responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 4  صفحه : 784
-سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ
فيها: أو في سنة ست بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، وَجَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى الْبَرْمَكِيُّ صلب، ورباح بن زيد الصَّنْعَانِيُّ، وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الذَّارِعُ، وَعَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ فِي قَوْلٍ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ فِي آخِرِهَا، وَعَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ الْمُلائِيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ فِي رَجَبٍ، وَعَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ أَبُو نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ السَّدُوسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، وَمَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَصْرِيُّ، وَمُعَاذُ بْنُ مُسْلِمٍ النَّحْوِيُّ الْمُعَمَّرُ، وَمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، وَيُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ الصَّفَّارُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ فِي قَوْلٍ.
وَفِيهَا مَقْتَلُ جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيِّ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ قتلِهِ عَلَى أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: إِنَّ جِبْرِيلَ بْنَ بُخْتِيشُوعَ الطَّبِيبَ قَالَ: إِنِّي لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الرَّشِيدِ، إذ أَتَى يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ، وَكَانَ يَدْخُلُ بِلا إِذْنٍ، فَلَمَّا قَرُبَ سَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الرَّشِيدُ رَدًّا ضَعِيفًا، فَعَلِمَ يَحْيَى أَنَّ أمرهم قد تغير، فأقبل علي الرشيد، فقال: يَا جِبْرِيلُ، يَدْخُلُ عَلَيْكَ أَحَدٌ مَنْزِلَكَ بِلا إِذْنٍ؟ فَقُلْتُ: لا! قَالَ: فَمَا بَالُنَا يُدْخَلُ عَلَيْنَا بِلا إِذْنٍ؟ فَوَثَبَ يَحْيَى، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدَّمَنِي اللَّهُ قِبَلَكَ، وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا شَيْءٌ خَصَصْتَنِي بِهِ، وَالآنَ فَأَكُونُ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَهْلِ الإِذْنِ إِنْ أَمَرْتَنِي، فَاسْتَحْيَا الرَّشِيدُ، وَكَانَ مِنْ أَرَقِّ الْخُلَفَاءِ، وَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ: مَا أَرَدْتُ مَا تَكْرَهُ، وَلَكِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ، قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ لَمْ يَسْنَحْ لَهُ جَوَابٌ يَرْتَضِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَحْيَى.
وَقِيلَ: إِنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أَشْرَسَ قَالَ: أَوَّلُ مَا أَنْكَرَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ رَفَعَ رِسَالَةً إِلَى الرَّشِيدِ يَعِظُهُ وَيَقُولُ: إِنَّ يَحْيَى لا يُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَقَدْ جَعَلْتَهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِكَ إِذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، -[785]- فَسَأَلَكَ عَمَّا عَمِلْتَ فِي عِبَادِهِ وَبِلادِهِ؟
فَدَعَا الرَّشِيدُ يَحْيَى، وَقَدْ بَلَغَتْهُ الرِّسَالَةُ، فَقَالَ: تَعْرِفُ مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ؟ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ مُتَّهَمٌ عَلَى الإِسْلامِ، فَأَمَرَ بِابْنِ اللَّيْثِ فَوُضِعَ فِي الْمُطْبَقِ دَهْرًا، فَلَمَّا تَنَكَّرَ الرَّشِيدُ لِلْبَرَامِكَةِ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ فَأَحْضَرَهُ، وَقَالَ لَهُ: أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ: لا، وَاللَّهِ، قَالَ: أَتَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَضَعْتَ فِي رِجْلَيَّ الأَكْبَالَ، وَحُلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيَالِي بِلا ذَنْبٍ سِوَى قَوْلِ حَاسِدٍ يَكِيدُ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ، وَيُحِبُّ الإِلْحَادَ وَأَهْلَهُ، فَأَطْلِقْهُ ثُمَّ قَالَ: أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ: لا، وَلَكِنْ قَدْ ذَهَبَ مَا في قلبي، فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ قَالَ: أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: انْتَقَمَ اللَّهُ مِمَّنْ ظَلَمَكَ، وَأَخَذَ لَكَ مِمَّنْ بَعَثَنِي عَلَيْكَ.
قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ فِي الْبَرَامِكَةِ فَأَكْثَرُوا. وَقِيلَ: إِنَّ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ دَخَلَ بَعْدُ عَلَى الرَّشِيدِ، فَقَامَ الْغِلْمَانُ لَهُ، وَقَالَ الرَّشِيدُ لِمَسْرُورٍ: مُرْهُمْ لا يَقُومُونَ، قَالَ: فَدَخَلَ، فَمَا قام أحد فاربد لون يَحْيَى.
وَقِيلَ: إِنَّ سَبَبَ قَتْلِ جَعْفَرٍ أَنَّ الرَّشِيدَ سَلَّمَ لَهُ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، فَرَقَّ لَهُ بَعْدَ قَلِيلٍ وَأَطْلَقَهُ.
وَكَانَ ابْنُ حَسَنٍ مَرْبُوعًا، أَجْلَحَ، بَطِينًا، حَسَنَ الْعَيْنَيْنِ، فَأَتَى رَجُلٌ بِصِفَتِهِ وَهَيْئَتِهِ إِلَى الرَّشِيدِ، وَأَنَّهُ رَآهُ بِحُلْوَانَ، فَأَعْطَى الرَّجُلَ جَائِزَةً.
وَقِيلَ: إن جعفر بَنَى دَارًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَسْرَفَ.
وَعَنْ مُوسَى بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ قَالَ: اعْتَمَرَ أَبِي فِي الْعَامِ الَّذِي نُكِبَ فِيهِ وَأَنَا مَعَهُ، فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ذُنُوبِي عَظِيمَةٌ لا يُحْصِيهَا غَيْرُكَ، إِنْ كُنْتَ مُعَاقِبِي فَاجْعَلْ عُقُوبَتِي فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِسَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمَالِي، وَوَلَدِي حَتَّى أَبْلُغَ رِضَاكَ، وَلا تَجْعَلْ عُقُوبَتِي فِي الآخِرَةِ، وَكَانَ مُوسَى هَذَا أَحَدَ الأَبْطَالِ الموصوفين، فقيل: إِنَّ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ قَدَحَ فِيهِ عِنْدَ الرَّشِيدِ، وَأَعْلَمَهُ طَاعَةَ أَهْلِ خُرَاسَانَ لَهُ وَمَحَبَّتَهُمْ إِيَّاهُ، وَأَنَّهُ يُكَاتِبُهُمْ وَيَعْمَلُ عَلَى الذَّهَابِ إِلَيْهِمْ، فَاسْتَوْحَشَ الرَّشِيدُ مِنْهُ.
ثُمَّ رَكِبَ مُوسَى دَيْنٌ فَاسْتَتَرَ مِنَ الْغُرَمَاءِ، فَتَوَهَّمَ الرَّشِيدُ أَنَّهُ سَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، ثُمَّ ظَهَرَ فَحَبَسَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ نَكْبَتِهِمْ، فَأَتَتْ زَوْجَةُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ إِلَى الرَّشِيدِ وَلاطَفَتْهُ، فَقَالَ: يَضْمَنُهُ أَبُوهُ، فَضَمِنَهُ يَحْيَى. -[786]-
وَكَانَ الرَّشِيدُ قَدْ غَضِبَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى لِتَرْكِهِ الشُّرْبَ مَعَهُ.
وَكَانَ الْفَضْلُ يَقُولُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ يُنْقِصُ مِنْ مُرُوءَتِي مَا شَرِبْتُهُ، وَكَانَ مَشْغُوفًا بِالسَّمَاعِ.
وَأَمَّا جَعْفَرٌ فَكَانَ يُنَادِمُ الرَّشِيدَ، وَأَبُوهُ يَأْمُرُهُ بِالإِقْلالِ من ذلك فيخالفه، وقد كان يحيى قال: يا أمير المؤمنين، أنا والله أكره مداخل جعفر معك، فلو اقْتَصَرْتَ بِهِ عَلَى الإِمْرَةِ دُونَ الْعِشْرَةِ، قَالَ: يا أبة، ليس هذا بك وَلَكِنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تُقَدِّمَ الْفَضْلَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابن جرير: حدثني أحمد بن زهير، أظنه عَنْ عَمِّهِ زَاهِرِ بْنِ حَرْبٍ، أَنَّ سَبَبَ هَلاكِ الْبَرَامِكَةِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَانَ لا يَصْبِرُ عَنْ جَعْفَرٍ، وَعَنْ أُخْتِهِ عَبَّاسَةَ بِنْتِ الْمَهْدِيِّ، قال: وكان يحضرهما مَجْلِسَ الشَّرَابِ، فَقَالَ: أُزَوِّجُكَهَا عَلَى أَنْ لا تمسها، فكانا يثملان من الشرب وهما شابان، فيقوم الرشيد، فيثب جَعْفَرٌ عَلَيْهَا، فَوَلَدَتْ مِنْهُ غُلامًا، فَخَافَتِ الرَّشِيدَ، فَوَجَّهَتْ بِالطِّفْلِ مَعَ حَوَاضِنَ إِلَى مَكَّةَ، وَاخْتَفَى الأَمْرُ، ثُمَّ ضَرَبَتْ جَارِيَةً لَهَا فَوَشَتْ بِهَا إِلَى الرَّشِيدِ، فَلَمَّا حَجَّ أَرْسَلَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بِهِ الْحَوَاضِنُ، وَهَمَّ بِقَتْلِ الصَّبِيِّ، ثُمَّ تَأَثَّمَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْحِيرَةِ، وَنَاحِيَةِ الأَنْبَارِ أَرْسَلَ لَيْلَةَ السَّبْتِ لانْسِلاخِ الْمُحَرَّمِ إِلَى مَسْرُورٍ الْخَادِمِ وَمَعَهُ أَبُو عِصْمَةَ وَأَجْنَادٌ، فَأَحَاطُوا بِجَعْفَرٍ لَيْلا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَسْرُورٌ، وَهُوَ فِي مَجْلِسِ لَهْوِهِ، فَأَخْرَجَهُ بِعُنْفٍ، وَقَيَّدَهُ بِقَيْدِ حِمَارٍ وَأَتَى بِهِ، فَأَعْلَمَ الرَّشِيدَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَفَعَلَ.
وَحَدَّثَ مَسْرُورٌ قَالَ: وَقَعَ عَلَى رِجْلَيَّ يُقَبِّلُهَا، وَقَالَ: دَعْنِي أَدْخُلُ فَأُوصِي، قُلْتُ: لا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ، فَأَوْصِ بِمَا شِئْتَ، فَأَوْصَى، وَأَعْتَقَ مَمَالِيكَهُ، ثُمَّ ذَبَحْتُهُ بَعْدَ أَنْ رَاجَعْتُ الرَّشِيدَ فِيهِ، وَأَتَيْتُهُ بِرَأْسِهِ.
ثُمَّ وَجَّهَ الرَّشِيدُ جُنْدًا أَحَاطُوا بِأَبِيهِ، وَبِجَمِيعِ أَوْلادِهِ وَمَوَالِيهِ، وَأُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ وَأَمْلاكُهُمْ، وَكَتَبَ إِلَى سَائِرِ الْعُمَّالِ بِقَبْضِ مَالِهِمْ، وَبُعِثَتْ جُثَّةُ جَعْفَرٍ إِلَى بَغْدَادَ، فَنُصِبَتْ عَلَى خَشَبَةٍ، وَنُودِيَ أَلا لا أَمَانَ لِمَنْ آوَى أَحَدًا مِنَ الْبَرَامِكَةِ.
ثُمَّ أَمَرَ الرَّشِيدُ يَوْمَ دَخَلَ الرَّقَّةَ بِقَتْلِ أَنَسِ بْنِ أَبِي شَيْخٍ، فَقُتِلَ وَصُلِبَ عَلَى الزَّنْدَقَةِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْبَرَامِكَةِ. -[787]-
وَذَكَر ابْنُ الصَّابِئِ فِي كِتَابِ " الأَمَاثِلِ وَالأَعْيَانِ " عَنْ إِسْحَاقَ الْمَوْصِلِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ قَالَ: خَلا جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى يَوْمًا بِنُدَمَائِهِ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَبِسَ الْحَرِيرَ، وَتَضَمَّخَ بِالطِّيبِ، وَفَعَلَ بنا مثله، فقدم إليه عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ صَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ، فَدَخَلَ فِي رُصَافِيَّتِهِ وَسَوَادِهِ، فَارْبَدَّ وَجْهُ جَعْفَرٍ، فَدَعَا غُلامَهُ فَنَاوَلَهُ سَوَادَهُ وَقَلَنْسُوَتَهُ، وَأَتَى مَجْلِسَنَا، وَقَالَ: أَشْرِكُونَا مَعَكُمْ، فَأَلْبَسُوهُ حَرِيرًا، وَأُحْضِرَ لَهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ، فَقَالَ لِجَعْفَرٍ: وَاللَّهِ مَا شَرِبْتُهُ قَبْلَ الْيَوْمِ، فَلْيُخَفِّفْ عَلَيَّ، ثُمَّ ضُمِّخَ بِالْخَلُوقِ، فَنَادَمَنَا أَحْسَنَ مُنَادَمَةً، وَسُرِّيَ عَنْ جَعْفَرٍ، فَلَمَّا أَرَادَ الانْصِرَافَ قَالَ لَهُ: اذْكُرْ حَوَائِجَكَ فَإِنَّنِي مَا أَسْتَطِيعُ مُقَابَلَةَ مَا كَانَ مِنْكَ، قَالَ: فِي قَلْبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيَّ مَوْجِدَةٌ فَتُخْرِجُهَا؟ قَالَ: قد رضي عنك أمير المؤمنين، قال: وعلي أربعة آلاف ألف دِرْهَمٍ دَيْنًا، قَالَ: قُضِيَ دَيْنُكَ، قَالَ: وَإِبْرَاهِيمُ ابْنِي أُحِبُّ أَنْ أُزَوِّجَهُ، قَالَ: قَدْ زَوَّجَهُ أمير المؤمنين بالعالية بنته، قال: وأوثر أن يُوَلَّى بَلَدًا، قَالَ: قَدْ وَلاهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إمرة مِصْرَ، فَخَرَجَ وَنَحْنُ مُتَعَجِّبُونَ مِنْ إِقْدَامِ جَعْفَرٍ عَلَى هَذِهِ الأُمُورِ الْعَظِيمَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِ، وَرَكِبَ مِنَ الْغَدِ إِلَى الرَّشِيدِ فَدَخَلَ وَوَقَفْنَا، فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ دُعِيَ بِالْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ، وَبِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ، ثُمَّ خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ، وَعَلْيِهِ الْخُلَعُ، وَاللِّوَاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ زُوِّجَ بِالْعَالِيَةِ، وَزُفَّتْ إِلَيْهِ، وَحُمِلَتِ الأَمْوَالُ إِلَى دَارِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَخَرَجَ جَعْفَرٌ فَقَالَ لَنَا: وَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَرَّفْتُهُ بِأَمْرِ عَبْدِ الملك كله، وهو يقول: أحسن أحسن، ثُمَّ قَالَ: فَمَا صَنَعْتَ مَعَهُ؟ فَعَرَّفْتُهُ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِي، فَاسْتَصْوَبَهُ، وَأَمْضَاهُ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَيُّهُمْ أَعْجَبُ فعلا: عَبْدُ الْمَلِكِ فِي شُرْبِهِ النَّبِيذَ وَلِبَاسِهِ مَا لَيْسَ مِنْ لُبْسِهِ، وَكَانَ صَاحِبَ جِدٍّ وَوَقَارٍ، أَوْ إِقْدَامُ جَعْفَرٍ بِمَا أَقْدَمَ بِهِ، أَوْ إِمْضَاءُ الرَّشِيدِ لِمَا حَكَمَ جَعْفَرٌ بِهِ؟!
قَالَ القاضي ابن خلكان الْبَرْمَكِيِّ: قَدْ بَلَغَ جَعْفَرٌ مِنْ عُلُوِّ الْمَرْتَبَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ، حَتَّى أَنَّ الرَّشِيدَ اتخذ ثوبا له زيقان، فكان يلبسه هُوَ وَجَعْفَرٌ مَعًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَنْهُ صَبْرٌ، وَكَانَ الرَّشِيدُ شَدِيدَ الْمَحَبَّةِ لأُخْتِهِ عَبَّاسَةَ، وَهِيَ أَعَزُّ النِّسَاءِ عَلَيْهِ، فَكَانَ مَتَى غَابَ أَحَدٌ مِنْهُمَا لا يَتِمُّ سُرُورُ الرَّشِيدِ فَقَالَ: إِنِّي لا صَبْرَ -[788]- لِي عَنْكُمَا، وَإِنِّي سَأُزَوِّجُكها لِأَجْلِ النَّظَرِ فَقَطْ، فَاحْذَرْ أَنْ تَخْلُوَ بِهَا، فَزَوَّجَهُ بِهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ هَذَا التَّغَيُّرِ، فَقِيلَ: إِنَّ عَبَّاسَةَ أَحَبَّتْ جَعْفَرًا وَرَاوَدَتْهُ فَخَافَ، وَأَعْيَتْهَا الْحِيلَةُ، فَبَعَثَتْ إِلَى أم جعفر: أن ابعثيني إِلَى ابْنِكِ كَأَنَّنِي جَارِيَةٌ لَكِ تُتْحِفِيهِ بِهَا، وَكَانَتْ أُمُّهُ تُتْحِفُهُ كُلَّ جُمْعَةٍ بِجَارِيَةٍ بِكْرٍ، فَيَشْرَبُ ثُمَّ يَقتَضُّهَا، فَأَبَتْ عَلَيْهَا أُمُّ جَعْفَرٍ، فَقَالَتْ: لَئِنْ لَمْ تَفْعَلِي لأَقُولَنَّ أَنَّكِ خَاطَبْتِنِي بِهَذَا، وَلَئِنِ اشْتَمَلْتُ مِنَ ابْنِكِ عَلَى وَلَدٍ لَيَكُونَنَّ لَكُمُ الشَّرَفُ، فَأَجَابَتْهَا وَجَاءَتْهَا عَبَّاسَةُ فَأَدْخَلَتْهَا مُتَنَكِّرَةً عَلَى جَعْفَرٍ، وَكَانَ لا يَثَّبَّتُ صُورَتَهَا، وَلا يَجْسُرُ أَنْ يَرْفَعَ طَرْفَهُ إِلَيْهَا مِنَ الرَّشِيدِ قَالَ: فَاقتَضَّهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ لَهُ: كَيْفَ رَأَيْتَ خَدِيعَةَ بَنَاتِ الْخُلَفَاءِ؟ قَالَ: وَمَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا مَوْلاتُكَ، فَطَارَ السُّكْرُ مِنْ رَأْسِهِ، وَقَامَ إِلَى أمه فقال: بِعْتِنِي وَاللَّهِ رَخِيصًا، وَعَلِقَتْ مِنْهُ الْعَبَّاسَةُ، فَلَمَّا وَلَدَتْ وَكَّلَتْ بِالْوَلَدِ خَادِمًا، وَمُرْضِعًا، ثُمَّ بَعَثَتْ بِهِ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ وَشَتْ بِهَا زُبَيْدَةُ إِلَى الرَّشِيدِ، فَحَجَّ وَكَشَفَ عَنِ الأَمْرِ وَتَحَقَّقَهُ، فَأَضْمَرَ السُّوءَ لِلْبَرَامِكَةِ. وَلِأَبِي نُوَاسٍ يُشِيرُ إِلَى ذلك:
ألا قل لأمين اللـ ... ـه وابن القادة الساسه
إذا ما ناكث سر ... ك أَنْ تُعْدِمَهُ رَاسَهْ
فَلا تَقْتُلْهُ بِالسَّيْفِ ... وَزَوِّجْهُ بِعَبَّاسَهْ
وَقِيلَ: إِنَّ الرَّشِيدَ سَلَّمَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ كَمَا ذَكَرْنَا، فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فِيَّ، وَلا تَجْعَلْ خَصْمِكَ غَدًا جَدِّي، فَرَقَّ لَهُ وَأَطْلَقَهُ، وَخَفَرَهُ إِلَى مَأْمَنِهِ.
وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ جِنَايَةِ الْبَرَامِكَةِ، فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهُمْ بَعْضُ مَا يُوجِبُ مَا عَمِلَ الرَّشِيدُ بِهِمْ، وَلَكِنْ طَالَتْ أَيَّامُهُمْ، وَكُلُّ طَوِيلٍ مَمْلُولٌ.
وَقِيلَ: رُفِعَتْ وَرَقَةٌ إِلَى الرَّشِيدِ فِيهَا:
قُلْ لِأَمِينِ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ... وَمَنْ إِلَيْهِ الْحَلُّ وَالْعَقْدُ
هَذَا ابْنُ يَحْيَى قَدْ غَدَا مَالِكًا ... مِثْلَكَ مَا بَيْنَكُمَا حَدُّ
أَمْرُكَ مَرْدُودٌ إِلَى أَمْرِهِ ... وَأَمْرُهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ -[789]-
وقد بنى الدار التي ما بنى الـ ... فرس لَهَا مِثْلا وَلا الْهِنْدُ
الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ حَصْبَاؤُهَا ... وَتُرْبُهَا الْعَنْبَرُ وَالنَّدُّ
وَنَحْنُ نَخْشَى أَنَّهُ وَارِثٌ ... مُلْكَكَ إِنْ غَيَّبَكَ اللَّحْدُ
وَلَنْ يُضَاهِي الْعَبْدُ أَرْبَابَهُ ... إِلا إِذَا مَا بَطِرَ الْعَبْدُ
فَلَمَّا قَرَأَهَا أَثَّرَتْ فِيهِ.
وَقِيلَ: إِنَّ أُخْتَ الرَّشِيدِ قَالَتْ لَهُ: مَا رَأَيْتُ لَكَ سُرُورًا تَامًّا مُنْذُ قَتَلْتَ جَعْفَرًا، فَلِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلْتَهُ؟ قَالَ: لو علمت أن قميصي يعلم السبب في ذلك لَمَزَّقْتُهُ.
وَلَمْ يَزَلْ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ وَابْنُهُ الْفَضْلُ وَعِدَّةٌ مِنَ الْخَدَمِ مَحْبُوسِينَ، وَحَالُهُمْ حَسَنٌ إِلَى أَنْ سَخِطَ الرَّشِيدُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ، فَعَمَّهُمْ بِسَخَطِهِ، وَجَدَّدَ لَهُمُ التُّهْمَةَ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَتْ جُثَّةُ جَعْفَرٍ مُعَلَّقَةً مُدَّةً، وَقُطِّعَتْ أَعْضَاؤُهُ، وَعُلِّقَتْ بِأَمَاكِنَ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أُنْزِلَتْ وَأُحْرِقَتْ، وَحُبِسَ يَحْيَى وَأَوْلادُهُ كُلَّهُمْ سِوَى مُحَمَّدٍ وَبَنِيهِ.
وَلِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ:
قُولا لِمَنْ يَرْتَجِي الْحَيَاةَ أَمَا ... فِي جَعْفَرٍ عِبْرَةٌ وَيَحْيَاهُ
كَانَا وزيري خليفة الله هـ ... ـارون هُمَا مَا هُمَا وَزِيرَاهُ
فَذَاكُمُ جَعْفَرٌ بِرُمَّتِهِ ... فِي حَالِقٍ رَأْسُهُ وَنِصْفَاهُ
وَالشَّيْخُ يَحْيَى الْوَزِيرُ أصبح قد ... نحاه عن نفسه وأقصاه
وشتت بعد الجميع شملهم ... فأصبحوا في البلاد قد تاهوا
كذاك مَنْ يُسْخِطِ الإِلَهَ بِمَا ... يُرْضِي بِهِ الْعَبْدَ يُجْزِهِ اللَّهُ
سُبْحَانَ مَنْ دَانَتِ الْمُلُوكُ لَهُ ... أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا هُو
طُوبَى لِمَنْ تَابَ قَبْلَ غِرَّتِهِ ... فَمَاتَ قَبْلَ الْمَمَاتِ طُوبَاهُ
وَفِيهَا هَاجَتِ الْعَصَبِيَّةُ بَيْنَ الْقَيْسِيَّةِ وَالْيَمَانِيَّةِ بِالشَّامِ، فَوَجَّهَ الرَّشِيدُ مُحَمَّدَ بْنَ مَنْصُورِ بْنِ زِيَادٍ فأصلح بينهم.
وفيها خرج عبد السلام الخارجي بآمد فظفر به يحيى العقيلي فقتله.
وَفِيهَا أَغْزَى الرَّشِيدُ وَلَدَهُ الْقَاسِمَ الصَّائِفَةَ، وَوَهَبَهُ لله، وولاه العواصم. -[790]-
وَكَانَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ وَلَدٌ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَسَعَى هُوَ وَوَزِيرُ أَبِيهِ بِابْنِهِ إلى الرشيد، قالا: إِنَّهُ عَامِلٌ عَلَى الْخِلافَةِ، فَاعْتَقَلَهُ الرَّشِيدُ فِي مكان مليح وفي إكرام، فَمَا زَالَ مَحْبُوسًا حَتَّى تُوُفِّيَ الرَّشِيدُ فَأَطْلَقَهُ الأَمِينُ وَوَلاهُ الشَّامَ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الأَمِينِ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَيْتِهِ وَفُصَحَائِهِمْ وَنُبَلائِهِمْ، مَرَّ الرَّشِيدُ بِمَنْبِجٍ فَقَالَ لَهُ، وَبِهَا إِذْ ذَاكَ مَقَرُّ عَبْدِ الْمَلِكِ: هَذَا مَنْزِلُكَ؟ قَالَ: هُوَ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وُلِّيَ بِكَ، قَالَ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: دُونَ بِنَاءِ أَهْلِي، وَفَوْقَ مَنَازِلِ مَنْبِجٍ، قَالَ: كَيْفَ لَيْلُهَا؟ قَالَ: سَحَرٌ كُلُّهُ.
وَفِيهَا انْتَقَضَ الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الرُّومِ، وَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ نِقْفُورَ، وَالرُّومُ تَذْكُرُ أَنَّ نِقْفُورَ هَذَا مِنْ وَلَدِ جَفْنَةَ الْغَسَّانِيِّ، وَأَنَّهُ قَبْلَ الْمُلْكِ كَانَ يَلِي دِيوَانَ خَرَاجِهِمْ، وَكَانَ عَقَدَ الهدنة مع الملكة زبني، فخلعتها الروم وسلطنوا نقفور.
ثم ماتت زبني بَعْدَ أَشْهُرٍ، فَكَتَبَ: مِنْ نِقْفُورَ مَلِكِ الرُّومِ، إِلَى هَارُونَ مَلِكِ الْعَرَبِ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْمَلِكَةَ الَّتِي قَبْلِي كَانَتْ أَقَامَتْكَ مَقَامَ الرُّخِ، وَأَقَامَتْ نَفْسَهَا مَقَامَ الْبَيْدَقِ، فَحَمَلَتْ إِلَيْكَ مِنْ أَمْوَالِهَا أَحْمَالا، وَذَلِكَ لِضَعْفِ النِّسَاءِ وَحُمْقِهِنَّ، فَإِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَارْدُدْ مَا حَصَلَ قِبَلَكَ مِنْ أَمْوَالِهَا، وَافْتَدِ نَفْسَكَ، وَإِلا فَالسَّيْفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ.
قَالَ: فَلَمَّا قَرَأَ الرَّشِيدُ الْكِتَابَ اسْتَشَاطَ غَضَبًا حتى لم يمكن أحد أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهِ دُونَ أَنْ يُخَاطِبَهُ، وَتَفَرَّقَ جُلَسَاؤُهُ مِنَ الْخَوْفِ، وَاسْتَعْجَمَ الرَّأْيُ عَلَى الْوَزِيرِ، فَدَعَا الرَّشِيدُ بِدَوَاةٍ وَكَتَبَ عَلَى ظَهْرِ كِتَابِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ هَارُونَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى نِقْفُورَ كَلْبِ الرُّومِ، قَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ يَا ابْنَ الْكَافِرَةِ، وَالْجَوَابُ مَا تَرَاهُ لا مَا تَسْمَعُهُ.
ثُمَّ سَارَ لِيَوْمِهِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى نَازَلَ مَدِينَةَ هِرَقْلَةَ، وَكَانَتْ غزوة مشهودة، وَفَتْحًا مُبِينًا، فَطَلَبَ النِّقْفُورُ الْمُوَادَعَةَ، وَالْتَزَمَ بِخَرَاجٍ يَحْمِلُهُ كُلَّ سَنَةٍ، فَأُجِيبَ، فَلَمَّا رَجَعَ الرَّشِيدُ إِلَى الرَّقَّةِ نَقَضَ الْكَلْبُ الْعَهْدَ لِإِيَاسِهِ مِنْ كرة الرَّشِيدِ فِي الْبَرْدِ، فَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يبلغ الرشيد نقضه، بل قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التَّيْمِيُّ: -[791]-
نَقَضَ الَّذِي أَعْطَيْتَهُ نِقْفُورُ ... فَعَلَيْهِ دَائِرَةُ الْبَوَارِ تَدُورُ
أَبْشِرْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ ... غُنْمٌ أَتَاكَ بِهِ الإِلَهُ كَبِيرُ
وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ أَبْيَاتًا، وَعُرِضَتْ عَلَى الرَّشِيدِ، فَقَالَ: أَوَ قَدْ فَعَلَهَا؟ فَكَرَّ رَاجِعًا فِي مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ حَتَّى أَنَاخَ بِفِنَائِهِ، فَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى بَلَغَ مُرَادَهُ وَحَازَ جِهَادَهُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:
أَلا بادت هِرَقْلَةُ بِالْخَرَابِ ... مِنَ الْمَلِكِ الْمُوَفَّقِ لِلصَّوَابِ
غَدَا هارون يرعد بالمنايا ... ويبرق بالمذكرة العضاب
وَرَايَاتٍ يَحِلُّ النَّصْرُ فِيهَا ... تَمُرُّ كَأَنَّهَا قِطَعُ السَّحَابِ
وَفِيهَا أَمَرَ الرَّشِيدُ بِقَتْلِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ نَهِيكٍ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا شَرِبَ طَلَبَ سَيْفَهُ وَأَخَذَهُ، وَيَقُولُ: لأَقْتُلَنَّ الرَّشِيدَ أَوْ لأَقْتُلَنَّ قَاتِلَ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى، ثُمَّ يَبْكِي حَزِنًا عَلَى جَعْفَرٍ.
وَحَجَّ وَأَقَامَ الْمَوْسِمَ عبيد الله بن العباس ابن أخي الْمَنْصُورِ.
وَوَلِيَ دِمَشْقَ شُعَيْبُ بْنُ حَازِمِ بْنِ خُزَيْمَةَ، فَهَاجَتِ الأَهْوَاءُ بَيْنَ الْمُضَرِيَّةِ، وَالْيَمَانِيَّةِ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ وَقْعَةٌ مَهُولَةٌ، ظَهَرَتْ فِيهَا الْيَمَانِيَّةُ، وَقُتِلَ نَحْوٌ من خمس مائة نَفْسٍ، ثُمَّ عُزِلَ شُعَيْبٌ بَعْدَ عَامٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ.

نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 4  صفحه : 784
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست