نام کتاب : القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية نویسنده : محمد الحبش جلد : 1 صفحه : 346
وأهل التأويل متفقون في هذا الموطن على أنهما لغتان لمعنى واحد، وهو الاستخذاء، والاستسلام، والانقياد [1]، وإن اختلفوا في غيره من المواطن [2].
فقد مرّ بك في تأويلهم لقوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [3] أن تعدد القراءات هنا يلزم منه تعدد المعاني، فهي في البقرة دعوة إلى الدخول في الإسلام، وإلى الدخول في المصالحة [4]، فكل قراءة أدت معنى منهما.
وهكذا فإن اتفاقهم في هذا الموطن على توحيد معنى السلم بالكسر والفتح؛ يجعل تعدّد القراءات هنا بغير ثمرة ظاهرة من جهة تحرير الحكم الشرعي.
ولكنني أوردت هذه الآية لأنبّه إلى أمرين اثنين:
الأول: نقل أبو زرعة في حجة القراءات أن (السّلم) بالكسر الإسلام [5]، وأشار إلى تواتر هذه القراءة! وهذا النقل من أبي زرعة عجيب؛ إذ يكون مؤدّى الآية حينئذ النّهي عن الدعوة إلى الإسلام، وهو قول غريب لا يمكن أن يصدر عن أحد من أهل العلم. وقد تلمست معرفة سبب ذلك النقل ومصدره، فلم أجد في ذلك إشارة لسابق أو تبريرا للاحق، وتلمست له تأويلا يجعل الواو هنا حالية لا عاطفة على معنى: (فلا تهنوا وأنتم تدعون إلى السلم) ولكن ذلك لا يستقيم مع الجزم في (وتدعوا) الذي هو قراءة سائر العلماء والقراء! وبعد بحث استغرق وقتا طويلا فإني أقول في هذا المقام: تبارك الذي لم يكتب العصمة إلا لكتابه، وجلّ من لا يسهو ولا ينسى، وهذا أبو زرعة على جلالة علمه وعظيم تحصيله وقع في خطأ يتنزّه عنه صغار الطلبة [6]، فيجب التنبيه على ذلك، والكامل الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. [1] لسان العرب لابن منظور 12/ 293، مادة سلم. وانظر الكشاف للزمخشري 3/ 539. [2] انظر 321 من هذا البحث؛ حيث حررنا اختلافهم في تحديد معنى السّلم في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً. [3] المصدر نفسه، والصفحة نفسها. [4] وهو اختيار قتادة من التابعين كما قدمناه. [5] حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة 670. [6] أغلب الظّن أن ذلك خطأ من الناسخ؛ إذ كتب الإسلام بدلا من الاستسلام. ولكن ذهل عنه المحقق أيضا.
نام کتاب : القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية نویسنده : محمد الحبش جلد : 1 صفحه : 346