سادساً: موقف بعض الإمارات العربية من الغزو الصليبي:
عندما توجه الصليبيون نحو بيت المقدس بعد احتلال أنطاكية، وجعلوا طريقهم على الساحل، بدأت الاتصالات بينهم وبين أمراء المدن الشامية، الذين رأوا في زوال قوة السلاجقة فرصتهم للاستقلال ببعض المدن مثل حمص، وطرابلس وشيزر، تاركين المصلحة العامة للإسلام والمسلمين خلف ظهورهم، وقد قبل هؤلاء أن يدخلوا في طاعة الصليبيين، والنزول على شروطهم وتقديم المعونة والأدلاء لهم [2]. وقد فرح بنو منقذ أصحاب شيزر، وبنو عمار أصحاب طرابلس -وهم من البيوتات العربية العريقة- بهزيمة السلاجقة، وأقبلوا يمدون المعونة للغزاة من الصليبيين [3]، ومن الوقائع الغريبة والمواقف المريبة أن الأمير عز الدين أبو العساكر سلطان بن منقذ صاحب شيزر، أجرى اتصالات مع ريموند عندما كان الأخير في كفر طاب، وتعهد له بألا يعترض طريق الصليبيين عند اختراقهم إقليم شيزر، وأن يقدم لهم ما يحتاجون إليه من غذاء فضلاً عن أنه أرسل دليلين في 17 يناير، ليرشدا الصليبيين في عبور إقليم نهر العاصي، وقد تم فعلاً تنفيذ تلك الاتفاقية [4]، وعندما وصلت طلائع الغزو الصليبي مدينة مصياف خرج إليهم أميرها، وعقد معهم اتفاقية اتجه بعدها نحو سهل البقاع، وسروا بما وجدوه فيه من خيرات، ثم توجهوا نحو حصن الأكراد وحاصروه حتى سقط في أيديهم في 29 يناير 1099م [5]، ويذكر ابن الأثير أن الصليبيين ساروا إلى حمص وحصروها فصالحهم صاحبها جناح الدولة ([6])،
وهكذا كان أمراء المدن الشامية متفككى الكلمة في ذلك الوقت, وكل منهم يحاول فقط أن يحتفظ بإمارته دون النظر إلى الهدف العام وهو الوقوف في وجه العدو الغاشم، ولما كان كل واحد منهم لايستطيع بمفرده أن يقف في وجه الصليبيين، لذلك نجد أن معظمهم أخذ الأمان له ولسكان إمارته في مقابل بعض المساعدات للصليبيين، وهذا يدل على تغلل أسباب الضعف المعنوي في نفوس أولئك الأمراء والتي منها:
* ضعف الوازع الديني عند كثير من الأمراء. [1] الحروب الصليبية - المقدمات السياسية، ص 270. [2] جهاد المسلمين في الحروب الصليبية، ص 107، 108. [3] نور الدين محمود, حسين مؤنس، ص 85. [4] الحركة الصليبية, د. سعيد عاشور (1/ 179). [5] المصدر نفسه (1/ 108). [6] الكامل في التاريخ (5/ 401).
نام کتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 507