نام کتاب : القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية نویسنده : محمد الحبش جلد : 1 صفحه : 155
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد عهد إلى أبي بكر وعمر وعثمان بجليل الأعمال، وأخطر المسئوليات مما لا ينكره القوم، ثم هم بعد ذلك من المضلّين؟! أليس ذلك طعنا في أمانة النّبي صلّى الله عليه وسلّم، واتّهاما له بالإعراض عن أمر ربّه بعد أن نهاه عن اتّخاذ المضلّين عضدا وعونا؟! وهكذا فإن اتّهام كبار الصحابة بالفسق والخيانة ما هو في الحقيقة إلا اتّهام مبطن لمقام النّبي صلّى الله عليه وسلّم؛ الذي نهاه الله عزّ وجلّ أن يتّخذ أعوانا من المضلّين.
ومع أني لم أعثر على استدلال بهذه القراءة لأحد من المفسّرين، ولكن القراءة كما ترى من أظهر الأدلة على عدالة الصحابة، واستقامتهم، وتزكيتهم، إذ لا ينازع الشيعة في أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم أصهر إلى الشيخين، ودفع ابنتيه إلى عثمان، وعهد إلى الصّدّيق بمعاضدته في الهجرة، واستشار عمر في أمر الأسرى وأمور أخرى، وعهد إلى عثمان بمفاوضة قريش يوم الحديبية، فكيف يسند إليهم هذه الأعمال الجليلة، وهي من أبرز أشكال المعاضدة والمناصرة، ثم يقولون بعد ذلك: إن هؤلاء الصحابة كانوا من المضلّين! وأين يمضون بمذهبهم في وجه هذه الآية المتواترة: (وما كنت متخذ المضلّين عضدا)، والحق أن عدالة الصحابة من المسائل التي تضافرت عليها الأدلة من القرآن والسّنة الصحيحة، وحظيت بإجماع السّلف من أهل السّنة والجماعة، وقد لخّص الإمام أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي مذهب الأمة الإسلامية في عدالة الصحابة ومبررات هذا المذهب بقوله:
«إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاعلم أنه زنديق، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم عندنا حقّ، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسّنن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسّنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة» [1]. [1] العواصم من القواصم لابن العربي المالكي، ط المكتبة العلمية بلبنان 34.
ويجب الإشارة هنا إلى أنّ ما ذهب إليه أبو زرعة من الجزم بزندقة من يطعن في الصحابة الكرام ليس محل اتّفاق بإطلاق، وإلا للزم من ذلك زندقة الصحابة أنفسهم، إذ إنه استفاض طعن علي في معاوية، وطلحة والزبير، وطعن سعد بن عبادة في خيرة المهاجرين، ومثل ذلك في كتب السّير كثير، وليس هذا محل إحصائه.
وإنما مراد أبي زرعة رحمه الله تجريح من طعن في صدقهم في الرواية عن المعصوم صلّى الله عليه وسلّم، فذلك لم ينقل عن أحد من السّلف الصالح، وعلى الرغم مما وقع بين الصحابة من حروب؛ غير أنه لم ينقل عن أحد منهم اتّهام آخر في كذب بالرواية عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
نام کتاب : القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية نویسنده : محمد الحبش جلد : 1 صفحه : 155