responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 8  صفحه : 620
272 - محمد بْن أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل بْن عُبَيْس، الْإمَام أَبُو الْحُسَين بْن سَمْعُون البغدادي الواعظ. [المتوفى: 387 هـ]
سَمِعَ: أَبَا بَكْر بْن أَبِي دَاوُد، ومُحَمَّد بْن مخلد العطار، وأبا جعفر بن البختري، وبدمشق أحْمَد بْن سُلَيْمَان بْن زبّان، ومُحَمَّد بن محمد بْن أَبِي حُذَيْفَة وجماعة، وأملى عَنْهُمْ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمي، وعَلِيّ بْن طلحة المقرئ، والْحَسَن بْن مُحَمَّد الخلال، وَأَبُو طالب العشاري، وأبو الحسين ابن الْأبنوسي، وخديجة بِنْت مُحَمَّد الشّاهجانيّة الواعظة، وَأَبُو بكر أحمد بن محمد بن حمدوه الحنبلي، وآخرون.
قَالَ السُّلَمي: هُوَ من مشايخ البغداديين، لَهُ لسان عال فِي هذه العلوم لا ينتمي إلى أستاذ، وهو لسان الوقت والمرجوع إليه في آداب المعاملات، يرجع إلى فنون من العلم.
وقَالَ الخطيب: كَانَ أوْحد دهره وفرْد عصره فِي الكلام عَلَى علم الخواطر والإشارات، ولسان الوعظ، دَوَّن الناس حِكَمَه وجمعوا كلامه، وكان بعض شيوخنا إذا حدث عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخ الجليل المُنْطَق بالحكمة.
قلت: وولد سنة ثلاثمائة. وسمعون، هو إسماعيل جده.
أنبؤونا عَنِ القاسم بْن عَلِيّ، أنّ نصر اللَّه الفقيه أخبرهم: قال: أخبرنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الواحد الزعفراني، قال: حَدّثَنِي أَبُو مُحَمَّد السُّنّي صاحب أَبِي الْحُسَيْن بْن سمعون، قَالَ: كَانَ ابن سمعون فِي أول أمره ينسخ بالأجْرة، وينفق عَلَى نفسه وأمه، فَقَالَ لها يومًا: أحبّ أن أحجَّ، قَالَتْ: وكيف يمكنك؟ فغلب عليها النَّوم، فنامت -[621]- وانتبهت بعد ساعة، وقالت: يا ولدي حُجَّ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النوم يَقُولُ: " دعيه يحجّ فإنّ الخير لَهُ فِي حجّه ". ففرح وباع دفاتره، ودفع إليها من ثمنها، وخرج مَعَ الوفد، فأخذت العرب الوفد، قَالَ: فبقيت عريانًا، ووجدت مَعَ رجل عباءة، فقلت: هبها لي أستتر بها، فأعطانيها، قال: فجعلت إذا غلب علي الجوع ووجدت قوماً من الحجاج يأكلون، وقفت أنظر إليهم، فيدفعون إليّ كسرةً فأقتنع بها، وأحرمت فِي العباءة، ورجعت إلى بغداد، وكان الخليفة قد حرم جارية وأراد إخراجها من الدار، قَالَ أَبُو مُحَمَّد السُّنّي: فَقَالَ الخليفة: أطلبوا رجلا مستورًا يصلحُ. فَقَالَ بعضهم: قد جاء ابن سمعون من الحج، فاستصوب الخليفة قوله، فزوَّجه بها، فكان ابن سمعون يجلس عَلَى الكرسي فيعِظ ويقول: خرجت حاجاً، ويشرح حاله، وها أنا اليوم عليّ من الثياب ما ترون.
قَالَ البَرْقَاني: قلت لَهُ يومًا: تدعو الناس إلى الزُّهْد وتلبس أحسن الثياب، وتأكل أطيب الطعام، فكيف هذا؟ فَقَالَ: كل ما يُصْلِحُك لله فافعله، إذا صلح حالك مع الله.
وقال الخلال: قَالَ لي ابن سمعون: ما اسمك؟ قلت: حسن. قال: قد أعطاك الله الاسم، فسله المعنى.
وجرت لابن سمعون قصة فِي سنة بِضْعٍ وستين وثلاثمائة. رواها قاضي المارستان عَنِ القُضَاعي بالإجازة، قَالَ: حدثنا علي بن نصر بن الصباح، قال: حدثنا أَبُو الثناء شكر العَضُدي، قَالَ: لما دخل عَضُدُ الدولة بغدادَ، وقد هلك أهلها قتْلا وحرقا وجوعًا، لِلفِتَن التي اتّصلت فيها بين الشيعة والسُّنّة، فَقَالَ: آفَةُ هَؤُلاءِ القصَّاص، فنادى: لا يقص أحد في الجامع ولا الطرق ولا يتوسل متوسل بأحد من الصّحابة، ومن أحبَّ التوسُّل قرأ القرآن، فمن خالف فقد أباح دَمَه، فوقع فِي الخبر أنّ ابن سمعون جلس عَلَى كرسيّه بجامع المنصور، فأمرني أن أطلبه، فأُحْضِر، فدخل عليّ رَجُل لَهُ هيئة وعليه نور، فلم أملك أن قمت له، وأجلسته إلى جنبي، فجلس غير مكترث، فقلت: إنّ هذا الملك جبّار عظيم، وما أُؤثِر لك مخالفة أمره، وإني مُوَصِّلُك إِلَيْهِ، فقبِّلِ الْأرض وتلطف لَهُ، واستعن باللَّه عَلَيْهِ، فَقَالَ: -[622]- الخلق والأمر لله. فمضيت بِهِ إلى حجرة، قد جلس فيها وحده، فأوقفته، ثم دخلت لاستأذن، فإذا هُوَ إلى جانبي قد حوّل وجهه إلى نحو دار عز الدولة، ثم استفتح وقرأ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ}، قَالَ: ثم حوَّل وجهه وقرأ: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تعملون} فأخذ في وعظه فأتى بالعجب، فدمعت عين الملك، وما رَأَيْت ذَلِكَ منه قطّ، وترك كُمَّه عَلَى وجهه، فلما خرج أَبُو الْحُسَيْن قَالَ الملك: اذهب إِلَيْهِ بثلاثة آلاف درهم، وعشرة أثواب من الخزانة، فإن امتنع فقل لَهُ: فرِّقها فِي أصحابك، وإن قبلها، فجئني برأسه. ففعلت، فَقَالَ: إن ثيابي هذه فصلت من نحو أربعين سنة، ألبسها يوم خروجي إلى الناس، وأطويها عند رجوعي، وفيها متعة وبقيّة ما بقيت، ونفقتي من أجره دار خلَّفها أَبِي، فما أصنع بهذا؟ فقلت: فرقها عَلَى أصحابك، فَقَالَ: ما فِي أصحابي فقير، فعدت فأخبرته، فَقَالَ: الحمد لله الَّذِي سلَّمه منّا وسلَّمنا منه.
وقَالَ أَبُو سَعِيد النّقّاش: كَانَ ابن سمعون يرجع إلى علْم القرآن، وعلْم الظاهر، متمسكًا بالكتاب والسُّنّة، لقيته وحضرت مجلسه، سَمِعْتُهُ يسأل عَنْ قوله: " أَنَا جليس من ذكرني "، قَالَ: أَنَا صائنه عَنِ المعصية، أَنَا معه حيث يذكرني، أَنَا مُعِينُه.
وقَالَ السُّلَمي: سَمِعْتُ ابن سمعون، وسُئل عن التصوُّف، فَقَالَ: أمّا الْأسم فَتَرْك الدُّنيا وأهلها، وأمّا حقيقة التصوُّف فنسيان الدُّنيا ونسيان أهلها. وسمعته يَقُولُ: أحق الناس يوم القيامة بالخسارة أهل الدعاوى والإشارة.
وقال أبو النجيب الأرموي: سَأَلت أَبَا ذَرّ هَلِ اتَّهمت ابن سمعون بشيء؟ فَقَالَ: بلغني أَنَّهُ رَوَى جزءًا عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي دَاوُد، كَانَ عَلَيْهِ. مكتوب: وَأَبُو الْحُسَيْن ابن سمعون، وكان رجلا، آخر سواه، لأنّه كَانَ صبيًّا، ما كانوا يُكْنُونه فِي ذَلِكَ الوقت، وسماعه من غيره صحيح.
قَالَ أَبُو ذَرّ: وكان القاضي أَبُو بَكْر الْأشعري وَأَبُو حامد يُقَبّلان يد ابن سمعون إذا جاءاه، وكان القاضي أَبُو بَكْر يقُولُ: ربّما خفي عليّ من كلامه بعض الشيء لدقته. -[623]-
وقَالَ السُّلَمي: سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثلاثين ليلة} قَالَ: مواعيد الْأحبة وإن اختلفت، فإنّها تؤْنس، كُنَّا صبيانًا ندور عَلَى الشّطّ ونقول:
مَاطِلِيني وسَوِّفي ... وعِديني ولا تَفي
واترُكِيني مُولَّهًا ... أو تجودي وتعطفي
قال الخطيب: حدثنا محمد بن محمد الطاهري: قال: سَمِعْتُ ابن سمعون يذكر أَنَّهُ أتى بيت المقدس ومعه تمر، فطالبته نفسه برطب، فلامها، فعمد إلى التمر وقت إفطاره فوجده رطبًا، فلم يأكل منه وتركه، فلما كَانَ ثاني ليلة وجده تمرًا.
وقَالَ الخطيب: سَمِعْتُ أحمد بن عليّ البادا، قال: سَمِعْتُ أَبَا الفتح القَوَّاس يَقُولُ: لحقتني إضاقة، فأخذت قوسًا وخُفَّيْن، وعزمت عَلَى بَيْعهما، فقلت: أحضر مجلس ابن سمعون، ثم أبيعهما، فحضرتُ، فلما فرغ ناداني: يا أَبَا الفتح لا تبع الخُفَّين والقوس، فإنّ اللَّه سيأتيك برزق، أو كما قَالَ.
وقَالَ الخطيب: حَدّثَنِي شرف الوزراء أَبُو القاسم عَلِيّ بْن الْحَسَن، قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو طاهر محمد بن علي ابن العلاف، قَالَ: حضرت أَبَا الْحُسَيْن يومًا وهو يعظ، وَأَبُو الفتح القوّاس إلى جنب الكرسي، فنعس، فأمسك أَبُو الْحُسَيْن عَنِ الكلام ساعة، حتى استيقظ أَبُو الفتح، ورفع رأسه، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحُسَيْن: رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نومك؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ: لذلك أمسكت خوفاً أن تنزعج.
وقَالَ الخطيب: حَدّثَنِي رئيس الرؤساء الوزير، قال: حدثنا أبو علي بن أبي موسى الهاشمي، قال: حكى لي مولى الطائع لله أن الطائع أمره فأحضر ابن سمعون، فرأيت الطائع غضبانًا، وكان ذا حِدَّة، فأحضرت ابن -[624]- سمعون، فأذن له الطائع في الدخول، فدخل وسلّم بالخلافة، ثم أخذ فِي وعظه، فَقَالَ: رُوِي عَنْ أمير المؤمنين عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، ثم رَوَى عَنْ أمير المؤمنين وترضى عَنْهُ، ووعظ حتى بكى الطائع، وسمع شهيقه، وابتلّ منديل من دموعه، فلما انصرف، سألت االطائع عَنْ سبب طلبه، فَقَالَ: رُفِع إليّ أَنَّهُ ينتقص عليا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فأردت أقابله، فلما حضر افتتح بذِكْر عَلِيّ والصلاة عَلَيْهِ، وأعاد وأبدى فِي ذِكْره، فعلمت أَنَّهُ وُفِّق، ولعله كُوشِف بذلك.
قَالَ العتيقي: تُوُفِّي ابن سمعون، وكان ثقة مأمونًا، فِي نصف ذي القعدة.
قال الخطيب: ونقل سنة ست وعشرين وأربعمائة من داره، فدفن بباب حرب، ولم تكن أكفانه بُلِيَت فيما قِيلَ.

نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 8  صفحه : 620
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست