وكان والي المدينة من قبل الحجاج عثمان بن حيان بدل عمر بن عبد العزيز، فجعل يبعث من بالمدينة من أصحاب ابن الأشعث من العراق إلى الحجاج في القيود، فتعلّم منه خالد بن عبد الله القسري، فعيّن من عنده من مكة: سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جبر، وعمرو بن دينار، وطلق بن حبيب، فبعث خالد بهؤلاء إلى الحجاج، ثم عفا عن عطاء، وعمرو بن دينار؛ لأنهما من أهل مكة، وبعث بأولئك الثلاثة، فأما طلق فمات في الطريق قبل أن يصل، وأما مجاهد فحبس، فمازال في السجن حتى مات الحجاج، وأما سعيد بن جبير ذلك العابد القانت التقي الورع الطاهر، وصل مدينة واسط وهو مقيّد في الأغلال، فأدخلوه على الحجاج، وهو ثابت القلب، هادئ النفس، رابط الجأش، قوي الحِجَاج، فصيح اللسان، لم يتزعزع، ولم يهن، راسخ رسوخ الجبال، ودار بينهما حوار طويل يكشف عن عظمة الرجل، وحسن توكله على ربه، وقوّة إيمانه، وصبره، ويقينه، رجل فريد لم تلن له قناة، ولم يفتّ في عضده تهديد أو وعيد، فأقبل على عدوّه بما يسوؤه وهو في قبضته، والسيف مصلت على رقبته، فلم يعبأ به، وهو يعلم أنه مقتول لا محالة.
وعن الحسن قال: لما أُتي الحجاج بسعيد بن جبير، قال: أنت الشقي ابن كسير؟ قال: بل أنا سعيد بن جبير، قال: بل أنت الشقي ابن كسير، قال: كانت أمي أعرف باسمي منك، قال: ما تقول في محمدٍ؟ قال: تعني النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: نعم، قال: سيد ولد آدم؛ النبي المصطفى خير من بقي، وخير من مضى، قال: فما تقول في أبي بكر؟ قال: الصديق؛ خليفة الله، مضى حميداً، وعاش سعيداً، مضى على منهاج نبيه - صلى الله عليه وسلم - لم يغير، ولم يبدل، قال: فما تقول في عمر؟ قال: