نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين جلد : 5 صفحه : 805
96 - حبيب بْن أوس بْن الحارث بْن قيس أبو تمام الّطائيّ الحَوْرانيّ الجاسميّ الأديب. [الوفاة: 231 - 240 ه]
حامل لواء الشعر في وقته، وكان أبوه أوس نَصْرانيًّا، فأسلم هو ومدح الخلفاء والأمراء، وسار شِعره في الدّنيا، وتنافس الأدباء في تحصيل ديوانه. وهو الذي جمع "الحماسة ". وكان أسمر طُوَالًا فصيحًا حُلْو الكلام، فيه تمتمة يسيرة. ولد سنة تسعين ومائة أو قبلها.
قال الخطيب أبو بكر: كان في أيّام حداثته يسقي الماء بِمصر في الجامع. ثُمَّ جالس الأدباء وأخذ عنهم. وكان فطِنًا فَهْمًا يحبُّ الشعر، فلم يزل حتّى قاله، فأجاد وشاع ذكره. وبلغ المعتصم خبره فطلبه، فعمل فيه قصائد فأجازه، وقدّمه على شعراء وقته. وجالس ببغداد الأدباء، وكان موصوفًا بالظُّرْف وحُسْن الأخلاق، والكَرَم.
قال المسعودي: وكان ماجنًا خليعًا، رُبّما تهاون بالفرائض، مع صحة اعتقاد.
وروى محمد بْن محمود الخُزَاعِيّ، عن عليّ بْن الْجَهْم قال: كان الشعراء يَجتمعونَ كلّ جمعة بالجامع ببغداد ويتناشدون، فبينما نَحنُ يوم جمعة أنا وَدِعْبِل، وأبو الشَّيْص، وابن أبي فَنَن، والنّاسُ يستمعونَ قوْلَنا، إذْ أبصرت شابا في أخريات الناس جالسا بِزِيّ الأَعْرَاب. فلمّا سكتنا قال: قد سمعتُ إنشادكم منذ اليوم، فاسمعوا إنشادي: قلنا: هات، فقال:
فَحْوَاكَ عَيْنٌ عَلَى نَجْوَاكَ يا مَذِلُ ... حتام لا يتقضى قولك الخطل
فإن أسمج مَن تشكو إليه هوًى ... مَنْ كان أحسنَ شيءٍ عندهُ العَذَلُ
ما أقبلتْ أوجُهُ اللَّذاتِ سافرةً ... مُذْ أَدْبَرَتْ باللِّوَى أيّامُنا الأُوَلُ
إن شئتَ أن لا ترى صبرًا لمصطبر ... فانظر على أيّ حالٍ أصبح الطَّللُ
كأنَّما جاد مغناه فغيره ... دموعنا يوم بانوا فهي تنهمل
إلى أن قال فيها يمدح المعتصم:
تَغَايَرَ الشِّعْرُ فيه إذْ سَهِرْتُ له ... حتَّى ظَنَنْتُ قوافيه ستقتتل -[806]-
فقلنا: لمن هذا الشِّعْر؟ فقال: لِمَن أَنْشَدْكُمُوه. قلنا: ومنْ تَكون؟ قال: أبو تَمّام حبيب بْن أوس. فرفعناهُ وجعلناهُ كأحدنا، ثُمَّ ترقَّت حاله، وكان من أمره ما كان.
والمَذِل: الْخَدِرُ الفاتِرُ.
وقيل للبُحْتُريّ: يزعمُونَ أنّك أشعر من أبي تَمّام. فقال: والله ما ينفعني هذا القول، ولا يضرُّ أبا تَمّام. واللهِ ما أكلتُ الخُبْزَ إلا به. ولوَدِدْتُ أنّ هذا الأمر كما قالوا. ولكنِّي والله تابعٌ له لائذٌ به.
ومن شعره حيث يقول في قصيدته الدّالية:
ولم تُعطِني الأيّام نومًا مُسْكنًا ... أَلَذُّ به إلا بنوم مُشَرِّدِ
وطولُ مُقامِ المرء بالحيّ مُخْلِقٌ ... لديباجتيه، فاغترِبْ تتجدَّد
فإنِّي رأيت الشمس زيدت محبَّة ... إلى النّاس أنْ ليست عليهم بسَرْمَدِ
وقيل: إِنَّ الحسَنَ بْن وَهْب الكاتب مرض، فكتب إليه أبو تَمّام:
يا حليفَ النَّدَى ويا تؤام الجو ... د ويا خَيْرَ من حَبَوْتَ القريضا
ليتَ حُمّاك بي وكان لك الأجـ ... ـر فلا تشتكي وكُنتُ المريضا
وله:
وإنّ أَوْلَى البرايا أَنْ تُوَاسِيه ... لدى السُّرور لَمَنْ واساك في الحَزَنِ
إنّ الكرام إذا ما أَيْسَروا ذكروا ... من كان يأْلَفُهُم في المنزل الخشِنِ
وله:
غدا الشَّيْبُ مختطًّا بفَوْدَيَّ خِطَّةً ... طريقُ الرَّدَى منها إلى النَّفْسِ مَهْيَعُ
هو الرُّزْءُ يجفى، والمعاشر يُجْتَوَى ... وذو الإِلْفِ يُقْلَى والجديدُ يُرقَّعُ
له منظرُ في العَيْن أبيض ناصعٌ ... ولكنَّهُ في القلبِ أسودُ أسفعُ
وله:
أَلَم تَرَنِي خَلَّيْتُ نفسي وشانَهَا ... فلم أَحْفَلِ الدُّنْيَا ولا حَدَثانَها
لقد خوّفَتني الحادثاتُ صُرُوفَها ... ولو أَمَّنَتْني ما قبِلْتُ أمانَها
يقولون: هل يبكي الفتى لِخريدةٍ ... متى ما أراد اعتاض عَشْرًا مكانها؟ -[807]-
وهل يَسْتعيضُ المرءُ من خَمْس كَفِّهِ ... ولو صاغ من حُرِّ اللُّجَيْنِ بَنَانَها؟
وله:
ما جود كفك إن جادت وإن بخلت ... من ماء وجهي إذا أخلقته عوضُ
وله:
وما أبالي وخير القول أصدقه ... حقنت له ماء وجهي أو حقنت دمي
روى الصولي عن محمد بْن موسى قال: عنيَ الحسن بْن وَهْب بأبي تَمَّام، فولاهُ بريد الْمَوْصِل، فأقام بِهَا أقلّ من سنتين، ومات في جُمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين ومائتين. قال الصُّولِيُّ: وأخبرني مَخْلَد المَوْصِليّ أنّ أبا تَمّام مات بالْمَوْصِل سنة اثنتين وثلاثين في المحرَّم.
وللوزير محمد بْن عبد الملك الزّيّات يرثي أبا تمام:
نبأٌ أَتَى مِنْ أَعظم الأنباء ... لَمَّا ألمَّ مُقَلْقِلُ الأحشاءِ
قالوا: حَبيب قد ثَوَى، فأجَبْتُهُم ... ناشَدْتُكُمْ، لا تجعلوهُ الطّائي
نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين جلد : 5 صفحه : 805