البطركيّة، إلى أخبار نكبات الطبيعة، وبهذا يحشد في السنة الواحدة أحداثا جرت في عدّة أماكن من عالم ذلك العصر، فينتقل من أقصى المغرب إلى أقصى العراق، ومن بلاد البلغر إلى بلاد النّوبة، وهذا يصبّ في اتّجاه التاريخ الحولي والتاريخ العالمي، فهو لا يفرد أخبار كل دولة، أو كل عهد لخليفة أو سلطان أو إمبراطور، على حدة، أي أنه لا يسير في تاريخه بشكل عمودي، بل يتناول التاريخ الأفقيّ للعالم، بحيث يرصد أحداث كل سنة، هنا وهناك وهنالك، على امتداد الرقعة الجغرافية الواسعة. ولكنّه يشذّ عن هذه القاعدة حين يضع تاريخا- عموديا-للدولة الفاطمية، فهو يؤرّخ لهذه الدولة منذ بداية الدعوة الفاطمية حتى إعلان الخلافة في المغرب، أي من سنة 270 هـ. حتى وفاة الخليفة المهديّ سنة 322 هـ. دون انقطاع.
وبرأينا، فإنّ الأنطاكيّ سمح لنفسه أن يشذّ عن منهجيّته التأريخية، لأحد أمرين، أو للأمرين التاليين معا، وهما:
أولا: إنّ الفترة التاريخية من سنة 270 هـ، إلى سنة 322 هـ. تعتبر خارج الإطار الزمني لمادّة الكتاب الأساسية، إذ اشترط المؤلّف على نفسه أن يكون كتابه متمّما لكتاب ابن البطريق الذي انتهى عند سنة 326 هـ. /938 م.
ثانيا: إنّ الأنطاكيّ، بحكم موطنه في مصر، ومعاصرته للدولة الفاطمية، رأى أن يؤرّخ لبداية الدعوة الفاطمية حتى قيام الدولة وإعلان الخلافة، ممهّدا لأخبار الفاطميّين ودخولهم مصر واتّخاذهم القاهرة عاصمة لخلافتهم فيما بعد.
وكأنّه بذلك يؤدّي التزاما أدبيا نحو الدولة التي يعيش في أكنافها.
... وإذا عدنا إلى طريقته في عرض الأحداث، فإنّنا نجده في كثير من الأحيان يقطع تتابع الأخبار في بقعة معيّنة، وفي سنة محدّدة، ليعود إلى أحداث سنة أو سنتين، وربّما أكثر سابقة لها، ليصل تلك الأحداث ببعضها ويجعل قارئه يسير مع مجريات الوقائع في كلّ البلاد دون تفاوت زمنيّ كبير.