الأمر جرى على غير ما هو، وعوّل على الرحيل يوم الأحد غد ذلك اليوم الذي انهزم فيه أصحاب السريّة، وأحرق المنجنيقات والعرّادات التي أشخصها. ثم رجع عن رأيه عن المسير، وأقام في الموضع الذي هو فيه [1].
ولمّا كان يوم الاثنين ثانيه، وهو العاشر من آب، والسابع من شعبان، تمّ عزمه على العودة إلى بلده، وأمر الناس بالرحيل، وأخذوا فيه، وحملوا [1] قال ابن العديم: «جمع أبو علوان ثمال بن صالح الأعراب، وعزم على منازلة أخيه نصر، فسيّر نصر إلى ملك الروم أرمانوس يستدعيه إلى حلب، فخرج على ما قيل في ستمائة ألف حتى وصل إلى أنطاكية. فتوسّط مقدّمو العرب بين نصر وثمال، ووقفوا بينهما على أن يكون لنصر حلب، ولثمال بالس والرحبة، فرجع نصر عمّا كان راسل به ملك الروم. وأرسل ابن عمّه مقلّد بن كامل بن مرداس إلى ملك الروم، يسأله أن لا يقصده، ويحمل إليه من القطيعة ما كان يحمله أولاد سيف الدولة إلى باسيل، فأبى واعتقل مقلّد بن كامل عنده، فحين تحقّق رجوع نصر عن رأيه الأول جبن وضعف عن منازلة حلب. وسار عن أنطاكية إلى قيبار في بضعة عشر يوما، وكسرت سرية له عرب حلب، وكانوا قد طاردوا عسكر الروم، فاستظهر الروم عليهم، وكان معه ملك البلغر، وملك الروس، والأبخاز، والخزر، والأرمن، والبجناك، والإفرنج. ونزل الملك بجيوشه على تبّل قريبا من الجبل، في موضع بعيد من الماء وضرب على عسكره خندقا، وكانت أمواله على سبعين جمّازة، وكان قدر موضع عسكره لمن يدور حوله مقدار يوم في يوم للمجدّ الراكب على فرس. ولقيه في طريقه أبو علوان دفّاع بن نبهان الكلابيّ في خيل مكيلة، فنال من سراياه كلّ ما طلب، وأرسل الملك سريّة فيها صناديد عسكره إلى عزاز، فلقيتها بنو كلاب، فظفروا بها، وقتلوا بطارقها، وأسروا جماعة من أولاد الملوك الذين معهم. وجسرت عليهم بنو كلاب، فحاصروهم في الموضع الذي نزلوا فيه. ولقد أخبر من شاهدهم أن مقثاوة كانت قريبة من العسكر بمقدار رمية سهم، وأنّ الروم لم يقطعوا منها قثّاءة واحدة، خوفا من العرب أن تتخطّفهم. ولما كسرت السريّة التي أرسلها الملك اجتمع رأيه على العود إلى بلاده، واعتذر قائلا: لولا عطش عسكري لبلغت مرادي. وهجم نصر والعرب على سوق الملك فنهبوه، وتأخّر رحيل ملك الروم من منزلته ثلاثة أيام». (زبدة الحلب 1/ 238 - 241) وانظر: الكامل في التاريخ 9/ 404 وفيه أن الملك خرج في ثلاثمائة ألف مقاتل، وكذلك في (اتعاظ الحنفا 2/ 179)، والنجوم الزاهرة 4/ 254، ومرآة الجنان 3/ 37، والمنتظم 8/ 50، وفي تاريخ الزمان لابن العبري ص 83 مائة ألف جنديّ ونيّف).