نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين جلد : 5 صفحه : 146
-[حَرْفُ الْمِيمِ]
313 - 4: محمد بْن إدريس بْن العبّاس بْن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافَ بْنِ قُصَيٍّ، الْإِمَام العَلَم أبو عَبْد اللَّه الشّافعيّ الْمَكِّيّ المطَّلبيّ الفقيه، [الوفاة: 201 - 210 ه]
نسيب رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وُلِدَ سنة خمسين ومائة بغزة، وحُمِلَ إلى مكَّة وهو ابن سنتين فنشأ بها، وأقبل عَلَى الأدب والعربيَّة والشِّعْر، فبرع في ذَلِكَ، وحُبِّب إِلَيْهِ الرمي حتّى فاق الأقران وصار يصيب من العشرة تسعة، ثمّ كتب العلم.
وَرَوَى عَنْ: مسلم بْن خَالِد الزنجي فقيه مكة، وداود بْن عَبْد الرَّحْمَن العطّار، وعبد العزيز بْن أَبِي سلمة الماجِشُون، وعمّه محمد بْن عليّ بْن شافع، ومالك بْن أنس، وعرض عَلَيْهِ " المُوَطّأ " حِفظًا، وعطاف بْن خَالِد، وسفيان بْن عُيَيْنَة، وإبراهيم بْن سعْد، وإبراهيم بْن أَبِي يحيى الأسلمي الفقيه، وإسماعيل بن جعفر، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُلَيْكِيُّ، وَعَبْدُ العزيز الدَّراوَرْديّ، ومحمد بْن عليّ الْجَنَديّ، ومحمد بْن الحَسَن الفقيه، وإسماعيل بْن عُلَيَّة، -[147]- ومُطَرِّف بْن مازن قاضي صنعاء، وخلْق سواهم.
وَعَنْهُ: أبو بَكْر الحُمَيْديّ، وأبو عُبَيْد القاسم بْن سلّام، وأحمد بْن حنبل، وأبو ثور إبراهيم بْن خَالِد الكلْبيّ، وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البُوَيْطيّ، وحَرْمَلَة بْن يحيى، وأبو إبراهيم إسماعيل بْن يحيى المُزَنيّ، والحسين بْن عليّ الكرابيسي، والحَسَن بْن محمد الزَّعْفرانيّ، ومحمد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحَكَم، والربيع بْن سليمان المُرَاديّ، وموسي بْن أَبِي الجارود الْمَكِّيّ، ويونس بْن عَبْد الأعلى، وأحمد بْن سِنان القطّان، وأبو الطّاهر أحمد بْن عمرو بْن السَّرْح، وبحر بْن نَصْر الخَوْلانيّ، وعبد العزيز الْمَكِّيّ صاحب " الحيدة " وخلق سواهم.
وممن روى عَنِ الشّافعيّ: أحمد بْن محمد الأزرقيّ شيخ الْبُخَارِيّ، وأحمد بْن محمد بْن سَعِيد الصَّيْرفيّ البَغْداديُّ، وأحمد بْن سَعِيد الهَمْدانيّ، وأحمد بْن أَبِي سريج الرّازيّ، وأحمد بْن خَالِد البَغْداديُّ الخلّال، وأحمد بن يحيى بن وزير المصري، وأحمد ابن أخي وهْب، وأحمد بْن صالح، وإبراهيم بْن محمد الشّافعيّ، وإبراهيم بْن المنذر، وإِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه، وإسحاق بن بهلول، وأحمد بن يحيى أبو عَبْد الرَّحْمَن الشّافعيّ المتكلّم، والحَسَن بْن عَبْد العزيز الجروي، والحارث بن سريج النقال، وحامد بن يحيى البلخي، وسليمان بن داود المهري، وسليمان بْن داود الهاشْميّ، والأصمعيّ، وعبد الغني بْن عَبْد الغني الْمِصْرِيّ العسّال، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص، وعلي بن معبد الرقي، وعلي بن سلمة الحنفي اللبقي، وعمرو بن سواد، وأبو حنيفة قَحْزَم بْن عَبْد اللَّه الأَسْوانيّ، ومحمد بن يحيى العدني، ومحمد بن سعيد بن غالب العطّار، ومسعود بْن سهل الْمِصْرِيّ الأسود، وهارون بْن سَعِيد الأَيْليّ، ويحيى بْن عَبْد اللَّه الخثعمي.
وهذا التاريخ يضيق عَنْ ذكر شمائل الْإِمَام الشافعي رحمه الله، فإن غير واحد من العلماء قد أفردوا ترجمة الشافعي في مجلد تامّ، ولكنّا نذكر إنّ شاء الله له ترجمة حسنة: -[148]-
كَانَ السائب بْن عُبَيْد المطَّلبيّ أحد من أسِر يوم بدر من المشركين، وكان يُشَبَّه بالنبي صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمه هِيَ الشّفاء بنت أرقم بْن نَضْلَة أخي عَبْد المطلب ابني هاشم، فيقال: إنّه أسلم بعد أنْ فَدَى نفسه، ولابنه رؤية، أعني شافعا، وعثمان بْن شافع معدود من التابعين، وكانت أمّ الشّافعيّ أزْدِيّةَ، فعن ابن عَبْد الحَكَم قَالَ: لمّا حملت أم الشّافعيّ بِهِ رأت كأن المشتري خرج من فرجها حتّى انقض بمصر، ثمّ وقع في كل بلدٍ منه شظية، فتأول المعبرون أَنَّهُ يخرج منها عالم يخص عِلْمُه أهل مصر، ثمّ يتفرق في سائر البلدان.
وعن الشّافعيّ قَالَ: لم يكن لي مال، فكنت أطلب العلم في الحداثة أذهب إلى الديوان استوهب الظُّهُور أكتب فيها.
وقال عمرو بْن سواد: قَالَ لي الشّافعيّ: كانت نهمتي في شيئين: في الرمي وطلب العِلْم، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة، وسكت عَنِ العلم، فقلت لَهُ: أنت واللَّه في العلم أكبر منك في الرمي.
قال: وولدت بعقسلان فلمّا أتت عليّ سنتان حملتني أمي إلى مكة، هذه رواية صحيحة.
وقد قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثنا أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن ابن أخي ابن وهب قال: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: ولدت باليمن فخافت أمي علي الضيعة، وقالت: الحق بأهلك فتكون مثلهم، فجهزتني إلى مَكَّةَ فقدمتها وأنا ابن عشر، فصرت إلى نسيب لي وجعلت أطلب العلم، فيقول لي: لا تشتغل بهذا وأقبل علي ما ينفعك، فجعلت لذتي في هذا العلم وطلبه حتّى رزق اللَّه منه ما رزق.
كذا قَالَ إنّه وُلِد باليمن، وهذا غلط، أو لعله أراد باليمن القبيلة.
وقال أحمد بْن إبراهيم الطائي الأقطع، وهو مجهول: حدثنا المُزَنيّ، سمع الشّافعيّ يقول: حَفِظْتُ القرآن وأنا ابن سبْعِ سنين، وحفظت " المُوَطّأ " وأنا ابن عشر سنين.
وقال الآبري في " مناقب الشافعي ": سمعت الزبير بن عبد الواحد الهمذاني قال: أخبرنا علي بن محمد بن عيسى قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة. علي بن محمد لا أعرفه.
وقال أَبُو بَكْر محمد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الله بن محمد المطلبي الشافعي -[149]- المكي، شيخ لابن جميع، قال أبي: سمعت عمي يقول: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: أقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن، فما علمت أَنَّهُ مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه، والمراد: ما خلا حرفين، أحدهما: دساها.
عبد الملك بن محمد أبو نعيم الفقيه: حدثني علان بن المغيرة قال: سمعت حرملة يقول: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: أتيت مالكًا وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، وكان ابن عَمٍّ لي والي المدينة، فكلّم لي مالكًا فأتيته، فقال: اطلب من يقرأ لك، فقلت: أَنَا أقرأ، فقرأت عَلَيْهِ، فكان ربما قَالَ لي لشيءٍ قد مرّ: أَعْده، فأعيده حفظًا، وكأنه أعجبه، ثمّ سألته عَنْ مسألة فأجابني، ثمّ أخرى، فقال: انت تحبّ أنْ تكون قاضيًا.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكِم: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: قرأت عَلَى إسماعيل بْن قسطنطين، وقال: قرأت عَلَى شِبْلٍ، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وأخبر ابن كثير أنه قرأ عَلَى مجاهد، وأخبر مجاهد أَنَّهُ قرأ عَلَى ابن عَبَّاس.
قَالَ: وكان إسماعيل يَقُولُ: القرآن اسمٌ وليس بمهموز، ولم يُؤخذ من " قرأت "، ولو أُخذ من " قرأت " كَانَ كلّ ما قُرئ قرآنًا، ولكنّه اسم للقرآن مثل التّوراة والإنجيل.
وقال محمد بْن إسماعيل، أظنه السُّلَميّ: حدَّثني حسين الكرابيسي قَالَ: بتّ مَعَ الشّافعيّ غير ليلة، وكان يصلي نحو ثُلُثُ اللَّيْلِ، فما رأيته يزيد عَلَى خمسين آية فإذا أكثر فمائة، وكان لا يمر بآية رحمةٍ إلا سأل الله، ولا يمر بآية عذابٍ إلّا تَعَوَّذ منها.
وقال إبراهيم بن محمد بن الحسن الأصبهاني: حدثنا الربيع قَالَ: كَانَ الشّافعيّ يختم القرآن ستين مرة في رمضان.
وكان الشافعي من أحسن الناس قراءة، فروى الزبير بن عَبْد الواحد الإِسْترَاباذيّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّاس بْن الحسين، قال: سَمِعْتُ بحر بْن نَصْر يَقُولُ: كنّا إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض: قوموا بنا إلى هذا الفتى المطلبي يقرأ القرآن، فإذا أتيناه استفتح القرآن حتّى يتساقط النّاس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حَسَن صوته، فإذا رأى ذَلِكَ أمسك عَنِ القراءة. -[150]-
وقال أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الجارود، وهو كذّاب: سَمِعْتُ الربيع يَقُولُ: كَانَ الشّافعيّ يفتي وله خمس عشرة سنة، وكان يحيى الليل إلى أنْ مات.
وقال محمد بْن محمد الباغَنْديّ: حدَّثني الربيع بْن سليمان قَالَ: حدثنا الحميدي قال: سمعت مسلم بن خالد الزنجي ومر على الشافعي وهو يفتي وهو ابن خمس عشرة سنة، فقال: يا أبا عبد الله أفتِ فقد آن لك أنْ تفتي.
قَالَ أبو بَكْر الخطيب: هكذا ذكر في هذه الحكاية، وليس ذَلِكَ بمستقيم؛ لأن الحُمَيْديّ كَانَ يصغر عن إدراك الشافعي وله تلك السن، والصواب ما أخبرنا علي بن المحسن، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصفار، قال: حدثنا عبد الله بن محمد القزويني قال: سمعت الربيع بن سليمان قال: سَمِعْتُ الحُمَيْديّ يَقُولُ: قَالَ مُسْلِم بْن خَالِد الزنجي للشافعي: يا أبا عبد الله أفت الناس، آن لك والله أنْ تُفتي، وهو ابن دون عشرين سنة.
ورواها أبو نعيم الإستراباذي كذلك، عَنِ الربيع، عَنِ الحُمَيْديّ قَالَ: قَالَ مُسْلِم الزنجي.
وقال أبو نعيم الحافظ: حدثنا خالي، قال: أخبرنا أبو نصر المصري، قال: سمعت محمد بن العباس قال: سمعت إبراهيم بن برانة قال: كان الشافعي طوالا جسيما نبيلا.
وقال الزَّعْفرانيّ: كان الشافعي يخضب بالحناء، خفيف العارضين.
وقال المُزَنيّ: ما رأيت أحسن وجهًا من الشّافعيّ، وكان ربّما قبض عَلَى لحيته، فلا تفضل عن قبضته.
وقال الربيع: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: كنت ألزم الرمي حتّى كان الطبيب يقول: أخاف أنْ يصيبك السُّلُّ من كثرة وقوفك في الحر، وكنت أصيب من العشرة تسعة.
وروى عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حاتم فِي كتاب " مناقب الشّافعيّ " لَهُ بإسنادين، أنَّ الشّافعيّ قال: كنت أكتب في الأكتاف والعِظام.
وقال الحُمَيْديّ: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: كنت يتيمًا في حَجْر أمّي ولم يكن -[151]- لها ما تُعطي المعلّم، وكان المعلّم قد رضي منّي أنْ أقوم عَلَى الصبيان إذا غاب، وأخفف عَنْهُ.
وقال الربيع: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: قدمتُ عَلَى مالك وقد حَفِظْتُ " المُوَطّأ " ظاهرًا، فقلت: أريد سماعه، فقال: أطلب من يقرأ لك، فقلت: لا عليك أنْ تسمع قراءتي، فإنْ سهُل عليك قرأت لنفسي، فقال: اطلب من يقرأ لك، وكرَّرتُ عَلَيْهِ، فلمّا سمع قراءتي قرأت لنفسي.
وقال جعفر ابن أخي أَبِي ثور: سَمِعْتُ عمّي يَقُولُ: كُتُب عَبْد الرَّحْمَن بْن مهدي إلى الشّافعيّ وهو شاب، أنْ يضع لَهُ كتابًا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان النّاسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع لَهُ " كتاب الرسالة ".
قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مهدي: ما أصلّي صلاةٍ إلّا وأنا أدعو للشافعي فيها، قلت: وكان عَبْد الرَّحْمَن من كبار العلماء، قَالَ فيه أحمد بْن حنبل: عَبْد الرَّحْمَن بْن مهدي إمام.
وروى أبو العبّاس بْن سُرَيْج، عَنْ أَبِي بَكْر بْن الْجُنَيْد قَالَ: حجّ بِشْر الْمَرِيسيّ فرجع، فقال لأصحابه: رأيت شابًا من قُرَيش بمكّة ما أخاف عَلَى مذهبنا إلّا منه، يعني: الشّافعيّ.
وقال الزَّعْفرانيّ: حجّ الْمَرِيسيّ، فلمّا قدِم قَالَ: رأيت بالحجاز رجلًا ما رأيت مثله سائلًا ولا مجيبًا، يعني: الشافعي، قال: فقدم علينا، فاجتمع إليه الناس وخفّوا عَنْ بِشْر، فجئت إلى بِشْر، فقلت: هذا الشّافعيّ الّذي كنت تزعمُ قد قدِم، فقال: إنّه قد تغيّر عمّا كَانَ عَلَيْهِ، قَالَ: فما كَانَ مَثَلُهُ إلّا مَثَل اليهود في أمر عَبْد اللَّه بْن سلّام.
وَقَالَ الْمَيْمُونِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: ستّة أدعوا لهم سحرا، أحدهم الشافعي.
وقال محمد بن هارون الزنجاني: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: قلت لأبي: يا أَبَه، أيُّ رجلٍ كَانَ الشافعي؟ فإنّي سمعتك تُكثِر من الدّعاء لَهُ؟ فقال لي: يا بُنيّ، كَانَ الشّافعيّ كالشمس للدنيا، وكالعافية للنّاس، فهل لهذين من خَلَفَ، أو منهما عِوَض؟ الزّنْجانيّ مجهول. -[152]-
وقال أبو داود: ما رأيت أحمد يميل إلى أحدٍ مَيْلَه إلى الشّافعيّ.
وقال أبو عُبَيْد: ما رأيت رجلًا أعقل من الشّافعيّ.
وقال قُتَيْبَة: الشّافعيّ إمام.
وقال أبو عليّ الصواف: حدثني أحمد بن الحسن الحماني، قال: سَمِعْتُ أبا عُبَيْد يَقُولُ: رأيت الشّافعيّ عند محمد بْن الحَسَن، وقد دفع إِلَيْهِ خمسين دينارًا، وكان قد دفع إِلَيْهِ قبل ذَلِكَ خمسين درهما، وقال: إنِ اشتهيت العلم فالزم.
قَالَ أبو عُبَيْد: فسمعت الشّافعيّ يَقُولُ: كتبتُ عَنْ محمد بْن الحَسَن وقر بعير، ولمّا أعطاه محمد قَالَ: لا تحتشم، قَالَ: لو كنت عندي ممن أحتشمك ما قبلت برك، تفرد بها الحماني، وهو مجهول.
لكنّ قول الشّافعيّ: حملت عن محمد وقر بُخْتِيٍّ صحيح، رواه ابن أَبِي حاتم قال: حدثنا الربيع، قَالَ: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: حملت عَنْ محمد بْن الحَسَن حمل بُخْتِيٍّ، لَيْسَ عَلَيْهِ إلا سماعي.
وقال أبو حاتم: حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي، قال: سمعتُ الشّافعيّ يقول: أنفقتُ عَلَى كُتُب محمد بْن الحَسَن ستين دينارًا، ثمّ تدبرتُها، فوضعت إلى جنب كلّ مسألة حديثًا.
قلت: وكان الشّافعيّ مَعَ فَرْط ذكائه يستعمل ما يزيده حفظًا وذكاءً.
قَالَ هارون بْن سَعِيد الأَيْليّ: قَالَ لنا الشّافعيّ: أخذت اللبان سنة للحفظ، فأعقبني رمي الدَّم سنةً.
وقال يونس بْن عَبْد الأعلى: لو جمعت أمة لوسعهم عقْلُ الشّافعيّ.
وعن يحيى بْن أكثم قَالَ: كُنَّا عند محمد بْن الحَسَن في المناظرة، وكان الشّافعيّ رجلًا قرشي العقل والفهم والذهن، صافي العقل والفهم والدماغ، سريع الإصابة، ولو كَانَ أكثر سماعًا للحديث لاستغنى أُمَّةُ محمد صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ عَنْ غيره من الفقهاء.
رواها أبو جعفر الترمذي، قال: حدثني أبو الفضل الواشجردي قال: سَمِعْتُ أبا عَبْد اللَّه الصّاغانيّ، عَنْ يحيى، فذكرها. -[153]-
وعن المأمون، قَالَ: قد امتحنت محمد بْن إدريس في كلّ شيءٍ فوجدته كاملًا.
وقال عمرو بن عثمان المكي الزاهد: حدثني أحمد بن محمد ابن بنت الشافعي قال: سَمِعْتُ أَبِي وعمّي يقولان: كَانَ ابن عُيَيْنَة إذا جاءه شيء من التفسير وَالْفُتْيَا التفتَ إلى الشّافعيّ فيقول: سلوا هذا.
وقال أبو سعيد ابن الأعرابي: حدثنا تميم بن عبد الله، قال: سَمِعْتُ سُوَيد بْن سَعِيد يَقُولُ: كُنَّا عند سُفْيَان، فجاء الشّافعيّ، فروى سُفْيَان حديثًا رقيقًا، فغشي عَلَى الشّافعيّ، فقيل: يا أبا محمد مات محمد بْن إدريس، فقال: إنّ كَانَ مات فقد مات أفضلُ أهل زمانه.
وقال الدَّارَقُطْنيّ في ذكر من روى عَنِ الشّافعيّ: حدثنا أبو بَكْر محمد بْن أحمد بْن سهل النابلسي الشهيد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي، قال: سمعت تميم بن عبد الله الرازي، قال: سمعت أبا زرعة يقول: سمعت قتيبة يقول: مات الثوري ومات الورع، ومات الشافعي وماتت السنن، ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البدع.
وقال الحارث بن سريج النقال: سَمِعْتُ يحيى القطّان يَقُولُ: أَنَا أدعو الله للشافعي أَخُصُّه بِهِ.
وقال أبو بَكْر بْن خلاد: أنا أدعو اللَّه في دُبُر صلاتي للشافعيّ.
وقال داود بْن عليّ الظّاهريّ: سَمِعْتُ إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه يَقُولُ: لقيني أحمد بْن حنبل بِمَكَّةَ، فقال: تعال حتّى أُرِيك رجلًا لم تر عيناك مثله، قال: قأقامني عَلَى الشّافعيّ.
وقال أبو ثور: ما رأيت مثل الشّافعيّ، ولا رأى هُوَ مثل نفسه.
وقال أيّوب بْن سُوَيد صاحب الأوزاعي: ما ظننت أني أعيش حتّى أرى مثل الشّافعيّ.
وقال أحمد بْن حنبل، وله طرق عَنْهُ: " إنّ اللَّه يُقيَّض للنّاس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السُّنَن وينفي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكذب، فنظرنا، فإذا في رأس المائة عُمَر بْن عَبْد العزيز، وفي رأس المائتين الشّافعيّ.
وقال حَرْمَلَة: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: سُمِّيتُ ببغداد: " ناصر الحديث ". -[154]-
وقال الفضل بْن زياد: سَمِعْتُ أحمد بْن حنبل يَقُولُ: ما أحدٌ مسّ مَحْبَرَةً ولا قلمًا إلّا وللشافعيّ في عُنقه مِنَّةٌ.
وقال أحمد: كَانَ الشّافعيّ من أفصح النّاس.
وقال إبراهيم الحربيّ: سألت أحمد عَنِ الشافعي فقال: حديثٌ صحيح، ورأيٌ صحيح.
وقال الزَّعْفرانيّ: ما قرأت عَلَى الشّافعيّ حرفًا من هذه الكتب إلّا واحمد حاضر.
وقال إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه: ما تكلَّم أحدٌ بالرأي - وذكر الأوزاعي، والثَّوْريّ، وأبا حنيفة، ومالكًا - إلّا والشافعي أكثر اتباعًا وأقل خطأ منه، الشافعيٌّ إمام.
وقال ابْن مَعِين: ليس بِهِ بأس.
وعن أَبِي زُرْعة قَالَ: ما عند الشّافعيّ حديث فيه غلط.
وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثًا خطأ.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال الربيع بْن سليمان: لو رأيتم الشّافعيّ لقلتم إنّ هذه ليست كُتُبه، كَانَ واللَّه لسانه أكبر من كُتُبه.
وعن يونس بْن عَبْد الأعلى قَالَ: ما كَانَ الشّافعيّ إلّا ساحرًا، ما كنّا ندري ما يَقُولُ إذا قعدنا حوله، كأن ألفاظه سُكّرٌ.
وعن عَبْد الملك بْن هشام النَّحْويّ قَالَ: طالت مُجالستُنا للشافعي، فما سَمِعْتُ منه لحنه قط، وكان ممّن تؤخذ عَنْهُ اللُّغَة.
وقال أحمد بْن أَبِي سُرَيْج الرّازيّ: ما رأيت أحدًا أَفْوَهَ ولا أنطق من الشّافعيّ.
وقال الأصمعي: أخذت شعر هُذَيْلٍ عَنِ الشّافعيّ. -[155]-
وقال الزُّبَيْر: أخذت شعر هُذَيْلٍ ووقائعها عَنْ عمي مصعب الزبيري، وقال: أخذتها من الشافعي حفظا.
وقال موسى بن سهل: حدثنا أحمد بْن صالح قَالَ: قَالَ لي الشّافعيّ: تعبّد من قبل أنْ تَرَأس، فإنّك إنْ تراءست لم تقدر أنْ تتعبد.
قَالَ أحمد: وكان الشّافعيّ إذا تكلَّم كَانَ صوته صوت صَنْجٍ أو جرس من حسن صوته.
وقال محمد بن عبد الله عَبْد الحَكَم: ما رأيت الشّافعيّ يناظر أحدًا إلا رحمته. وقال: لو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أَنَّهُ سَبْعٌ يأكلك، وهو الّذي علّم النّاس الحُجَج.
وقال الربيع بْن سليمان: سُئل الشافعي عن مسألة، فأعجب بنفسه، فأنشأ يَقُولُ:
إذا المشكلات تصدينني ... كشفت حقائقها بالنَّظَر
ولست بإمَّعَةٍ في الرَّجال ... أُسائِل هذا وذا ما الخبر
ولكنني مِدْرَهُ الأَصْغَرين ... فَتَّاحُ خَيْرٍ وفَرَّاجُ شَرّ
وعن هارون بْن سَعِيد الأَيْليّ قَالَ: لو أنّ الشّافعيّ ناظر عَلَى أنّ هذا العمود الحجر خشب لغلب؛ لاقتداره عَلَى المناظرة.
وقال الزَّعْفرانيّ: قدِم علينا الشّافعيّ بغداد سنة خمس وتسعين، فأقام عندنا سنتين، ثمّ خرج إلى مَكَّةَ، ثمّ قدِم علينا سنة ثمانٍ وتسعين، فأقام عندنا أشهرًا، ثمّ خرج، يعني إلى مصر.
قلت: وقد قدِم قبل ذَلِكَ بغداد قدمته الأولى الّتي لقي فيها محمد بْن الحَسَن.
وقال الربيع: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ في حكاية ذكرها:
لقد أصبحتْ نفسي تتوقُ إلى مصر ... ومن دونها أرضُ المهامه والقفر
فوالله ما أدري أللفوز والغنى ... أساق إليها أم أُساقُ إلى قبري
فسيق واللَّه إليهما جميعًا.
وقال ابن خُزَيْمة، ويوسف بْن عَبْد الأحد الرُّعَيْنيّ، ومحمد بن أحمد بن زُغْبة، وأبو القاسم بْن بشّار: سمعنا الربيع يَقُولُ: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: القرآن كلام اللَّه غير مخلوق. لفظ ابن خزيمة. -[156]-
الدارقطني: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: أخبرنا فقير بن موسى بن فقير الأسواني، قال: أخبرنا أَبُو حَنِيفَةَ قَحْزَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسْوَانِيُّ، قال: حدثنا الشافعي، قال: حدثنا أَبُو حَنِيفَةَ بْنُ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ الْخَوْلانِيُّ الشهابي، قال: حدثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: " مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِنْ أَحَبَّ الْعَقْلَ أَخَذَ، وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الْقَوْدُ ".
وقال علي بن محمد بن أبان القاضي: حدثنا أبو يحيى الساجي، قال: حدثنا المُزَنيّ، قَالَ: لما وافى الشّافعيّ مصر، قلت في نفسي: إن كَانَ أحدٌ يُخرج ما في ضميري وما تعلق بِهِ خاطري من أمر التوحيد فهو، فصرت إِلَيْهِ وهو في مسجد مصر، فلمّا جَثَوْت بين يديه قلتُ: إنّه هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أنّ أحدًا لا يعلم علمك، فما الّذي عندك؟ فغضب ثمّ قَالَ: أتدري أَيْنَ أنت؟ قلت: نعم، قَالَ: هذا الموضع الّذي غرق فيه فرعون، أبلغك أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالسؤال عَنْ ذَلِكَ؟ فقلت: لا، فقال: هَلْ تكلّم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: تدري كم نجما في السماء؟ قلت: لا، قَالَ: فكوكبٌ منها تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، مِمّ خُلِقَ؟ قلت: لا، قَالَ: فشيءٌ تراه بعينك من الخلق لست تعرفه، تتكلم في علم خالقه، ثمّ سألني عَنْ مسألة في الوضوء، فأخطأت فيها، ففرّعها عَلَى أربعة أوجُهٍ، فلم أصب في شيء منه، فقال: شيءٌ تحتاج إِلَيْهِ في اليوم خمس مرات تدع عِلْمُه، وتتكلف علم الخالق، إذا هجس في ضميرك ذَلِكَ، فارجع إلى اللَّه تعالى، وإلى قوله: " وإلهكم إله واحد " الآية، والآية بعدها، فاسْتدِلّ بالمخلوق عَلَى الخالق، ولا تتكلف علم ما لم يبلغه عقلُك، قَالَ: فُتْبتُ.
مدارُها عَلَى أَبِي عليّ بْن حَمَكان، وهو ضعيف.
وقال ابن أَبِي حاتم: في كتابي عَنِ الربيع بْن سليمان، قَالَ: حضرت الشّافعيّ، أو حدَّثني أبو شُعَيْب، إلّا أني أعلم أَنَّهُ حضر عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحَكَم، ويوسف بْن عَمْرو، وحفص الفرد، وكان الشّافعيّ يسميه المُنْفَرد، فسأل حفص -[157]- عَبْد اللَّه: ما تَقُولُ في القرآن؟ فأبي أنّ يجيبه، فسأل يوسف فلم يجبه، وكلاهما أشار إلى الشافعي، فسأل الشافعي، واحتج عليه، فطالت فيه المناظرة، فقام الشّافعيّ بالحُجَّة عَلَيْهِ بأن القرآن كلام اللَّه غير مخلوق، وبكفر حفص.
قَالَ الربيع: فلقيت حفصًا في المسجد، فقال: أراد الشّافعيّ قتلي!
وقال الربيع: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
وقال الربيع: قَالَ الشّافعيّ: تجاوز اللَّه عمّا في القلوب، وكتب عَلَى النّاس الأفعال والأقاويل.
وقال المُزَنيّ: قَالَ الشّافعيّ: يُقال لمن ترك الصّلاة لا يعملها: فإنْ صلَّيتَ وإلّا اسْتَتَبْناكَ، فإن تبت وإلّا قتلناك، كما تكفر، فنقول: إنْ آمنت وإلّا قتلناك.
وعن الربيع: قَالَ الشّافعيّ: ما أوردت الحُجّةَ، والحقَّ على أحدٍ فقبِله إلّا هِبْتُه واعتقدت مودته، ولا كابرني عَلَى الحق أحدٌ ودافع إلّا سقط من عيني.
وقال ابن عَبْد الحَكَم، وغيره: قَالَ الشّافعيّ: ما ناظرتُ أحدًا فأحببتُ أنّ يُخطئ.
وقال أحمد بْن حنبل: كَانَ الشّافعيّ إذا ثبت عنده الحديث قلّده وخَبِر خصائله، لم يكن يشتهي الكلام، إنّما همته الفقه.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ الشّافعيّ: أنتم أعلم بالأخبار الصِّحاح منّا، فإذا كَانَ خبرٌ صحيح فأعلمني حتّى أذهب إِلَيْهِ، كوفيًّا كَانَ، أو بصريًا، أو شاميًا.
وقال حَرْمَلَة: قَالَ الشّافعيّ: كلُّ ما قلت فكان مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف قولي ممّا صحّ فهو أَوْلَى ولا تقلِّدوني.
وقال الربيع: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: إذا وجدتم في كتابي خلاف سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقولوا بها، ودعوا ما قلته. وقال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ، وقال لَهُ رجل: يا أبا عبد الله، تأخذ بهذا الحديث؟ فقال: مَتَى رويتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثًا صحيحًا ولم آخذ بِهِ، فأشهدكم أنّ عقلي قد ذهب. -[158]-
وقال الحُمَيْديّ: روى الشّافعيّ يومًا حديثًا، فقلت: أتأخذ بِهِ؟ فقال: رأيتُني خرجتُ من كنيسة، وعلي زُنّار، حتّى إذا سَمِعْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثًا لا أقول بِهِ؟
وقال الشّافعيّ: إذا صح الحديثُ فهو مذهبي.
وقال: إذا صحّ الحديث فاضربوا بقولي الحائط.
وقال الربيع: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أيّ سماءٍ تُظلني، وأيّ أرضٍ تُقلُّني إذا رويت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثًا، فلم أقل بِهِ.
وقال أبو ثور: سَمِعْتُهُ يقول: كل حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني.
وَقَالَ محمد بن بشر العكري، وغيره: حدثنا الربيع قال: كان الشافعي قد جزأَ اللَّيْلَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: ثُلُثُهُ الْأَوَّلُ يَكْتُبُ، وَالثَّانِي يُصَلِّي، وَالثَّالِثُ يَنَامُ.
قُلْتُ: هَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيحَةٌ، تدل على أن ليله كان كله عِبَادَةً، فَإِنَّ كِتَابَةَ الْعِلْمِ عِبَادَةٌ، وَالنَّوْمَ لِحَقِّ الْجَسَدِ عِبَادَةٌ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ". وَقَالَ مُعَاذٌ: فَاحْتَسَبَ نَوْمَتِي كَمَا أحتسب قومتي.
وقال أبو عوانة: حدثنا الربيع قال: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: مَا شَبِعْتُ مُنْذُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَّا مَرَّةً، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فَتَقَيَّأْتُهَا، رواها ابن أبي حاتم فزاد فيها: لِأَنَّ الشِّبَعَ يُثْقِلُ الْبَدَنَ، وَيُزِيلُ الْفِطْنَةَ، وَيَجْلِبُ النَّوْمَ، وَيُضْعِفُ عَنِ الْعِبَادَةِ.
وَعَنِ الرَّبِيعِ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: عَلَيْكَ بِالزُّهْدِ، فَإِنَّ الزُّهْدَ عَلَى الزَّاهِدِ أَحْسَنُ مِنَ الْحُلِيِّ عَلَى النَّاهِدِ.
وقال إبراهيم بن الحسن الصوفي: أخبرنا حرملة قال: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: ما حلفت باللَّه صادقًا ولا كاذبا.
وقال أبو ثور: قلما كَانَ الشّافعيّ يُمْسِك الشيء من سماحته.
وقال عمرو بن سواد: كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام، قَالَ لي: أفلست ثلاث مرات، فكنت أبيع قليلي وكثيري حتّى حُلِيَّ ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قطّ. -[159]-
وقال الربيع: أخذ رَجُل بركاب الشّافعيّ، فقال لي: أَعْطِه أربعة دنانير واعذرني عنده.
وعن المُزَنيّ: إنَّ الشّافعيّ وقف عَلَى رَجُلٍ رآه حَسَن الرمي، فأعطاه ثلاثة دنانير، وقال لَهُ: أحسنت.
وقال أبو عليّ الحصائري: سَمِعْتُ الربيع يَقُولُ: مر الشّافعيّ عَلَى حمار في الحذائين، فسقط سوطه، فوثب غلامٌ ومسح السوط بكمه وناوله إيّاه، فقال لغلامه: أعطه تِلْكَ الدنانير. قال الربيع: ما أدري كانت تسعة أو سبعة. وقال: تزوجت، فسألني الشّافعيّ، كم أصدقتها؟ قلت: ثلاثين دينارًا، عجلّت منها ستّة، فأعطاني أربعة وعشرين دينارًا.
وعن الربيع: أنّ رجلًا ناول الشّافعيّ رقعة فيها: إنّي رَجُل بقال، رأس مالي درهم، وقد تزوجت فأعني، فقال: يا ربيع، أعطه ثلاثين دينارًا، واعذرني عنده، فقلت: إن هذا تكفيه عشرة دراهم، فقال: ويْحك أَعْطِه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن روح قال: حدثنا الزُّبَيْر بْن سليمان الْقُرَشِيّ، عَنِ الشّافعيّ قَالَ: خرج هَرْثَمَة فأقرأني سلام أمير المؤمنين هارون، وقال: قد أمر لك بخمسة آلاف دينار، قَالَ: فحمل إِلَيْهِ المال، فدعا بحجام فأخذ شعره، فأعطاه خمسين دينارًا، ثمّ أخذ رقاعًا فصرر صررًا، وفرقها في القرشيين، حتّى ما بَقِيّ معه إلّا نحو مائة دينار.
وقال أبو نُعَيْم بْن عديّ، والأصم، والعكري، وآخرون: حدثنا الربيع قال: أخبرني الحُمَيْديّ، قَالَ: قدِم علينا الشّافعيّ صنعاء، فضربت لَهُ الخيمة، ومعه عشرة آلاف دينار، فجاء قوم فسألوه، فما قلعت الخيمة ومعه منها شيء.
وقال ابن عَبْد الحَكَم: كَانَ الشّافعيّ أسخي النّاس بما يجد.
وقال إبراهيم بن محمود النَّيْسَابوريُّ: حدثنا داود الظاهري قال: حدثنا أبو ثور قال: كان الشّافعيّ من أسمح النّاس، كَانَ يشتري الجارية الصناع التي تطبخ وتعمل الحلواء، ويشترط عليها هُوَ أنّ لا يقربها، لأنّه كَانَ عليلًا لا يمكنه أنّ يقرب النساء لباسور بِهِ إذ ذاك، فكان يَقُولُ لنا: اشتهوا ما أردتم.
قلت: هذا أصابه بآخرة، وإلّا فقد تزوّج وجاءته الأولاد. -[160]-
وقال أبو علي بن حكمان في " كتاب فضائل الشافعي ": حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي قال: حدثنا ابن خزيمة قال: حدثنا الربيع قال: أصحاب مالك يفخرون علينا فيقولون: كَانَ يحضر مجلس مالك نحوٌ من ستين مُعَمَّمًا، واللَّه لقد عددت في مجلس الشّافعيّ ثلاث مائة معمم سوى من شذ عني.
وقال الحسن بن سفيان: حدثنا أبو ثور، قال: سَمِعْتُ الشّافعيّ، وكان من معادن الفقه، ونقاد المعاني، وجهابذة الألفاظ يَقُولُ: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ؛ لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وأسماء المعاني معدودة محدودة، وجميع أصناف الدِّلالات عَلَى المعاني، لفظًا وغير لفظ، خمسة أشياء أوّلها اللّفظ، ثمّ الإشارة، ثمّ العقد، ثمّ الخط، ثمّ الّذي يسمى النصبة؛ والنصبة في الحال الدلالة الّتي تقوم مقام تِلْكَ الأصناف، ولا تقصر عن تِلْكَ الدلالات؛ ولكل واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها، وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي الّتي تكشف لك عَنْ أعيان المعاني في الجملة، وعن خفائها عَنِ التفسير، وعن أجناسها وأفرادها، وعن خاصها وعامها، وعن طباعها في السار والضار، وعما يكون بهوًا بهرجًا وساقطًا مدحرجًا.
وقال الربيع: كنت أَنَا والمُزَنيّ والبويطي عند الشافعي، فقال لي: أنت تموت في الحديث، وقال للمُزنيّ: هذا لو نَاظَرَه الشيطان قَطَعَه وجَدَلَه، وقال للبُوَيْطيّ: أنت تموت في الحديد، فدخلت عَلَى البُوَيْطيّ أيّام المِحْنة، فرأيته مقيَّدًا مَغْلُولًا.
وقال أبو بَكْر محمد بْن إدريس ورّاق الحُمَيْديّ: سَمِعْتُ الحُمَيْديّ يَقُولُ: قَالَ الشّافعيّ: خرجت إلى اليمن في طلب كُتُب الفِرَاسة حتّى كتبتها وجمعتها، وقد رُوِيَ عَنِ الشّافعيّ عدّة إصابات في الفِرَاسَة.
وعن الشّافعيّ قَالَ: أقدرُ الفُقَهاء عَلَى المناظرة مَن عوَّد لسانه الرَّكْضَ في مَيْدان الألفاظ، ولم يتلعثم إذا رَمَقَتْه العيونُ بالألحاظ.
وعنه قَالَ: بئس الزّاد إلى المَعاد العدوانُ عَلَى العِباد.
وعنه قَالَ: العالِم يسأل عمّا يعلم وعمّا لا يعلم، فيثبت ما يعلم ويتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعليم ويأنف من التَّعلُّم. -[161]-
وقال يونس: قَالَ لي الشّافعيّ: لَيْسَ إلى السلامة من النّاس سبيلٌ، فانظر الّذي فيه صلاحك فالْزَمْه.
وعنه قَالَ: ما رفعتُ من أحدٍ فوق منزلته، إلّا وضع منّي بمقدار ما رفعت منه.
وعنه قَالَ: ضياع الجاهل قلة عقله، وضياع العالم أنّ يكون بلا إخوان، وأضيعُ منهما من واخَى من لا عقل لَهُ.
وعنه قَالَ: إذا خفتَ عَلَى عملك العُجْبَ، فاذْكُرْ رِضَى من تطلبُ، وفي أيّ نُعَيْم ترغب، ومن أيّ عقابُ تَرْهَب، فحينئذ يصغر عندك عملك.
وقال: آلات الرياسة خمس: صِدْق اللهْجة، وكتمان السر، والوفاءُ بالعهد، وابتداء النصيحة، وأداء الأمانة.
وقال: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضي فلم يَرْضَ فهو شيطان.
وقال: أيُّما رجالٌ أو أهلُ بيتٍ لم يخرج نساؤهم إلى رجالٍ غيرهم، ورجالُهم إلى نساء غيرِهم، إلّا كَانَ في أولادهم حُمْقٌ.
وقال الحَسَن بْن سُفْيَان: حدثنا حَرْمَلَة قَالَ: سُئل الشّافعيّ عَنْ رجلٍ في فيه تمرة، فقال: إن أكلتها فامرأتي طالق، وإن طرحتها فامرأتي طالق، قَالَ: يأكل نصفها، ويطرح النصف.
قَالَ حسان بْن محمد الفقيه: سَمِعَ منيّ أَبُو الْعَبَّاس بْن سُرَيْج هذه الحكاية وبنى عليها تفريعات الطّلاق.
قَالَ الربيع: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: إنْ لم يكن الفُقَهاء العاملون أولياء اللَّه فما لله وليّ.
وقال الشّافعيّ: طلبُ العِلم أفضلُ من صلاة النّافلة.
وقال: حُكمي في أصحاب الكلام أنّ يُطاف بهم في القبائل، ويُنادَى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسُّنَّة، وأقبل عَلَى الكلام.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: ما رأيت أحدا أقل صبا للماء في تمام التطهُّر من الشّافعيّ. -[162]-
وقال أبو ثور: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: ينبغي للفقيه أنّ يضع التُّرابَ عَلَى رأسه تواضعًا لله، وشكرًا لَهُ.
وقال الأصمّ: سَمِعْتُ الربيع يَقُولُ: سأل رَجُل الشّافعيّ عَنْ قاتل الوَزَغ هَلْ عَلَيْهِ غُسْلُ؟ فقال: هذا فُتْيا العجائز.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: ما رأت عيني قطّ مثل الشّافعيّ، لقد قدمت المدينة فرأيت أصحاب عَبْد الملك الماجِشُون يَغْلُون بصاحبهم يقولون: صاحبنا الّذي قطع الشافعي، فلقيت عبد الملك، فسألته عَنْ مسألة، فأجابني، فقلت: ما الحُجّة؟ قالَ: لأن مالكا قالَ كذا وكذا، فقلت في نفسي: هيهات، أسألك عن الحجة فتقول: قالَ معلمي؛ وإنما الحجة عليك وعلى معلّمك. رواها الحَسَن بْن عليّ بْن الأشعث الْمِصْرِيّ عَنْهُ.
وقال إِبْرَاهِيم بن أبي طالب: سألت أبا قدامة السرخسي، عَنِ الشّافعيّ، وأحمد، وأبي عُبَيْد، وإِسْحَاق، فقال: الشّافعيّ أفقههم.
وقال يحيى بْن منصور القاضي: سَمِعْتُ محمد بْن إِسْحَاق بْن خُزَيْمة يَقُولُ، وقلت لَهُ: هَلْ تعرف سُنَّةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحلال والحرام لم يُودِعْها الشّافعيّ كتابَه؟ قَالَ: لا.
وعن الشّافعيّ قَالَ: إذا رأيتُ رجلًا من أصحاب الحديث فكأنّي رأيت رَجُلا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جزاهم اللَّه خيرًا، حفظوا لنا الأصل، فلهم علينا الفضل.
قَالَ أبو نُعَيْم بْن عديّ، وغيره: قَالَ داود بْن سليمان، عَنِ الحُسين بْن عليّ: سمع الشافعي يقول: حكمي في أهل الكلام حُكمُ عُمَر رضى الله عنه في صبيغ.
وقال محمد بْن إسماعيل التِّرْمِذيّ: سَمِعْتُ أبا ثور، وحسين بْن عليّ الكرابيسيّ يقولان: سمعنا الشّافعيّ يَقُولُ: حكمي في أصحاب الكلام أنّ يضربوا بالجريد ويُحمَلُوا عَلَى الإبل ويُطاف بهم في العشائر والقبائل، قد تقدم هذا. -[163]-
وقال البُوَيْطيّ: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: عليكم بأصحاب الحديث، فإنهم أكثرُ النّاس صوابًا.
وقال محمد بْن إسماعيل: سَمِعْتُ الحُسين بْن عليّ يَقُولُ: قَالَ الشّافعيّ: كلّ متكلّم عَلَى الكتاب والسُّنَّة فهو الجدّ، وما سواه فهو هَذَيان.
وقال حرملة: قال الشافعي: كنت أقرئ النّاسَ وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، وحفِظْت " الموطّأ " قبل أنّ أحتلم، وكان ابن عمّي عَلَى المدينة، فسأل مالكًا أنّ أقرأ عَلَيْهِ " الموطّأ ".
وقال حَرْمَلَة أيضًا: قَالَ الشّافعيّ: رحلت إلى مالك وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فأعجبته قراءتي، رواها هميم بْن همام، عَنْ حَرْمَلَة.
وقال الحَسَن بْن علي الطوسي: حدثنا أبو إسماعيل السلمي قال: سمعت البويطي يقول: سئل الشافعي: كم أصول الأحكام؟ قَالَ: خمس مائة، قِيلَ لَهُ: كم أصول السنن؟ قَالَ: خمس مائة، قِيلَ لَهُ: كم منها عند مالك؟ قَالَ: كلها، إلّا خمسة وثلاثين، قِيلَ له: كم عند ابن عُيَيْنَة؟ قَالَ: كلّها إلّا خمسة.
الْأَصَمُّ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: سمعت الشافعي يقول: ليس فيه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ - يَعْنِي: فِي الزَّجْرِ - عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، حَدِيثٌ ثَابِتٌ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ، وَقَدْ غَلِطَ سُفْيَانُ فِي حَدِيثِ ابْنِ الْهَادِ.
وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ فِي إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي مَحَاشِّهِنَّ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
قَالَ السَّاجِيُّ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلرَّبِيعِ فَقَالَ: كَذِبَ، فِي كِتَابِ الشَّافِعِيِّ مَسْطُورٌ خِلَافَ مَا قَالَ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يُحَرِّمُ إِتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ.
قُلْتُ: حَدِيثُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَوَاهُ النَّاسُ عَنْهُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ، لا تَأْتُوا النِّسَاءَ في أدبارهن ". -[164]-
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: الصَّحِيحُ: ابْنُ الْهَادِ، عَن عُبَيْد الله بْن عَبْد الله بْن الْحُصَيْنِ، عن هرمي بْن عبد اللَّه، عن خزيمة، عن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: رَوَاهُ أبو أسامة، عن الْوَلِيد بْن كثير، عَن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الحُصَيْن الْخَطْمِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عمرو بن قيس الخطمي، عن هرمي بْن عبد اللَّه، عن خزيمة مِثْلَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: حدثنا أبو بكر بن أبي أويس قال: حدَّثني سليمان بْن بلال، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أنّ رجلًا أتى امرأته في دُبُرها، فوجد في نفسه من ذَلِكَ وجْدًا شديدًا، فأنزل اللَّه تعالى: " نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنى شئتم ". قلت: يعني أتاها في فرْجها وظَهرهَا إِلَيْهِ.
وقال الربيع: قَالَ الشّافعيّ: لأنْ يلقى اللَّه المرءُ بكلّ ذَنْبٍ ما خلا الشِّرْك باللَّه خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء.
وقال: لما كلم قال حفص الفَرد في مناظرته للشافعي: القرآن مخلوق، قَالَ لَهُ: كفرتَ باللَّه العظيم.
وقال: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: من حلف باسمٍ من أسماء اللَّه فحنث، فعلية الكَفّارة، لأنّ اسم اللَّه غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة والصِّفا والمَرْوَة، فليس عليه الكفارة؛ لأنّه مخلوق.
وقال يونس بْن عَبْد الأعلى: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: ما صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله، لا يقال فيه: لِمَ، ولا كيف؟.
وقال حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: الْخُلَفَاءُ خَمْسَةً: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العزيز.
وقال ابن عَبْد الحَكَم: كَانَ الشّافعيّ بعد أنّ ناظر حفصَا الفَرْد يكره الكلام.
ويقول: ما شيء أبغض إليّ من الكلام وأهله.
وقال الربيع: دخلت عَلَى الشّافعيّ وهو مريض، فقال: وددت أن الناس تعلموا هذه الكتب، ولا يُنْسَب إليّ منها شيءٌ. -[165]-
وقال حَرْمَلَة: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: وددت أنّ كل علم أعلمه يعلمه الناس أؤجر عَلَيْهِ ولا يَحْمَدُوني.
وقال محمد بْن مُسْلِم بْن وَارَةَ: سألت أحمد بْن حنبل قلت: ما ترى في كُتُب الشّافعيّ الّتي عند العراقيين؟ هِيَ أحبّ إليك أو الّتي بمصر؟ قَالَ: عليك بالكُتُب الّتي وضعها بمصر، فإنّه وضع هذه الكُتُب بالعراق ولم يحكمها، ثمّ رجع إلى مصر فأحكم تِلْكَ.
وقال ابن وَارَةَ: قلت لأحمد مرّة: ما ترى لي من الكتب أن أنظر فيه، رأي مالك، أو الثَّوْريّ، أو الأوزاعيّ؟ فقال لي قولًا أَجُلُّهُم أنّ أذكره، وقال: عليك بالشافعي، فإنه أكثرهم صوابًا، وأتْبَعُهُم للآثار.
وقال عَبْد اللَّه بْن ناجيه: سَمِعْتُ ابن وَارَةَ يَقُولُ: لما قدمت من مصر أتيت أحمد بْن حنبل، فقال لي: كتبتُ كُتُب الشّافعيّ؟ قلت: لا، قَالَ: فرّطْت، ما عرفنا العموم من الخصوص، وناسخ الحديث من منسوخه حتّى جالسنا الشّافعيّ، فحملني ذَلِكَ عَلَى الرجوع إلى مصر.
وقال محمد بْن يعقوب الفَرَجيّ: سَمِعْتُ عليّ ابن المَدِينيّ يَقُولُ: عليكم بكُتُب الشّافعيّ.
قلت: وكان الشّافعيّ مَعَ عظمته في علم الشريعة وبراعته في العربية بصيرا بالطب، نقل ذَلِكَ غير واحد.
فعنه قَالَ: عجبًا لمن يدخل الحمّام ثمّ لا يأكل من ساعته، كيف يعيش؟ وعجبًا لمن يحتجم ثمّ يأكل من ساعته، كيف يعيش؟
وقال حَرْمَلَة عنه: من أكل الأترنج، ثم نام لم آمن أن تصيبه ذِبْحَة.
وقال محمد بْن عِصْمة الجوزجاني: سمعت الربيع يقول: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: ثلاثة أشياء دواء من لا دواء له، وأعيت الأطباء مداواته: العنب، ولبن اللقاح، وقصب السُّكَّر، ولولا قَصَب السُّكَّر ما أقمت ببلدكم.
وقال: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: كَانَ غلامي أعشى، فلم يكن يبصر باب الدّار، فأخذت لَهُ زيادة الكِبد، فكحّلْتُهُ بها، فأبصر.
وعنه قَالَ: عجبًا لمن تعشّى البيض المسلوق فنام عَلَيْهِ كيف لا يموت؟
وقال: الفول يزيد في الدّماغ، والدّباغ يزيد في العقل.
وعن يونس عَنْهُ قَالَ: لم أر أنفع للوباء من البنفسج، يدهن بِهِ ويشرب. -[166]-
وقال صالح جزرة: سمعت الربيع يقول: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: لا أعلم عِلْمًا بعد الحلال والحرام أنبل من الطّبّ، إلّا أنّ أهل الكتاب قد غلبونا عَلَيْهِ.
وقال حَرْمَلَة: كان الشافعي يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطّبّ ويقول: ضيعوا ثُلُث العِلْم، ووكّلوه إلى اليهود والنَّصاري.
وقيل: إنَّ الشّافعيّ نظر في التنجيم، ثمّ تاب منه وهجره، فقال أبو الشيخ: حدثنا عمرو بن عثمان المكي قال: حدثنا ابن بنت الشّافعيّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: كَانَ الشّافعيّ وهو حَدَث ينظر في النجوم، وما ينظر في شيء إلّا فاق فيه، فجلس يوما وامرأته تطلق، فحسب فقال: تَلِدُ جاريةً عوراء، عَلَى فَرْجها خالٌ أسود، تموت إلى كذا وكذا، فولدت وكان كما قَالَ، فجعل عَلَى نفسه أنّ لا ينظر فيه أبدًا، ودفن تِلْكَ الكُتُب.
وقال فوران: قسمتُ كُتُب أَبِي عَبْد اللَّه أحمد بْن حنبل بين ولديه، فوجدت فيها رسالَتَيِ الشّافعيّ العراقيّ والمصريّ بخطّ أَبِي عَبْد اللَّه.
وقال أبو بَكْر الصَّوْمعيّ: سَمِعْتُ أحمد بْن حنبل يَقُولُ: صاحب حديث لا يشبع من كُتُب الشّافعيّ.
وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم قال: سَمِعْتُ أبا أحمد عليّ بْن محمد المَرْوَزِيّ قال: سَمِعْتُ أبا غالب عليّ بْن أحمد بْن النَّضْر الْأَزْدِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أحمد بْن حنبل، وسُئل عَنِ الشّافعيّ فقال: لقد مَنّ اللَّه علينا بِهِ، لقد كنّا تعلَّمنا كلامَ القوم، وكتبنا كُتُبَهم، حتّى قدِم علينا الشّافعيّ، فلمّا سمعنا كلامه علمنا أَنَّهُ أعلم من غيره، وقد جالسناهُ الأيّامَ واللّيالي، فما رأينا منه إلا كل خير، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فإن يحيى بْن مَعِين، وأبا عُبَيْد لا يرضيانه، يعني في نسبتهما إيّاه إلى التَّشيُّع، فقال أحمد: ما ندري ما يقولان، واللَّه ما رأينا منه إلّا خيرًا.
وقال ابن عديّ الحافظ: حدثنا عَبْد اللَّه بْن محمد بْن جَعْفَر القَزْوينيّ قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ -[167]- " الموطأ " من الشافعي، لأني رأيته فيه ثَبْتًا، وقد سَمِعْتُهُ من جماعة قبله.
وقال الحاكم أبو عَبْد اللَّه: سمعت الفقيه أبا بَكْر محمد بْن عليّ الشّاشيّ يَقُولُ: دخلت عَلَى ابن خُزَيْمة وأنا غلام، فقال: يا بُنيّ عَلَى من درسْت الفقه؟ فسمَّيْت لَهُ أبا الَّليْث، فقال: عَلَى من درس؟ قلتُ: عَلَى ابن سُرَيْجٍ، فقال: وهل أَخَذَ ابن سريج العلم إلا من كتب مستعارة، فقال بعضهم: أبو الليث هذا مهجورٌ بالشّاش، فإن البلد للحنابلة.
فقال ابن خُزَيْمة: وهل كَانَ ابن حنبل إلّا غُلامًا من غلمان الشّافعيّ؟
وقال أبو داود السِّجِسْتانيّ، وسأله زكريّا السّاجيّ: مَن أصحاب الشّافعيّ؟ قال: أوّلهم الحُمَيْديّ، وأحمد بْن حنبل، وأبو يعقوب البُوَيْطيّ.
ومن غرائب الاتِّفاق أنّ الْإِمَام أحمد روى عَنْ رجلٍ، عَنِ الشّافعيّ، قَالَ سُلَيْمَانُ بن إبراهيم الحافظ: حدثنا أبو سعيد النقاش قال: حدثنا علي بن الفضل الخيوطي قال: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ (حَ)، وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الحسيني، عن محمد بْن محمد بْن محمد بْن غانم المقرئ قال: أخبرنا أبو موسى الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الحداد قال: أخبرنا أبو سعد السمان، قدم علينا، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن محمود بتستر قال: حدثنا الحسن بن أحمد بن المبارك قالا: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حدثني أبي قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي قال: حدثنا الشَّافِعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى صَلاةَ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ "، وَاللَّفْظُ لِلنَّقَاشِ.
قَالَ أحمد بْن سَلَمَةَ النَّيْسَابوريُّ: تزوج إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه بمَرْو بامرأةِ رجلٍ كَانَ عنده كُتُب الشّافعيّ، فتُوُفّي؛ لم يتزوّجُ بها إلّا لحال الكتب، فوضع " جامع الكبير " عَلَى كتاب الشّافعيّ، ووضع " جامع الصغير " عَلَى " جامع الثَّوْريّ الصغير "، فقدم أبو إسماعيل الترمذي نيسابور، وكان عنده كُتُب الشّافعيّ، عَنِ البُوَيْطيّ، فقال لَهُ إِسْحَاق: لا تحدّث بكُتُب الشّافعيّ ما دمت هنا، فأجابه، فلم يحدثه بها حتّى خرج. -[168]-
قلت: تُرَى من كَانَ يكتب عَنْ رجلٍ، عَنْ آخر، عَنِ الشّافعيّ، مع وجود إِسْحَاق، وفي نفسي من صحة ذَلِكَ.
وقال داود الظّاهريّ: سَمِعْتُ إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه يَقُولُ: ما كنت أعلم أنّ الشّافعيّ في هذا المحلّ، ولو علِمْتُ لم أُفَارِقْه.
وقال محمد بْن إِبْرَاهِيم البُوشَنْجيّ: قَالَ إِسْحَاق: قدمتُ مكّة فقلت للشافعي: ما حالُ جعفر بْن محمد عندكم؟ فقال: ثقة، كتبنا عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أبي يحيى عَنْهُ أربع مائة حديث.
وقال يونس بْن عَبْد الأعلى: سَمِعْتُ الشّافعيّ يَقُولُ: ما رأيت أفقه من ابن عيينة، أسكت عَنِ الفتيا منه.
ونقل أبو الشَّيْخ بْن حيان وغيره من وجهٍ أنّ الشّافعيّ لمّا دخل مصر أتاه جلّةُ أصحاب مالك، وأقبلوا عَلَيْهِ، فلمّا رأوْه يخالف مالكًا وينقض عَلَيْهِ تنكروا لَهُ وجفوه، فأنشأ يَقُولُ:
أَأنثر درّا بين سَارحة النَّعَم؟ ... أَأَنْظُمُ منثورًا لراعية الْغَنَمْ؟
لَعَمْري لَئِنْ ضُيِّعْتُ في شَرِّ بَلْدةٍ ... فلستُ مُضِيعًا بينهم غُرَرَ الْكَلِمْ
فإنْ فَرَّج اللَّهُ اللّطيف بلُطْفِه ... وصادَفْتُ أهلًا للعلوم وَالْحِكَمْ
بثَثْتُ مُفِيدًا واستَفَدْتُ ودَادَهُمْ ... وإلّا فمخزونٌ لديّ ومُكْتَتَمْ
وَمَنْ مَنَح الْجُهَّالَ عِلْمًا أضَاعَهُ ... ومَن مَنَعَ المُسْتَوجِبِينَ فقد ظَلَمْ
وكاتمُ عِلْم الدِّين عمّن يُرِيدُهُ ... يَبُوء بأَوْزارٍ وآثِمٍ إذا كَتَم
وقال الحافظ ابن منده: حدثت عَنِ الربيع قَالَ: رأيت أشهب بْن عَبْد العزيز ساجدًا، وهو يَقُولُ في سجوده: اللهم أمت الشّافعيّ ولا تذهب عِلْم مالك، فبلغ الشّافعيّ ذَلِكَ، فتبسّم وأنشأ يَقُولُ:
تمنّى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الّذي مضى ... تهيأ لأُخرى مثلها فكأن قد
وقد علموا لو ينفع العلم عندهم ... لئن مت ما الداعي عليّ بمُخلدِ
وقال المُبَرِّد: دخل رجلٌ على الشّافعيّ فقال: إنّ أصحاب أَبِي حنيفة لفصحاء، فأنشأ الشّافعيّ يَقُولُ:
فلولا الشِّعْرُ بالعُلَماء يُزْري ... لَكُنْتُ الْيَوْمَ أَشْعَرَ من لَبِيدِ -[169]-
وأَشْجَعَ في الْوَغَى من كلّ لَيْثٍ ... وَآلِ مُهَلَّبٍ وأبي يزيد
ولولا خشيةُ الرَّحْمَن ربّي ... حشرت النّاس كُلَّهُمُ عبِيدي
قَالَ الحاكم: أخبرني الزُّبَيْر بن عبد الواحد الحافظ، قال: أخبرنا أبو عمارة حمزة بن علي الجوهري، قال: حدثنا الربيع بْن سليمان قَالَ: حَجَجْنا مَعَ الشّافعيّ، فما ارتقى شُرُفًا، ولا هبط واديًا، إلّا وهو يبكي وينشد:
يا راكبًا قفْ بالمُحَصَّبِ من منى ... واهتف بقاعد خيفنا والنّاهضِ
سَحَرًا إذا فاض الحَجيجُ إلى مِنَى ... فَيْضًا كمُلْتَطَم الفُرات الفائضِ
إنّ كَانَ رفضًا حُبُّ آلِ محمّدٍ ... فلْيَشْهَد الثَّقَلان أنّي رافضي
قلت: بهذا الاعتبار قَالَ أحمد بْن عَبْد اللَّه العِجْليّ في الشّافعيّ: كَانَ يتشيع، وهو ثقة.
قلت: ومعنى هذا التشيع حب عليّ وبغض النواصب، وأن يتخذه مولَّى، عملًا بما تواتر عَنْ نبيّنا صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَن كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه "، أمّا من تعرّض إلى أحد من الصحابة بسب فهو شيعي غال نبرأ منه، ومن تعرض لأبي بكر وعمر فهو رافضي خبيث حمار، نعوذ بالله منه.
وقال أبو عثمان الصابوني: أنشدني أبو منصور بن حمشاذ قَالَ: أنشدت لأبي عَبْد اللَّه محمد بْن إِبْرَاهِيم البُوشَنْجيّ في الشّافعيّ رضى الله عنه:
ومن شُعَب الإيمان حُبُّ ابن شافع ... وفرضٌ أكيدٌ حُبُّهُ لا تَطَوُّعُ
وإنّي حياتي شافعيّ فإنْ أمُتْ ... فتوصيتي بعدي بأن تتشفعوا
قلت: للشافعي أشعار كثيرة.
قَالَ الحافظ أبو عَبْد اللَّه محمد بْن محمد بْن محمد بْن غانم في " كتاب مناقب الشافعي "، وهو مجلد: قد جمعت ديوان شِعْرَ الشّافعيّ كتابًا عَلَى حِدَة، ثم ساق بإسناده إلى ثعلب أَنَّهُ قَالَ: الشّافعيّ إمامٌ في اللغة.
وقال أبو نُعَيْم بْن عديّ: سَمِعْتُ الربيع مِرارًا يَقُولُ: لو رأيت الشّافعيّ وحسن بيانه وفصاحته لعجبت، ولو أَنَّهُ ألّف هذه الكُتُب عَلَى عربيّته التي كَانَ يتكلم بها معنا في المناظرة لم يُقدر عَلَى قراءة كتبه لفصاحته وغرائب ألفاظه؛ -[170]- غير أَنَّهُ كَانَ في تأليفه يوضح للعوامّ.
وقال أبو الحَسَن عليّ بْن مهدي الفقيه: حدثنا محمد بن هارون، قال: حدثنا هميم بن همام قال: حدثنا حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب، وميلهم إلى أرسطاطاليس، محمد بن هارون لا أعرفه.
الأصم: أخبرنا الربيع قَالَ: قَالَ الشّافعيّ: المُحْدَثَات من الأمور ضَرْبان:
أحدهما: ما أُحدث يخالف كتابًا أو سنة أو أو أثرا إجماعًا، فهذه البدعة ضلالة.
والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه، لو أحدث هذا فهذه محدثة غير مذمومة، وقد قَالَ عُمَر رضى الله عنه في قيام رمضان: نعمت البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذ كانت فليس فيها ردٌّ لِما مضى، رواه البيهقي، عن الصدفي عَنْهُ.
وقال مُصْعَب بْن عَبْد اللَّه: ما رأيت أحدًا أعلم بأيّام النّاس من الشّافعيّ.
وروى أبو العبّاس بْن سُرَيْج، عَنْ بعض النَّسَّابين قَالَ: كَانَ الشّافعيّ من أعلم النّاس بالأنساب، لقد اجتمعوا معه ليلة، فذاكرهم بأنساب النّساء إلى الصّبّاح، وقال: أنساب الرجال يعرفها كلُّ أحد.
وقال الحَسَن بْن رشيق: أخبرنا أحمد بْن عليّ المدائني قَالَ: قَالَ المُزَنيّ: قدِم علينا الشّافعيّ، فأتاه ابن هشام صاحب " المغازي "، فذَاكَره أنسابَ الرجال، فقال لَهُ الشّافعيّ بعد أنّ تذاكرا: دعْ عنك أنساب الرجال فإنها لا تذهب عنا وعنك، وحدثنا في أنساب النساء، فلمّا أخذوا فيها بَقِيَ ابن هشام.
وقال يونس بْن عَبْد الأعلى: كَانَ الشّافعيّ إذا أخذ في أيّام النّاس تقول: هذه صناعته.
وقال أحمد بْن محمد ابن بنت الشافعي: حدثنا أَبِي قَالَ: أقام الشّافعيّ عَلَى العربية وأيام النّاس عشرين سنة، وقال: ما أردت بهذا إلّا الاستعانة عَلَى الفقه.
وقال أبو حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى: قال: ما رأيت أحدًا لقى من السقم ما لقي الشّافعيّ، فدخلت عَلَيْهِ، فقال: اقرأ عليَّ ما بعد العشرين -[171]- والمائة من آل عمران، فقرأت فلما قمت قَالَ: لا تغفل عنّي فإنّي مكروب.
قَالَ يونس: عَنَى بقراءتي ما بعد العشرين والمائة ما لقي النَّبِيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأصحابه أو نحوه.
وقال ابن خزيمة، وغيره: حدثنا المُزَنيّ قَالَ: دخلت عَلَى الشّافعيّ في مرضه الّذي مات فيه، فقلت: يا أبا عَبْد اللَّه كيف أصبحت؟ فرفع رأسه وقال: أصبحت من الدّنيا راحلًا، ولأخواني مفارقًا، ولسوء عملي مُلاقيًا، وعلى اللَّه واردًا، ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنئها، أو إلى نارٍ فأعزيها، ثمّ بكى وأنشأ يَقُولُ:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلتُ رجائي دون عَفْوِك سُلَّما
تعاظَمَني ذَنْبي فلمّا قَرَنْتُهُ ... بعَفْوِك ربّي كَانَ عفْوُكَ أَعْظَما
فما زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْب لم تَزَلْ ... تجودُ وتعفو منّةً وتَكرما
فإنْ تنتقِمْ منِّي فلستُ بآيِسٍ ... ولو دَخَلَتْ نفسي بجُرْمٍ جهنما
ولولاك لم يقو بإبليسَ عابدٌ ... فكيف وقد أغوى صَفِيَّكَ آدما
وإنّي لآتي الذَّنْب أعرفُ قَدْرَهُ ... وأعلَمُ أنّ الله يعفو تكرما
وقال الأصم: حدثنا الربيع قَالَ: دخلت عَلَى الشّافعيّ وهو مريض، فسألني عَنْ أصحابنا، فقلت: إنّهم يتكلّمون، فقال: ما ناظرتُ أحدًا قطّ عَلَى الغَلَبَة، وبِودِّي أنّ جُمَيْع الخلْق تعلَّموا هذا الكتاب، يعني كتبه، على أن لا ينسب إلي منه شيء.
قَالَ هذا يوم الاحد، ومات يوم الخميس، وانصرفنا من جنازته ليلة الجمعة، فرأينا هلالَ شعْبان سنة أربعٍ ومائتين، وله نيِّفٌ وخمسون سنة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع قال: حدثني أبو الليث الخفاف، وكان معدلا قال: حدَّثني العزيزيّ، وكان متعبدًا، قَالَ: رأيت ليلةَ مات الشّافعيّ، كأنّه يُقال: مات النَّبِيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه اللّيلة، فأصبحت، فَقِيلَ: مات الشّافعيّ رحمه اللَّه.
قَالَ حَرْمَلَة: قدِم علينا الشّافعيّ مصر سنة تسعٍ وتسعين ومائة. -[172]-
وقال أبو علي بن حمكان: حدثنا الزبير بن عبد الواحد قال: حدثنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا سفيان بْن وكيع قَالَ: رأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت، والناس في أمر عظيم، إذ بَدَرَ لي أخي، فقلت: ما حالكم؟ قَالَ: عرضنا على ربّنا، قلت: فما حال أَبِي؟ قَالَ: غُفِر لَهُ، وأُمِر به إلى الجنة، فقلت: ومحمد بْن إدريس؟ قَالَ: حُشِر إلى الرَّحْمَن وَفْدًا، وألبس حلل الكرامة، وتوج بتاج البهاء.
وقال زكريّا بْن أحمد البلْخيّ، وغيره: سمعنا أبا جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي، يَقُولُ: رأيت في المنام النَّبِيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسجده بالمدينة، كأنّي جئت إِلَيْهِ فسلّمت عَلَيْهِ، وقلت: يا رسول اللَّه أكتب رأي أَبِي حنيفة؟ قَالَ: لا، فقلت: أكتب رأي مالك؟ قَالَ: لا تكتب منه إلا ما وافق حديثي، قلت: أكتب رأي الشّافعيّ؟ فقال بيده هكذا، كأنه انتهرني، وقال: تقول رأي الشافعي، إنه ليس برأي، ولكنه ردٌّ عَلَى من خالف سُنَّتي.
وقد رُوِيَ عَنْ جماعة عديدة نحو هذه القصة ونحو التي قبلها في أنه غُفر لَهُ، وساق جملةً منها الحافظ ابن عساكر في ترجمة الشّافعيّ، رحمه اللَّه تعالى وأسكنه الجنة مع محبيه، إنّه سميع مجيب.
نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين جلد : 5 صفحه : 146