نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين جلد : 5 صفحه : 1031
-فصل في سيرته
قال الخلال: قلت لزُهَير بن صالح بن أحمد: هل رأيت جدّك؟ قال: نعم، مات وقد دخلت في عشر سنْين. كنّا ندخل إليه كل يوم جمعة أنا وأخواتي، وكان بيننا وبينه باب. وكان يكتب لكلّ واحدٍ منا حبَّتين حبَّتين من فِضّةٍ في رقْعة إلى فاميّ يعامله، فنأخذ منه الحبَّتين، وتأخذ الأخَوات. وكان ربّما مررت به وهو قاعد في الشّمس، وظهره مكشوف، وأثر الضَّرْب بَيِّنٌ في ظهره. وكان لي أخٌ أصغر منّي اسمه عليّ، فأراد أبي أن يختنه، فاتّخذ له طعامًا كثيرًا، ودعا قومًا، فلمّا أراد أن يختنه وجّه إليه جدّي، فقال له: بَلَغَني ما أحدَثْته لهذا الأمر، وقد بلغني أنّك أسرفتُ، فابدأ بالفقراء والضُّعفاء فأطْعمْهم، فلمّا أن كان من الغد، وأحضر الحجام أهلنا، فجاء جدّي حتّى جلس في الموضع الذي فيه الصبي، وأخرج صريرة فدفعها إلى الحَجّام، وصُرَيْرةً دفعها إلى الصبّيّ، وقام فدخل منزله. فنظر الحَجّام في الصُّرَيْرة فإذا درهم واحدٌ. وكنّا قد رفعنا كثيرًا مما افْتُرِش، وكان الصبّيّ على مَصْطَبَة مرتفعة على شيء من الثّياب الملوّنة، فلم يُنْكِر ذلك. وقدِم علينا من خُراسان ابن خالة جدّي، فنزل على أبي، وكان يُكنَّى بأبي أحمد، فدخلت معه إلى جدّي، -[1032]- فجاءت الجارية بطبق خلاف، وعليه خبز وبَقْل وخلّ وملْح. ثم جَاءت بغضارة فوضعتها بين أيدينا، فيها مَصلية، فيها لحم وسَلْق كثير، فجعلنا نأكل وهو يأكل معنا، ويسأل أبا أحمد عمّن بقي من أهلهم بخُراسان في خلال ما يأكل، فربّما استعجم الشّيء على أبي أحمد، فيكلّمه جدّي بالفارسيّة، ويضع القطعة اللّحم بين يديه وبين يديّ. ثمّ رفع الغِضارة بيده، فوضعها ناحيةً، ثمّ أخذ طَبَقًا إلى جنْبه، فوضعَه بين أيدينا، فإذا تمرٌ برني، وجوز مُكَسَّر، وجعل يأكل، وفي خلال ذلك يناول أبا أحمد.
وقال عبد الملك الميمونيّ: كثيرا ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشّيء فيقول: لبَّيْك لبَّيْك.
وعن المَرُّوذيّ قال: لم أر الفقير في مجلس أعز منه عند أبي عبد الله. كان مائلا اليهم، مُقْصِرًا عن أهل الدّنيا. وكان فيه حلمٌ، ولم يكن بالعَجُول. وكان كثير التّواضع، تَعْلوه السّكينة والوقار. إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلّم حتى يُسأل. وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدّر. يقعد حيث انتهى به المجلس.
وقال الطبراني: حدثنا موسى بن هارون قال: سمعت إسحاق بن راهَوَيْه يقول: لمّا خرج أحمد بن حنبل إلى عبد الرّزّاق انقطعت به النَّفَقَة، فأكرى نفسه من جمّالين إلى أن وافى صنعاء، وعرض عليه أصحابه المواساة، فلم يقبل.
قال الفقيه عليّ بن محمد بن عمر الرازي: سمعت أبا عمر غلام ثعلب قال: سمعت أبا القاسم بن بشار الأنماطي قال: سمعت المزني قال: سمعت الشّافعيّ يقول: رأيت ببغداد ثلاث أُعجوبات: رأيت فيها نَبَطيّا يتنحّى عليَّ حتّى كأنّه عربي وكأني نبطي. ورأيت أعرابيا يلحن كأنه نَبَطيّ، ورأيت شابّا وخَطَه الشَّيْب، فإذا قال: حدَّثنا. قال النّاس كلُّهم: صَدَق. قال المُزَنيّ: فسألته، فقال: الأول الزَّعْفرانيّ، والثّاني أبو ثَوْر الكلبيّ وكان لحّانًا، وأمّا الشّابّ فأحمد بن حنبل.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: رأيت أبي حرّج على النَّمل أن يخرج النّمْل من داره. ثم رأيت النَّمْل قد خرجن بعد ذلك نَمْلا سودًا، فلم أرهم بعد ذلك. رواها أحمد بن محمد اللُّنْبانيّ، عنه. -[1033]-
قال أبو الفَرَج بن الْجَوزيّ: لما وقع الغرق سنة أربع وخمسين وخمسمائة، غرقت كتبي، وسلِم لي مجلد، فيه ورقتان بخط الإمام أحمد.
ومن نهي أبي عبد الله عن الكلام، قال المَرُّوذيّ: أُخْبِرت قبل موت أبي عبد الله بسنتين أن رجلا كتب كتابًا إلى أبي عبد الله يشاوره في أن يضع كتابًا يشرح فيه الرّدّ على أهل البِدَع، فكتب إليه أبو عبد الله.
قال الخلال: وأخبرني عليّ بن عيسى أنّ حنبلا حدّثهم قال: كتب رجل إلى أبي عبد الله. قال: وأخبرني محمد بن علي الوَرَّاق قال: حدثنا صالح بن أحمد قال: كتب رجلٌ إلى أبي يسأله عن مناظرة أهل الكلام والْجُلُوس معهم، فأملى عليّ أبي جواب كتابه: أحسنَ الله عاقبتك، الّذي كنّا نسمع عليه من أدركنا أنّهم كانوا يكرهون الكلام والْجُلُوس مع أهل الزَّيْغ، وإنّما الأمر في التّسليم والانتهاء إلى ما في كتاب الله، لا تَعْدُ ذلك. ولم يزل النّاس يكرهون كلّ مُحْدَث، من وضْعِ كتابٍ، وجلوسٍ مع مبتدع، ليُورد عليه بعض ما يُلْبس عليه في دينه.
وقال المَرُّوذيّ: بَلَغَني أنّ أبا عبد الله أنكر علي وليد الكرابيسيّ مناظرته لأهلِ البِدَعِ.
وقال المَرُّوذيّ: قلت لأبي عبد الله: قد جاءوا بكلام فلان ليُعْرَض عليك.
وأعطيته الرقعة، فكان فيها: والإيمان يزيد وينقص فهو مخلوق، وإنّما قلت إنّه مخلوق على الحركة والفعل لا على القول، فمن قال: الإيمان مخلوق، وأراد القول، فهو كافر. فلمّا قرأها أحمد وانتهى إلى قوله: الحركة والفعل، غضب، فرمى بها وقال: هذا مثل قول الكرابيسيّ؛ وإنّما أراد الحركات مخلوقة، إذا قال الإيمان مخلوق، وأيّ شيء بقى؟ ليس يُفلح أصحابُ الكلام.
قلت: إنّما حطّ عليه أحمد بن حنبل لكونه خاض وأفتى وقسَّم، وفي هذا عبرة وزاجر، والله أعلم. فقد زجر الإمام أحمد كما ترى في قصّة الرقعة التي في الإيمان، وهي والله بحثٌ صحيح، وتقسيمٌ مليح. وبعد هذا فقد ذَمّ من أطلق الخَلْق على الإيمان باعتبار قول العبد لا باعتبار مَقُوله، لأنّ ذلك نوعٌ من الكلام، وهو كان يذمّ الكلام وأهله، وإنْ أصابوا، ونهى عن تدقيق النَّظر في أسماء الله وصفاته، مع أن محمد بن نصر المروزي قد سمع إسحاق بن رَاهوَيْه يقول: خلق الله الإيمان والكفر، والخيرَ والشّرّ.
نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين جلد : 5 صفحه : 1031