responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 8  صفحه : 569
161 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن الفتح المصِّيصي الجِلِّيُّ، [المتوفى: 385 هـ]
بجيم.
حَدَّثَ بِبَغْدَادَ عَنْ: محمد بن سفيان المِصِّيصي، ومُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم البطّال.
وَعَنْهُ: أحْمَد بْن مُحَمَّد العتيقي، وَأَبُو القاسم التنوخي.
وقَالَ البَرْقاني: صَدُوق.
وقَالَ غيره: كَانَ حافظًا ضريرًا. ومن شيوخه إمام جامع المصِّيصة أَبُو الماضي مُحَمَّد بْن يحيى، ومُحَمَّد بْن حاتم بْن رَوْح القزَّاز، ومُحَمَّد بْن أحْمَد بْن أَبِي الخطيب، وآخر من حدث عَنْهُ أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد ابن الْأبنوسي.

162 - إِسْمَاعِيل بْن عَبَّاد بن عباس، الصاحب أَبُو القاسم، [المتوفى: 385 هـ]
وزير مُؤَيَّد الدولة بُوَيْه ابن ركن الدولة.
أصله من الطَّالقان، وكان نادرةَ دهره وأُعجوبة عصره فِي الفضائل والمكارم.
أخذ الْأدب عَنِ الوزير أَبِي الفضل بْن العميد، وأَبِي الْحُسَيْن أحْمَد بْن فارس.
وسمع الحديث من أبيه، ومن غيره واحد، وحدّث باليسير، وأملى مجالس روى فِيهَا عَنْ: عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن فارس، وأَحْمَد بْن كامل بْن شَجَرَة، وأَحْمَد بْن مُحَمَّد أَبِي الْحَسَن اللُّنباني، وسُليمان الطَّبَراني، وطائفة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو العلاء مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن حَسْوَل، وعَبْد الملك بْن عَلِيّ الرّازي القطّان، وَأَبُو بَكْر بْن أَبِي عَلِيّ المعدِّل، والقاضي أَبُو الطّيّب طاهر الطَّبَرِي، وَأَبُو بَكْر ابن المقرئ ومع تقدُّمه.
وهو أوّل من سُمّي بالصاحب، لأنّه صحب مؤَيَّد الدولة من الصِّبا، وسّماه الصّاحب، فغلب عَلَيْهِ، ثم سُمّي بِهِ كلّ من وُلِّي الوزارة بعده، وقيل: لأنّه كَانَ يصحب أبا الفضل بن العميد، فقيل له صاحب ابن العميد، ثم خُفِّف فقيل: الصّاحب. -[570]-
قَالَ فِيهِ أَبُو سَعِيد الرُّسْتُمي:
ورث الوزارة كابرًا عَنْ كابرٍ ... موصولةَ الْأسنادِ بالإسنادِ
يَروي عن العباس عباد وزا ... رته وإِسْمَاعِيل عَنْ عَبَّادِ
ولمّا تُوُفِّي مؤيَّد الدولة بويه بجُرْجَان فِي سنة ثلاث وسبعين، ولي بعده أخوه فخر الدولة أَبُو الْحَسَن، فأقرّه عَلَى الوزارة، وبالغ في تعظيمه. وكان الوزير أَبُو الفتح ابن ذي الكفايتين قد قصد الصاحب، وأزاله عَن الوزارة، ثُمَّ نصر عَلَيْهِ، وعاد إِلى الوزارة، ففي كتاب المحسّن التنوخي فِي " الفرج بعد الشدة " أن إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ بْن سَعِيد النصيبي حدثه قال: سر أبو الفتح، فطلب النُّدماء، وهيَّأ مجلسًا عظيمًا بآلات الذّهب والفضة والمغاني والفواكه، وشرب بقيّة يومه، وعامّه ليلته، ثم عمل شعرًا وغَنَّوا بِهِ، يَقُولُ فِيهِ:
إذا بلغ المرء آماله ... فليس إلى بعدها متنزح
وكان هذا بعد تدبيره عَلَى الصّاحب، حتى أبعده عَنْ مؤيَّد الدولة، وسيَّره إلى إصبهان، وانفرد هو بالدست، ثم طرب بالشعر، وشرب إلى أن سكر، وقَالَ: غطُّوا المجلس لاصطبح عَلَيْهِ غدًا، وقَالَ لنُدَمَائه: باكروني، ثم نام، فدعاه مؤيَّد الدولة فِي السَّحَر، فقبض عَلَيْهِ، وأخذ ما يملكه، ومات فِي النَّكبة، ثم عاد الصّاحب إلى الوزارة.
قلت: وبقي فِي الوزارة ثمانية عشر عامًا، وفتح خمسين قلعة، وسلمها إلى فخر الدولة، لم يجتمع عشرة منها لأبيه. وكان الصّاحب عالمًا بفنون كثيرة من العلْم، لم يُدانه فِي ذَاك وزير، وكان أفضل وزراء الدولة الدَّيْلَمِيّة، وأغزرهم علمًا، وأوسعهم أدبًا، وأوفرهم محاسن. وقد طوَّل ابن النَّجَّار ترجمته وجوَّدها.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلامَةَ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ أَبِي منصور، قال: أخبرنا أبو علي الحداد، قال: أخبرنا أبو العلاء محمد بن علي، قال: حدثنا الصاحب إسماعيل بن عباد إملاء، قال: حدثنا أبو الحسين أحمد بن محمد، قال: حدثنا سليمان بن داود القزاز، قال: حدثنا سفيان، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ -[571]- السَّرِيرِ. قَالَ الصَّاحِبُ: قَدْ شَارَكْتُ الطَّبَرَانِيُّ فِي إِسْنَادِهِ.
قِيلَ: كَانَ ابن عبَّاد فصيحًا مفوهًا، لكنه يتقعر فِي خطابه، ويستعمل وحْشِي اللغة حتى في انبساطه، وكان يعيب التّيه ويتيه، ولا ينصف من ناظره. وقيل: كان مشوه الصورة.
صنف الصاحب فِي اللغة كتابًا سمّاه " المحيط " فِي سبع مجلدات، وله كتاب " الكافي " فِي الترسل، وكتاب " الْأعياد "، وكتاب " الْإمَامة " ذكر فِيهِ فضائل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وثبت إمامة من تقدمه. وكان شيعياً جلدا كآل بُوَيْه، وما أظنه يسب، لكنه معتزليّ، قيل: إنه نال من البخاري، وقال: هو حشوي لا يعول عَلَيْهِ. وله كتاب " الوزراء " وكتاب " الكشف عن مساوئ شعر المتنبي " وكتاب " أسماء اللَّه وصفاته ".
ومن ترسّله: " نحن سيدي، فِي مجلس غنى إلا عنك، شاكرًا إلا منك، قد تفتحت فِيهِ عيون النرجس، وتوردت خدود البنفسج، وفاحت مجامر الأترنج، وفتقت فارات النّارنج، وانطلقت ألْسُن العيدان، وقامت خطباء الأوتار، وهبت رياح الأقداح، ونفق سوق الأنس، وقام منادي الطرب وامتدت سماء النّدّ، فبحياتي إلا ما حضَرْت فقد أبت راحُ مجلسنا أن تصفو إلا أن تتناولها يمْناك، وأقسم غناؤه أن لا يطيب حتى تعيه أذناك، فخدود نارنجه قد احمرّت خجلا لإبطائك، وعيون نرجسه قد حدَّقَت تأميلا للقائك.
وله:
رقَّ الزُّجَاج ورقَّتِ الخمر ... وتشابها فتشاكل الأمر.
فكأنما خَمْرٌ ولا قَدَحٌ ... وكأنّما قَدَحٌ ولا خَمْرُ
وله يرثي الوزير أَبَا عَلِيّ كثير بن أحمد: -[572]-
يقولون لي: أوْدى كثيرٌ بْن أحْمَد ... وذلك مَرْزُوءٌ عَلِيّ جَلِيلُ
فقلتُ: دَعُوني والبُكَا نَبْكِه مَعًا ... فمثلُ كثيرٍ فِي الرّجال قَلِيلُ
وورد أنِ الصّاحب جمع من الكتب ما كَانَ يحتاج في نقلها إلى أربعمائة جَمَل، ولما عزم عَلَى الْإملاء، تاب إلى اللَّه، واتخذ لنفسه بيتًا سماه " بيت التَّوْبة " ولبث أسبوعًا عَلَى الخير، ثم أخذ خطوط الفقهاء بصحّة توبته، ثم جلس للإملاء، وحضر خلق كثير، منهم القاضي عَبْد الجبار بْن أحمد.
وكان الصاحب ينفذ في السنة إلى بغداد خمسة آلاف دينار، تُفَرَّق عَلَى الفقهاء والأدباء، وكان يبغض من يميل إلي الفلسفة، ومرض بالأهواز بالإسهال، فكان إذا قام عن الطست، ترك إلى جانبه عشرة دنانير، حتى لا يتبرم بِهِ الخدم، فكانوا يودون دوام علّته، ولما عوفي تصدَّق بنحوٍ من خمسين ألف دينار. وله ديوان شعر.
وقد مدحه أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن أحْمَد بْن الخازن الشاعر بقصيدته المشهورة، وهي:
هذا فؤادُك نَهْبي بين أهواء ... وذاك رأيك شأوي بين آراءِ
هَوَاكَ بين العيونِ النُّجْل مُقْتَسَمٌ ... داءٌ لعَمْرُكَ ما أَبَلاهُ من داءِ
لا يستقرُّ بأرض أو يسير إلى ... أُخرى بشخص قريب عَزْمُه نائي
يومًا بحُزْوَى ويومًا بالكثيب ويو ... ماً بالعذيب ويوماً بالخليصاء
منها:
صَبيَّة الحيّ لم تقْنَعْ بها سَكَنًا ... حتى علقَتْ صَبايا كلّ أحياءِ.
أدْعَى بأسماءَ نَبْزًا فِي قبائِلها ... كأن أسماءَ أَضْحَى بعضُ أسمائي
ثَنَتْ أنامِلَها عنّي وقد دمِيَتْ ... من مُهجتي فادَّعَتْها وَشْي حِنّاء
وهي طويلة.
وقيل: إنّ نوح بْن منصور الساماني كتب إِلَيْهِ يستدعيه ليفوض إليه وزارته، فاعتل بأنه يحتاج لنقل كتبه خاصة أربعمائة جمل، فما الظن بما يليق به من التجمّل.
ومن بديع نظْم الصّاحب بْن عباد: -[573]-
تبسَّم إذ تبسَّم عَنْ إقَاحٍ ... وأسْفَرَ حين أسْفَرَ عَنْ صَباحِ
وألحقني بكأس من رِضابٍ ... وكأسٍ من جَنَى وردٍ وراحِ
لَهُ وجْهٌ يدِلُّ بِهِ وطَرْفٌ ... يمرِّضُه فيسكر كلَّ صَاحِ
جبينُكَ والمُقَلَّد والثَّنَايا ... صباحٌ فِي صباحٍ فِي صباحِ
ومن شعره:
الحبُّ سُكْرُ خمارُهُ التَّلَف ... يَحْسُنُ فِيهِ الذُّبُول والدَّنَفْ
عُلُوه زاد فِي تصَلُّفِه ... والحُسْنُ ثَوْبٌ طِرازُه الصَّلَفْ
وقَالَ أَبُو يوسف القزويني المعتزلي: كتب العميري قاضي قزوين إلى الصّاحب مَعَ كُتُب أهداها له:
العميري عبد كافي الكفاة ... وإن اعتد من وُجُوه القُضَاةِ
خَدَم المجلسَ الرَّفيعَ بكُتُبٍ ... مُتْرَعَاتٍ من علمها مفعمات
فأجابه الصّاحب:
قد قبِلْنا من الجميع كتابًا ... وردَدْنَا لوَقْتها الباقياتِ
لستُ أَسْتَغْنِم الكبيرَ فطَبْعي ... قولُ خُذْ لَيْسَ مذهبي قولُ هاتِ
ولد بإِصْطَخْر، وقيل: بالطَّالَقَان، في سنة ست وعشرين وثلاثمائة. والطَّالَقَان: اسم لناحيةٍ من أعمال قِزْوين، وأمّا بلد الطَّالَقَان التي بخُراسَان فأُخْري، خرج منها جماعة علماء.
تُوُفِّي ليلة الجمعة من صفر، سنة خمسٍ وثمانين.
ومن مراثي الصّاحب:
ثَوَى الْجُودُ والكافي معًا فِي حفيرة ... ليأنس كلُّ منهما بأخيهِ
هما اصطَحَبا حَيَّيْن ثم تَعَانَقَا ... ضجيعين في لحد بباب دزيه
إذا ارتحل الثَّاوُونَ عَنْ مُسْتَقَرِّهم ... أقاما إلى يوم القيامة فيهِ
وكان يُلقَّب " كافي الكفاة " أيضًا، وكانت وفاته بالرّيّ، ونُقِل إلى إصبهان، ودفن بمحلة باب دزيه. ولما تُوُفِّي أُغْلَقَتْ لَهُ مدينة الرّيّ، -[574]- واجتمع الناس على باب قصره، وحضر مخدومه وسائر الْأمراء، وقد غيروا لباسهم، فلما خرج نعشه، صاح الناس صيحة واحدة، وقبّلوا الأرض، ومشى فخر الدولة ابن بُوَيْه أمام نعشه، وقعد للعزاء.
ولبعضهم فِيهِ:
كأنْ لم يَمُتْ حيٌّ سواك ولم تُقَم ... على أحد إلا عليك النَّوائحُ
لَئِن حَسُنَتْ فيك المراثي وذكْرُها ... لقد حَسُنَت من قبلُ فيك المدائحُ

نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 8  صفحه : 569
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست