نام کتاب : التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول نویسنده : صديق حسن خان جلد : 1 صفحه : 273
منكم"، فقالوا: مِنْهم؟ فقال: "بل منكم؛ لأنكم تجدونَ على الخير أعوانًا، وهم لا يجدون عليه أعوانًا"، وتفاوضنا: كيف يكون أجرُ من يأتي من الأمة أضعافَ أجر الصحابة، مع أنهم قد أسسوا الإسلام، وعضدوا الدين، وأقاموا المنار، واقتحموا الأمصار، وحموا البيضة، ومهدوا المِلَّة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح [1]: "لو أنفقَ أحدُكم كلَّ يومٍ مثلَ أُحدٍ ذهبًا، ما بلغَ مُدَّ أحدِهم، ولا نَصيفَهُ"، فتراجعنا القول، وتحصل ما أوضحناه في "شرح الصحيح"، وخلاصته: أن الصحابة كانت لهم أعمال كثيرة لا يلحقُهم فيها أحد، ولا يدانيهم فيها بَشَر، وأعمالٌ سواها من فروع الدين يساويهم فيها في الأجر من أخلص إخلاصهم، وخلصها من شوائب البدع والرياء بعدهم، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر بابٌ عظيم هو ابتداء الدين، والإسلام هو أيضًا انتهاؤه، وقد كان قليلاً في ابتداء الإسلام، صعبَ المرام؛ لغلبة الكفار على الحق، وفي آخر الزمان أيضًا يعود كذلك، لوعد الصادق - صلى الله عليه وسلم - بفساد الزمان، وظهور الفتن، وغلبة الباطل، واستيلاء التبديل والتغيير على الحق من الخلق، وركوب من يأتي سَنَن من مضى من أهل الكتاب؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لتركبنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ خَرِبٍ، لدخلتُموه"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعودُ غريبًا كما بدأ" [فطوبى للغرباء، رواه مسلم] فلا بد - والله تعالى أعلم بحكم هذا الوعد الصادق - أن يرجع الإسلام إلى واحد كما بدأ من واحد، ويضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى إذا قام به قائم، مع
= أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، فقال: أما والله! لقد سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمرًا لا بدَّ لك منه، فعليك نفسك، ودع أمر العوام، فإن وراءكم أيام الصبر، فمن صبر فيهن، قبض على الجمرة، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله، قالوا يا رسول الله! أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم". [1] رواه البخاري، عن أبي سعيد الخدري بهذا اللفظ: قال، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا أصحابي! فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا، ما بلغ مدَّ أحدهم، ولا نصيفه".
نام کتاب : التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول نویسنده : صديق حسن خان جلد : 1 صفحه : 273