حلب، وجزم أنه لا يعقد الهدنة إلاّ عليه، وتردّدت المكاتبة بين الجهتين في هذا المعنى في أيامه. وفي أيام ميخائيل [1] الملك بعده مدّة ثلاث سنين ونصف [2]، إلى أن استقرّ الأمر فيها على ما يأتي فيما بعد ذكره [3].
...
[سنة 424 هـ.]
[الغلاء في بلاد الروم والثغور الجزرية والشالمية]
وحدث في سنة أربع وعشرين وأربعمائة غلاء شديد في أكثر من بلد الروم، وسائر الثغور الجزريّة والشامية، وأكل جماعة من صعاليك هذه القرى والبلدان اللّحم في أيام الأصوام المقدّسة، لتعذّر ما سواه من القوت عليهم، وانجلى كثير منهم عن مساكنهم، ومات خلق كثير من الضّرّ والجوع، ولم تزل هذه الشدّة والضّيقة إلى أن دخلت الغلّة الجديدة، فاتّسع الناس وتماثل [4] أحوالهم [5].
... [1] هو ميخائيل الرابع. [2] قال المقريزي في حوادث سنة 427 هـ: «فيها انعقدت الهدنة بين الظاهر وبين ميخائيل ملك الروم عشر سنين متوالية. (اتعاظ الحنفا 2/ 182). [3] لم يذكر المؤلّف فيما بعد معاهدة الصلح بين الخليفة الفاطميّ الظاهر والامبراطور البيزنطي ميخائيل، التي تمّت سنة 427 هـ. لأنّه توقّف في كتابه هذا عند أحداث سنة 425 هـ/1034 م. كما سنرى بعد قليل. [4] كذا، والصواب «وتماثلت». [5] قال ابن الأثير في حوادث 423 هـ: «وفيها كان بالبلاد غلاء شديد، واستسقى الناس فلم يسقوا، وتبعه وباء عظيم، وكان عامّا في جميع البلاد بالعراق، والموصل، والشام، وبلد الجبل، وخراسان، وغزنة، والهند، وغير ذلك، وكثر الموت، فدفن في أصبهان في عدّة أيام، أربعون ألف ميّت، وكثر الجدريّ في الناس، فأحصي بالموصل أنه مات به أربعة آلاف صبيّ، ولم تخل دار من مصيبة لعموم المصائب، وكثرة الموت». (الكامل في التاريخ 9/ 416). وقال ابن العبري: «وفي تلك السنة جمدت المياه في بغداد، وثار رمل أحمر وهبط كالمطر وأتلف الأشجار ولم تثمر ثمرا. وحدث غلاء فظيع في البريّة حتى أكل المعديّون جمالهم وخيلهم وأولادهم. وكان كل رجل يبدّل ولده بولد جاره ويذبحه لئلاّ يتأثّر. وما عدا الغلاء فقد ضايق الناس العطش بسبب قلّة المطر. فقصدوا الأنهر القريبة من المدن والقرى وأقاموا هناك. وحدث طاعون في الهند وفي العجم كلّها حتى شيّعوا في أصفهان مدّة أسبوع واحد-