نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين جلد : 7 صفحه : 225
-سنة عشرين وثلاثمائة
فيها: عُزِلَ الحُسين بْن القاسم من الوزارة واستوزر أبو الفتح بْن الفُرات.
وفيها: بعث العهد واللواء لمرداويج الدَّيْلَمّي عَلَى إمرة أذْرَبَيْجان، وأرمينية، وأرّان، وقُمّ، ونِهاوَنْد، وسِجِسْتان.
وفيها: نهب الْجُنْد دور الوزير الفضل بْن جعفر بْن الفُرات، فهرب إلى طيّار لَهُ في الشط، فأحرقَ الْجُنْد الطّيّارات. وصخَّم الهاشميّون وجوههم وصاحوا: الجوع الجوع! وكان قد اشتدّ الغلاء؛ لأنّ القَرْمَطيّ ومؤنسًا منعُوا -[226]- الغلّات من النّواحي أنّ تصل، ولم يحجّ ركب العراق.
وفي صفر غلب مؤنس عَلَى الموصل فتسلل إِلَيْهِ الْجُنْد والفُرسان مِن بغداد، وأقام بالموصل أشهرًا. ثمّ تهيأ المقتدر وأخرج المخيَّم إلى الشّمّاسيّة، وجعل يزكًا عَلَى سامرّاء ألف فارس مَعَ أَبِي العلاء سَعِيد بْن حمدان. وأقبل مؤنس في جمْعٍ كثير، فلمّا قارب عَكْبُرا اجتهد المقتدر بهارون بْن غريب أنّ يحارب مؤنسًا، فامتنع واحتجّ بأن أصحابه مَعَ مؤنس في الباطن ولا يثق بهم.
وقيل: إنّه عسكر هارون وابن ياقوت وابنا رائق وصافي الحُرَميّ ومُفْلح بباب الشّمّاسيّة، وانضموا إلى المقتدر، فقالوا لَهُ: إنّ الرجال لَا يقاتلون إلّا بالمال، وأن أخرجت الأموال أسرع إليك رجال مؤنس وتركوه.
وسألوه مائتي ألف دينار، فأمر بجمع الطّيّارات لينحدر بأولاده وحُرَمهِ وأمّهِ وخاصّته إلى واسط، ويستنجد منها ومن البصرة والأهواز عَلَى مؤنس.
فقال لَهُ محمد بْن ياقوت: اتق اللَّه في المسلمين، ولا تسلِّم بغداد بلا حرب، وإنك إذا وقفت في المصافّ أحجم رجال مؤنس عَنْ قتالك. فقال: أنتَ رسول إبليس!
فلمّا أصبحوا ركبَ في الأمراء والخاصّة وعليه البُرْدة وبيده القضيب، والقراء حوله، والمصاحف منشورة، وخلْفه الوزير الفضل بْن جعفر، فشقّ بغداد إلى الشّمّاسيّة، والخلق يدعون لَهُ. وأقبل مؤنس في جيشه ووقع القتال. فوقف المقتدرُ على تل، ثمّ جاء إِلَيْهِ ابن ياقوت وأبو العلاء فقالا: تقدّم، فإذا رآك أصحاب مؤنس استأمنوا. فلم يبرح، فألحَّ عَلَيْهِ القُوّاد بالتقدم، فتقدَّم وهم يستدرجونه حتّى أوقعوه في وسط الحرب في طائفة يسيرة، وقد قدِم الجمهور بين يديه يقاتلون.
فانكشف أصحابه وأسر منهم جماعة، وأبلى محمد بْن ياقوت وهارون بلاءً حسنًا. وكان معظم جُنْد مؤنس البربر، فبينا المقتدر واقف قد انكشف أصحابه رآه عليّ بْن بليق فعرفه، فترجّل وقال: يا مولاي أمير المؤمنين! وقبّل الأرض، فوافى جماعة من البربر إلى المقتدر فضربه رَجُل منهم من خلفه ضربةٌ سقط إلى الأرض، فقال لَهُ: ويلك أَنَا الخليفة! فقال: أنت المطلوب.
وذبحه بالسَّيف، وشيل رأسه عَلَى رُمْح، ثمّ سُلب ما عَلَيْهِ، وبقي مكشوف العورة -[227]- حتّى سُتِر بالحشيش. ثمّ حفر لَهُ في الموضع ودفن وعفي أثره. وبات مؤنس بالشّمّاسيّة.
وقال الصُّوليّ: لمّا كَانَ يوم الأربعاء لثلاثٍ بقين من شوّال ركب المقتدر وعليه قباء فضّي وعمامة سوداء وعلى كتفه البُرْدة وبيده القضيب والمصاحف منشورة. وكان وزيره قد أخذ لَهُ طالعًا، فقال لَهُ المقتدر: أيّ وقتٍ هُوَ؟ قَالَ: وقت الزّوال. فتطيَّر وهَمَّ بالرجوع، فأشرفت خيل مؤنس وبليق، ونشبت الحربُ، وتفرق عَنِ المقتدر أصحابه وقتله البربريّ.
وقيل: كَانَ غلاماً لبليق، وكان بطلا شجاعًا تعجب النّاس منه يومئذ ممّا فعل من صناعات الفروسيّة من اللّعب بالرُمْح والسّيف. ثمّ حمل عَلَى المقتدر وضربه بحربةٍ أخرجها من ظهره، فصاح النّاس عَلَيْهِ، فساق نحو دار الخلافة ليخرج القاهر، فصادفه حمل شوك فزحمه وهو يسوق حمل الشَّوْك إلى قنار لحّام، فعلقه كُلّاب، وخرج الفَرَس في مشواره من تحته فماتَ. فحطّه النّاس وأحرقوه بالحمْل الشَّوك.
واستخلف المقتدر خمسًا وعشرين سنة إلّا بضعة عشر يومًا. وكان النّساء قد غلبن عَلَيْهِ. وكان سخيًا مبذّرًا يصرف في السنة للحجّ أكثر من ثلاثمائة ألف دينار. وكان في داره أحد عشر ألف غلام خصيان غير الصّقالبة والروم والسُّود.
وأخرج جُمَيْع جواهر الخلافة ونفائسها عَلَى النّساء ومحقهُ. وأعطى بعض حظاياه الدُّرَّة اليتيمة وكان وزنها ثلاثة مثاقيل. وأخذت زيدان القهرمانة سبْحة جوهر لم يُرَ مثلها، هذا مَعَ ما ضيّع من الذَّهَب والمسْك والأشياء المفتخرة. قِيلَ: إنه فرق ستين حباً من الصيني ملأى بالغالية الّتي غرِم عليها ما لَا يحصى.
وقال الصُّوليّ: كَانَ المقتدر يفرّق يوم عَرَفَة من الإبل والبقر أربعين ألف رأس، ومن الغنم خمسين ألفًا. ويقال: إنّه أتلف من المال ثمانين ألف ألف دينار. وكان في داره عشرة آلاف خادم من الصَّقالبة. وأتلفَ نفسه بيده وبسوء تدبيره.
وخلّف من الأولاد محمداً الراضي، وإبراهيم المتّقي، وإِسْحَاق والد القادر، والمطيع، وعبد الواحد، وعباساً، وهارون، وعلياً، وعيسى، وإسماعيل، وموسى، وأبا العبّاس. وكان طبيبه ثابت بْن سِنان، وابن بُخْتَيْشُوع. -[228]-
وقال ثابت بْن سِنان الطبيب: إنّ المقتدر أتلف نيّفا وسبعين ألف ألف دينار.
وقد وزر للمقتدر، كما قدمنا جماعة.
قَالَ ثابت: لما قُتِل المقتدر انحدر مؤنس ونزل الشّمّاسيّة، فقدم إِلَيْهِ رأس المقتدر، فبكى وقال: قتلتموه؟ واللَّه لنقتلن كلنا، فأقلّ ما يكون أنّ تُظهروا أنّ ذَلِكَ جرى عَنْ غير قصد منكم، وأن تنصبوا في الخلافة ابنه أبا العبّاس.
فقال إِسْحَاق بْن إسماعيل النّوَبْخِتيّ: استرحنا ممن لَهُ أمُّ وخاله وحرم، فنعود إلى تِلْكَ الحال؟! وما زال بمؤنس حتّى ثنى رأيه عَنِ ابن المقتدر، وعدل إلى القاهر محمد. فأحضر محمد ابن المكتفي والقاهر محمد، فقال لمحمد ابن المكتفي: تتولّى هذا الأمر؟ فقال: لَا حاجة لي فيه، وعمّي هذا أحقّ بهِ.
فكلم القاهر فأجاب. فبايعه واستحلفه لنفسه ولبُليق ولولده عليّ بْن بليق، ولقب بالقاهر باللَّه، كما لقب بهِ في سنة سبْع عشرة. وكان ربعة، أسمر، معتدل الجسم، أصهب الشعر، أقنى الأنف.
وأوّل ما فعل أنْ صادر آل المقتدر وعذبهم، وأحضر أمّ المقتدر وهي مريضة فضربها بيده ضربًا مبرحًا، فلم تظهر من مالها سوى خمسين ألف دينار. وأحضر القضاة وأشهد عليها ببيع أملاكها بعد أنّ كشفت وجهها ورأوها، فلمّا عاينوا ما بها من الضُرّ بكوا. وما زال يعذبها حتّى ماتت معلقة بحبل.
وضرب أمّ موسى القهرمانة وعذبها، ووجد عندها أبا العباس ابن المقتدر فقبض عَلَيْهِ، وبالغ في الإساءة، فنفرت القلوب عَنْهُ.
وكان المقتدر قد نفى ابن مُقْلَة إلى الأهواز، فأحضره القاهر مكرمًا واستوزره.
وفيها: ادّعى مؤنس أنّ شفيعًا المقتدريّ عَلَى ملكه، ونادى عليه إهانةً له فبلغ سبعين ألف دينار، فاشتري بذلك للقاهر وأعتقه.
وذكر المسبّحي أنّ العامّة لم تزل تصلّي في مصرع المقتدر. وبني في ذَلِكَ المكان مسجد.
نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين جلد : 7 صفحه : 225