبد الله بن مسعود من أهل العراق ومن أهل الشام معاً، فلم ينضموا إلى أمير المؤمنين علي، ولا إلى معاوية بن أبي سفيان وقالوا لأمير [1] الاستيعاب في معرفة الأصحاب رقم3089. [2] تاريخ الطبري (5/ 610)، سير أعلام النبلاء (2/ 41)، مرويات أبي مخنف صـ296. [3] البداية والنهاية (7/ 270)، دراسات في عهد النبوة صـ423. [4] تاريخ الطبري، نقلاً عن دراسات في عهد النبوة صـ424. [5] البداية والنهاية (10/ 272). [6] تاريخ الطبري، نقلاً عن دراسات في عهد النبوة صـ424. [7] تاريخ دمشق (8/ 233) دراسات في عهد النبوة صـ424 .. [8] أنساب الأشراف (6/ 56) بسند حسن.
نام کتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 123