وألف فيه تأليفًا فأمر من عانده في ذلك رجلاً أندلسيًا حسن الصوت أن يصلي معه الظهر فلما فرغ من صلاته رفع الأندلسي صوته فقرأ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] إلى آخر الآيتين، فبكى يحيى بن عمر حتى سالت دموعه على لحيته، ثم قال: «اللَّهُمَّ! إِنَّ هَذَا القَارِئَ مَا أَرَادَ بِقِرَاءَتِهِ رِضَاكَ وَلاَ مَا عِنْدَكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَنْقِيصِي وَعَيْبِي فَلاَ تُهْمِلْهُ!».
فينبغي أن يقال لهؤلاء: أنتم وإن سبق إلى أنفسكم أن الازدياد من الخير مطلوب فيجب أن تعلموا أن هذه الأمور لم تكن خيرًا من جهة العقول ولا من جهة الشهوات ولا أحكام الإرادات، وإنما هي أدبار من جهة الشريعة وما رسمه من آياتها عن الله تعالى ووعده من الثواب عليها، فإذا رسمها على صفة من الصفات وحد من الحدود، ونهى عن مجاوزته صارت الزيادة شَرًّا، فإن يكونوا من أهل الاجتهاد فهلموا إلى المناظرة، وإن كانوا من أهل التقليد فيسألون أهل العلم لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] و [الأنبياء: 7].