نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين جلد : 5 صفحه : 661
336 - القاسم بن عيسى، الأمير أبو دُلَف العِجْليّ، [الوفاة: 221 - 230 ه]
صاحب الكَرَج وواليها.
حَدَّثَ عَنْ: هُشَيْم وغيره،
رَوَى عَنْهُ: محمد بن المغيرة الأصبهانيّ.
وكان فارسا شجاعا، وجوادا مُمَدَّحًا، وشاعرًا محسنا، له أخبار في السّخاء والحماسة.
وُلّي حرب الخُرَّميّة فدوّخهم وأبادهم، وولي إمرة دمشق للمعتصم.
قال إسحاق بن إبراهيم المَوْصِليّ، عن أبيه: كنتُ في مجلس هارون الرشيد إذ دخل عليه غلامٌ أمرد، فسلَّم، فقال الرشيد: لا سلّم الله على الآخَر، أفسدتَ علينا الجبل يا غُلام. قال: فأنا أصلحه يا أمير المؤمنين. ثم جاوره إلى أن قال: أفسدتُه يا أمير المؤمنين وأنت عليّ، أَفَأَعْجزُ عن صلاحه وأنت معي؟ فخلع عليه وولّاه الجبل، فلمّا خرج قلت: من هذا؟ قالوا: أبو دلف العجلي. فلمّا ولّي قال الرشيد: أرى غلامًا يرمي من وراء همة بعيدة.
وكان أبو دلف فصيحا حاضر الجواب، قال له المأمون يومًا وهو مقطّب: أأنت الذي يقول فيك الشّاعر:
إنّما الدُّنيا أبو دُلَفٍ ... بين مَغْزاه ومُحْتَضَرِهْ
فإذا ولّي أبو دُلَفٍ ... ولَّتِ الدُّنيا على أَثَرِهْ
فقال: يا أمير المؤمنين، شهادة زُور، وقول غَرُور، ومَلقِ مُعْتَفْ، وطالب عُرْف، وأصدق منه ابن أختٍ لي حيث يقول:
دعيني أجوبُ الأرض ألتمس الغنى ... فلا الكَرَجُ الدُّنيا ولا النّاس قاسمُ
فتبسم المأمون.
ومن شعره:
أيُّها الراقد المؤرّق عيني ... نَمْ هَنيئًا لك الرّقادُ اللّذيذُ
علِم الله أنّ قلبي ممّا قد ... جنت مُقْلتاكَ فيه وَقِيذُ
وقال ثعلب: حدثنا ابن الأعرابيّ، عن الأصْمَعيّ قال: كنت واقفًا بين يدي المأمون، إذ دخل عليه أبو دلف العجلي، فنظر إليه المأمون شزرا، -[662]- وقال: أنت الذي يقول فيك عليّ بن جَبَلَة:
لهُ راحةٌ لو أنّ مِعْشار عُشْرِها ... على البَرِّ كان البَرُّ أندى من البحرِ
له هممٌ لا منْتَهَى لكِبارها ... وهمَّتُه الصُّغْرَى أجل من الدهر
ولو أنَّ خلْق اللَّهِ في مَسْكِ فارسٍ ... وبارزه كان الخلي من العُمْرِ
أبا دُلَفٍ بُورِكْتَ في كلّ وِجْهةٍ ... كما بُوِركَتْ في شهرها لَيْلَةُ القَدْرِ
فقال: يا أمير المؤمنين، مكذوب عليّ، لا والذي في السّماء بيتُه، ما أعرف مِن هذا حرفًا. فقال: قد قال فيك:
ما قال لا قطّ من جُودٍ أبو دُلَفٍ ... إلّا التشهُّد لكن قوله نعم
قال: لا أعرف هذا يا أمير المؤمنين.
وقال أبو العَيْناء: حدَّثني إبراهيم بن الحَسَن بن سهل قال: كنّا في موكب المأمون، فترجّل له أبو دُلَفٍ، فقال له المأمون: ما أخّرك عنّا؟ قال: عِلَّةٌ عَرَضَتْ لي. فقال: شفاك الله وعافاك، اركب. فوثب من الأرض على الفَرَس، فقال: ما هذه وثبة عليل! فقال: بدعاء أمير المؤمنين شُفِيت.
وعن أبي دلف أنه فرق يوما مبلغا كثيرا من المال، ثمّ أنشأ يقول لنفسه:
كفاني من مالي دِلاصٌ وسابحٌ ... وأبيض من صافي الحديد ومِغْفَرُ
وقال مرّةً وقد تكاثر عليه الشُّعَراء وهو مضيق اليد، فتمثّل:
لقد خُبِّرْت أنْ عَلَيْك دَيْنًا ... فزِدْ في رَقْمِ دَيْنِك واقضِ دَيْني
يا غلام، اقترض لي عشرين ألفًا بأربعين ألفا وفرقها فيهم.
ومن شعره:
نحن قومٌ تُلِينُنا الحَدَقُ النُّجْلُ ... على أنّنا نُلِينُ الحديدا
نملك الأُسْد ثمّ تَمْلِكنا البِيض ... المَصُوناتُ أَعْيُنًا وخُدُودا
فترانا يوم الكريهة أحرارًا ... وفي السِّلْم للغواني عَبِيدا
وقال المحاملي: حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوَرَّاق قال: حدَّثني محمد بن سلمة البلخي قال: حدثني محمد بن علي القهستاني قال: حدَّثني دُلَف -[663]- ابن أبي دُلف قال: رأيت أبي في النّوم، فأدخلني دارا وحشة سوداء مخربة، ثمّ أصعدني دَرَجًا فيها، فأدخلني غرفة حِيطانُها من أثر النّار، وفي أرضها أثر الرّماد، وإذا أبي عريان، فقال لي كالمستفهم: دُلَف؟ قلت: نعم، أصلح الله الأمير. فأنشأ يقول:
أبلغن أهلنا ولا تُخْفِ عنهم ... ما لقينا في البرزخِ الخَنَّاق
قد سُئِلنا عن كلّ ما قد فعلنا ... فارحموا وحْشتي وما قد أُلاقي
أفهمتَ؟ قلت: نعم. فقال:
فلو أنّا إذا مُتْنَا تركنا ... لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ... ونسأل بعده عن كل شي
قالوا: توفي أبو دلف سنة خمس وعشرين ببغداد.
نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين جلد : 5 صفحه : 661