نام کتاب : القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية نویسنده : محمد الحبش جلد : 1 صفحه : 253
وأما القراءة بالتّشديد فإنها لا تتأتى في اختياره إلا بإسقاط ما أدّت إليه قراءة التخفيف، إذ لازمها: أن من انقطع دمها- وإن طهرت- لم يحل وطؤها للزوج حتى تغتسل، وهو عكس ما أدّت إليه قراءة التّخفيف.
ولم ينصّ الجصاص [1] على ردّ قراءة التّشديد ولكنه جعلها بمنزلة المؤكدة على تحقق الطّهر وانقطاع دم الحيض يقينا، وهو ما يتمّ عندهم بانقضاء عشرة أيام على دخول الحيضة، أو مرور عدة أيام مع انقطاع الدم لوقت يتّسع للاغتسال، وستر العورة، وأداء الصلاة، ودخول وقت صلاة آخر، إذ إن ذلك يرتب أن الصلاة دين في ذمّتها، فكيف تكون الصلاة دينا في ذمّتها وهي لم تطهر بعد؟
ولكن هذا كما ترى محض استدلال عقلي لا تقوم به حجة مقنعة في إسقاط الأخذ بالقراءة المتواترة، وفي هذا الاستدلال إلزام الخصم بما لا يلزمه، إذ لم يقل مخالفوهم بقولهم هذا في ثبوت الصلاة دينا على من وصفنا حالتها.
وقد ردّ الشافعية والمالكية على مذهب الحنفية في هذا الباب بأجوبة كثيرة متجهين إلى أن المولى سبحانه اشترط لإباحة الوطء شرطين اثنين وهما: الطّهر والتّطهّر، فالطّهر مفهوم من قوله سبحانه: حَتَّى يَطْهُرْنَ، والتّطهّر مفهوم من قوله سبحانه: فَإِذا تَطَهَّرْنَ.
وللقاضي ابن العربي مناقشة مستفيضة في هذه المسألة أطال فيها القول، وردّ فيها اختيار أبي حنيفة، وانتصر لرأي مالك، وعزاه أيضا إلى الزهري، وربيعة بن فروخ، والليث بن سعد، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، وأبي ثور.
وقد اخترت أن أنقل لك هذه المناقشة بطولها لما فيها من بديع الاحتجاج؛ قال القاضي أبو بكر العربي في تأويل قوله تعالى: فَإِذا تَطَهَّرْنَ: قد اختلفت الناس اختلافا متباينا نطيل النفس فيه قليلا وفيه ثلاثة أقوال:
الأول: إن معنى قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ حتى ينقطع دمهن. قاله أبو حنيفة، [1] انظر أحكام القرآن للرازي الجصاص 350، وتجدر الإشارة أن الرازي الجصاص في الأصل اختار الأخذ بقراءة التخفيف وفق مذهبه، ولكنه أورد بعد ذلك قراءة التشديد ليدفع بتأويله لها استدلال خصومه.
نام کتاب : القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية نویسنده : محمد الحبش جلد : 1 صفحه : 253