responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 4  صفحه : 1230
341 - ع: وكيع بْن الجرَّاح بْن مَلِيح، الإمام أبو سُفْيان الرُّؤاسيُّ الأعور الكوفيُّ، [الوفاة: 191 - 200 ه]
أحد الأعلام.
ورُؤاس بطنٌ مِن قيس عَيْلان.
ولد سنة تسعِ وعشرين ومائة، وأصله مِن خُراسان.
سَمِعَ: مِن الأعمش، وهشام بْن عُرْوة، وإسماعيل بْن أَبِي خَالِد، وابن عَوْن، وابن جُرَيج، وداود بْن يزيد الأوْديّ، وأسود بْن شيبان، ويونس بن أبي إسحاق، وهشام بْن الغاز، والأوزاعي، وشُعْبَة، والثَّوْريّ، وإسرائيل، وجعفر بن برقان، وحنظلة بْن أَبِي سُفيان، وزكريا بْن أَبِي زائدة، وطلحة بْن عَمْرو الْمَكَّيّ، وطلحة بْن يحيى التَّيْميّ، وفضيل بْن غزوان، وموسى بْن عليّ، وهشام الدَّسْتُوائيّ، وأبي جِناب الكلبيّ، وخلْق.
وَعَنْهُ: ابن المبارك وهو أكبر منه، وعبد الرَّحْمَن بْن مهديّ، ويحيى بْن آدم، والحُمَيْديّ، ومُسددَّ، وأحمد بْن حنبل، وإسحاق، وابن المَدِينيّ، وابن مَعِين، وأبو خَيْثَمَة، وابنا أَبِي شَيبة، وأبو كُرَيْب، وعبد الله بْن هاشم الطّوسيّ، وإبراهيم بْن عَبْد الله القصّار، وأُمَم سواهم.
وكان رأسًا في العِلْم والعمل، وكان أَبُوهُ الجرّاح بن مليح بن عدي بن فرس بن جُمجمة ناظرًا عَلَى بيت المال بالكوفة.
وقد أراد الرشيد أن يُوليّ وكيعًا القضاءَ فامتنع.
قال يحيى بن يمان: لما مات الثوري جلس وكيع موضعه.
قال القعنبي: كنا عند حماد بن زيد، فلما خرج وكيع قَالُوا: هذا راوية سُفْيان. فقال حمّاد: إنّ شئتم قلت: أرجح مِن سُفْيان.
وعن يحيى بْن أيّوب المَقَابِريّ قَالَ: ورث وكيع مِن أمّه مائة ألف درهم.
وقال الفضل بْن محمد الشّعرانيّ: سَمِعْتُ يحيى بْن أكثم يَقُولُ: صحِبْت وكيعًا في الحَضَر والسَّفَر، وكان يصوم الدَّهر ويختم القرآن كل ليلة.
قَالَ يحيى بْن مَعِين: وكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه. -[1231]-
وقال أحمد بْن حنبل: ما رَأَيْت أوعى للعِلم ولا أحفظ مِن وكيع.
وقال أحمد بْن سهل بْن بحر النَّيْسابوريّ الحافظ: دخلت على أحمد بن حنبل بعد المحنة، فسمعته يَقُولُ: كَانَ وكيع إمام المسلمين في وقته.
وروى نوح بْن حبيب عَنْ عَبْد الرّزّاق قال: رأيت الثوري ومَعْمَرا ومالكًا، فما رأت عيناي مثل وكيع قط.
وقال ابن معين: ما رأيت أفضل من وكيع؛ كان يحفظ حديثه، ويقوم الليل، ويسرد الصوم، ويفتي بقول أبي حنيفة، وكان يحيى القطان يفتي بقول أبي حنيفة أيضا.
وقال قتيبة: سَمِعْتُ جريرًا يَقُولُ: جاءني ابن المبارك، فقلت: مِن رَجُل الكوفة اليوم؟ فسكت عنّي ثمّ قَالَ: رَجُل المصْرَين ابن الجرّاح؛ يعني وكيعًا.
قَالَ سَلْم بْن جُنادة: جالستُ وكيعًا سبْعٍ سنين، فما رَأَيْته بَزَق ولا مسّ حَصاةً، ولا جلس مجلسًا فتحرّك، ولا رَأَيْته إلا مستقبل القِبلة، وما رَأَيْته يحلف بالله.
وقد روى غير واحدٍ أنّ وكيعًا كَانَ يترخّص في شُرب النَّبيذ، قَالَ إسحاق بْن بُهْلُولٍ الحافظ: قِدم علينا وكيع - يعني الأنبارَ - فنزل في المسجد عَلَى الفُرات، فصِرت إِليْهِ لأسمع منه، فطلب منّي نبيذًا فجئته بِهِ، فأقبل يشرب وأنا أقرأ عليه، فلما نفد طفا السراج، فقلت: ما هذا؟ قال: لو زدتنا لزدناك.
وقال أبو سَعِيد الأشجّ: كنّا عند وكيع، فجاءه رَجُل يدعوه إلى عُرْسٍ، فقال: أثَمَّ نبيذ؟ قَالَ: لا. قَالَ: لا نحضُر عرسًا لَيْسَ فيه نبيذ. قَالَ: فإنيّ آتيكم بِهِ. فقام.
قَالَ ابن مَعِين: سال رَجُل وكيعًا أنّه شربَ نبيذًا، فرأى في النّوم كأن رجلا يقول له: إنّك شربت خمرًا. فقال وكيع: ذاك الشيطان.
وقال نُعَيْم بْن حمّاد: سمعتُ وكيعًا يَقُولُ: هُوَ عندي أحلّ مِن ماء الفُرات.
ويُروى عَنْ وكيع أنّ رجلا أغلظ لَهُ، فدخل بيتا فعفر وجهه ثمّ خرج إلى الرجل وقال: زد وكيعًا بذنْبه، فلولاه ما سُلَّطت عَليْهِ. -[1232]-
وقال إبراهيم بْن شِمَاس: لو تمنّيت كنت أتمني عقل ابن المبارك وورعه، وزُهد فُضَيْل ورِقَّته، وعِبادة وكيع وحِفظه، وخشوع عيسى بْن يونس، وصبر حُسين الْجُعْفيّ.
وقال نصر بْن المغيرة البخاريّ: سَمِعْتُ إبراهيم بْن شِماس يَقُولُ: رَأَيْت أفقه الناس وكيعًا، وأحفظ الناس ابن المبارك، وأورع الناس فُضَيْل بْن عِياض.
وقال مروان بن محمد الطّاطَريّ: ما رأيتُ فيمن رَأَيْت أخشع مِن وكيع، وما وُصفَ لي أحدٌ قطّ إلا رَأَيْته دون الصّفة إلا وكيعًا؛ فإنّي رَأَيْته فوق ما وُصِفَ لي.
قَالَ سَعِيد بْن منصور: قِدم وكيع مكّة وكان سمينًا، فقال لَهُ الفُضَيْل بْن عياض: ما هذا السُّمْن وأنت راهبُ العراق؟! قَالَ: هذا مِن فرحي بالإسلام! فأفحمه.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ: ما كان بالكوفة في زمان وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث منه.
وقال أبو داود: ما رُؤي لوكيع كتاب قط، ولا لهُشَيم، ولا لحمّاد، ولا لمَعْمَر.
قَالَ أحمد بْن حنبل: ما رأت عيني مثل وكيع قطّ؛ يحفظ الحديث، ويذاكر بالفقه فيحسن، مع ورع واجتهاد، ولا يتكلّم في أحد.
قَالَ حمّاد بْن مَسْعَدة: قد رَأَيْت سُفْيان الثَّوْريّ، فما كَانَ مثل وكيع.
وقال أحمد أيضًا: ما رَأَيْت أوعى للعلم من وكيع، كان حافظا حافظًا.
وقال ابن أَبِي خَيْثَمَة وغيره: سمعنا يحيى بْن مَعِين يَقُولُ: مِن فضّلَ عَبْد الرحمن بن مهدي على وكيع فعليه، فذكر اللعنة.
قلت: ما أدري ما عُذر يحيى في هذا اللعن.
وقال أبو حاتم: وكيع أحفظ مِن ابن المبارك. -[1233]-
وقال أحمد بْن حنبل: عليكم بمُصَنَّفات وكيع.
وقال علي ابن المديني: كان وكيع يلحن، ولو حَدّثت عَنْهُ بألفاظه لكان عجبًا، كَانَ يَقُولُ: عن عيشة.
وروى أبو هشام الرفاعيّ وغيره عَنْ وكيع قَالَ: مَن زعم أنّ القرآن مخلوق فقد كفر.
قَالَ وكيع: الجهر بالبسملة بِدْعة. سمعها أبو سَعِيد الأشجّ منه.
قَالَ أحمد بْن زهير: حدثنا محمد بن يزيد قال: حدَّثني حُسين أخو زيدان قَالَ: كنتُ مَعَ وكيع، فأقبلنا جميعًا مِن المصَّيصة أو طَرَسُوس فأتينا الشامَ، فما أتينا بلدًا إلا استقبلنا واليها، وشهدْنا الجمعة بدمشق، فلمّا سلّم الإمام أطافوا بوكيع، فما انصرف إلى أهله، فحدّثت بِهِ مليحًا ولدهُ فقال: رأيتُ في جسده آثارًا خضراء مما زُحِم.
قَالَ الفضل بْن عَنْبَسة: ما رَأَيْت مثل وكيع مِن ثلاثين سنة.
محمود بْن غَيْلان: سمعتُ وكيعًا يَقُولُ: اختلفتُ إلى الأعمش سنتين.
قَالَ ابن راهَوَيْه: حِفْظي وحِفْظ ابن المبارك تكلُّف، وحفظ وكيع أصلي، قام وكيع واستند فحدث بسبعمائة حديث حفظًا.
وقال محمود بْن آدم: تذاكر بِشْر بْن السَّريّ ووكيع ليلة وأنا أراهما مِن العشاء إلى أن نُودي بالصبُّح، فقلت لبِشْر: كيف رَأَيْته؟ قَالَ: ما رأيت أحفظ منه. وكذا قَالَ سهل بْن عثمان: ما رأيت أحفظ مِن وكيع.
وَقَالَ عَبْد الله بْن أَحْمَد: سمعتُ أَبِي يَقُولُ: وكيع مطبوع الحفظ، كان حافظا حافظًا، كَانَ أحفظ مِن عَبْد الرَّحْمَن بكثير.
وقال ابن نُمَير: كانوا إذا رأوا وكيعًا سكتوا؛ يعني في الحِفظ والإجلال.
وقال أبو حاتم: سُئِل أحمد عَنْ وكيع ويحيى وابن مهديّ، فقال: كَانَ وكيع أسردهم. -[1234]-
قَالَ أبو زُرعة الرّازيّ: سَمِعْتُ أبا جعفر الجمّال يَقُولُ: أتينا وكيعًا، فخرج بعد ساعة وعليه ثياب مغسولة، فلمّا بصُرنا بِهِ فزعنا مِن النّور الَّذِي رأينا يتلألأ مِن وجهه، فقال رجل بجنبي: أهذا مَلَك؟ فتعجّبنا مِن ذَلِكَ النّور.
قَالَ أحمد بْن سِنان القطّان: رأيتُ وكيعًا إذا قام في الصلاة لَيْسَ يتحرّك منه شيء، لا يزول ولا يميل عَلَى رِجلٍ دون الأخرى.
قال أحمد بْن أَبِي الحواريّ: سمعتُ وكيعًا يَقُولُ: ما نعيش إلا في سُترة، ولو كُشِف الغطاء لكُشِف عَنْ أمرٍ عظيم. وسَمِعْتُهُ يَقُولُ: الصَّدْق النِّيّة.
قَالَ صالح بْن أحمد: قلت لأبي: أيهُّما أصلح؛ وكيع أو يزيد؟ فقال: ما منهما والحمد لله إلا كل، لكن وكيع لم يختلط بالسلطان.
قَالَ الفلاس: ما سَمِعْتُ وكيعًا ذاكرًا أحدًا بسوءٍ قط.
وقال ابن عمّار: أحْرَمَ وكيع مِن بيت المقدس.
وقال ابن سعْد: كَانَ وكيع ثقة مأمونًا رفيعًا كثير الحديث حُجّة.
وقال محمد بْن خلف التيمي: أخبرنا وكيع قَالَ: أتيتُ الأعمش فقلت: حدَّثني. قَالَ: ما اسمك؟ قلت: وكيع. قَالَ: اسمٌ نبيل، وما أحسب إلا سيكون لك نبأ، أَيْنَ تنزل مِن الكوفة؟ قلت: في بني رُؤاس. قَالَ: أَيْنَ مِن منزل الجرّاح؟ قلت: هُوَ أبي. وكان عَلَى بيت المال، قَالَ: اذهب فجئني بعطائي، وتعال حتّى أحدّثك بخمسة أحاديث. فجئت أَبِي فقال: خذ نصف العطاء واذهب، فإذا حدّثك بالخمسة فخذ النصف الآخر حتّى تكون عشرة. فأتيته بذلك، فأملي عليّ حديثين، فقلت: وعدتني خمسة. قَالَ: فأين الدراهم كلّها؟ أحسب أن أباك أمرك بهذا ولم يدرِ أنّ الأعمش مدرَّب قد شهد الوقائع. قَالَ: فكنت إذا جئته بالعطاء في كلّ شهر حدَّثني بخمسة.
قَالَ قاسم الحَرَميّ: كَانَ سُفْيان يتعجبّ مِن حفظ وكيع ويقول: تعال يا رُؤاسي، ويتبسَّم.
قَالَ ابن عمّار: سمعتُ وكيعًا يَقُولُ: ما نظرت في كتابٍ منذ خمس عشرة -[1235]- سنة، إلا في صحيفة يومًا. فقلت لَهُ: عَدّوا عليك بالبصرة أربعة أحاديث غلطت فيها. قال: وحدثتهم بعبادان بنحو من ألف وخمسمائة حديث، أربعة ما هِيَ كثيرة في ذَلِكَ.
قَالَ ابن مَعِين: سمعتُ وكيعًا يَقُولُ: ما كتبت عن الثوري حديثا قطّ؛ إنّما كنت أحفظ، فإذا رجعتُ كتبتها.
قَالَ يحيى بْن يَمَان: نظر سُفيان في عينيّ وكيع فقال: لا يموت هذا حتى يكون لَهُ شأن. فمات سُفْيان وجلس وكيع مكانه.
قَالَ سليمان الشاذكونيّ: قَالَ لنا أبو نُعَيْم: ما دام هَذَا التَّنَّين حيًا ما يُفلح أحدٌ معه؛ يعني وكيعًا.
وقال يحيى بْن أيّوب العابد: حدَّثني صاحب لوكيع أنّ وكيعًا كَانَ لا ينام حتّى يقرأ ثُلُث القرآن، ثمّ يقوم في آخر اللَّيْلِ فيقرأ المفصل، ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر.
قَالَ إبراهيم بْن وكيع: كَانَ أَبِي يصلّي اللَّيْلَ، فلا يبقي في دارنا أحدٌ إلا صلّي، حتى جارية لنا سوداء.
ابن مَعِين: سمعتُ وكيعًا يَقُولُ: أيّ يومٍ لنا مِن الموت. وأخذ وكيع في قراءة كتاب " الزُّهْد "، فلمّا بلغ حديثًا منه قام فلم يحدّث، وكذا فعل مِن الغد. وهو حديث: " كن في الدنيا كأنّك غريب ".
الدارقطني: حدثنا القاضي أبو الحسن محمد بن علي ابن أمّ شيبان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْد الرحمن بن سفيان بن وكيع، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَبِي يجلس لأصحاب الحديث مِن بكرة إلى ارتفاع النهار، ثم ينصرف فيقيل، ثمّ يصلّي الظهر ويقصد طريق المشرعة التي يصعد منها أصحاب الروايا، فيريحون نواضحهم، فيعلّمهم مِن القرآن ما يؤدّون بِهِ الْفَرْضَ إلى حدود العصر، ثمّ يرجع إلى مسجده فيصلّي العصر، ثمّ يجلس يتلو ويذكر الله إلى آخر النهار، ثمّ يدخل منزله فيُفْطر عَلَى نحو عشرة أرطال نبيذ، فيشرب منها، ثمّ يصلّي وِرده، كلّما صلّي ركعتين شرب منها حتى ينفدها ثم ينام. -[1236]-
قَالَ نُعَيْم بْن حمّاد: تعشَّينا عند وكيع، فقال: أيّ شيء تريدون؟ أجيئكم بنبيذ الشيوخ أو نبيذ الفتيان؟ فقلت: تكلم بهذا؟! قال: هو عندي لأحل مِن ماء الفُرات.
قلت: ماء الفرات لم يُختلف فيه، وقد اختُلف في هذا.
وقال الفسَويّ: قد سُئل أحمد إذا اختلف وكيع وعبد الرَّحْمَن؟ فقال: عَبْد الرَّحْمَن يوافق أكثر خاصّة في سُفْيان، وعبد الرَّحْمَن كَانَ يسلّم عَليْهِ السَّلَف ويجتنب المسكِر، ولا يرى أن يزرع في أرض الفرات.
وقال عَبَّاس: قلت لابن مَعِين: إذا اختلف وكيع وأبو معاوية في حديث الأعمش؟ قالَ: يوقف حتى يجيء مِن يتابع أحدهما. ثمّ قَالَ: كانت الرحلة إلى وكيع في زمانه.
قَالَ ابن مَعِين: لقيت عند مروان بْن معاوية لوحًا فيه: فلان رافضيّ، وفلان كذا، ووكيع رافضيّ، فقلت لمروان: وكيع خيرٌ منك. فبلغ وكيعًا ذَلِكَ، فقال: يحيى صاحبنا. وكان بعد ذَلِكَ يعرف لي ويُرَحَّب.
قَالَ أحمد بن سنان: كَانَ وكيع يكونون في مجلسه كأنّهم في صلاة، فإن أنكر مِن أحدٍ شيئًا قام. وكان عَبْد الله بْن نُمَير يغضب ويصيح، وإذا رَأَى مِن يبري قلمًا تغيّر وجهه غضبًا.
قَالَ تميم بْن محمد الطّوسيّ: سَمِعْتُ أحمد يَقُولُ: عليكم بمُصَنَفَّات وكيع.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أخطأ وكيع في خمسمائة حديث.
قَالَ أبو هشام الرفاعيّ: سمعتُ وكيعًا يَقُولُ: مَن زعم أنّ القرآن مخلوق فقد زعم أنّه مُحدَث، ومن زعم أنّ القرآن مُحدَث فقد كفر. فيقول: احتجّ بعض المبتدعة بقول الله تعالى: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ رَبِّهِمْ مُحْدَث)، وبقوله تعالى: (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)، وهذا قَالَ فيه علماء السلف معناه: إنه أحدث إنزاله إلينا، وكذا في الحديث الصحيح: " إن -[1237]- الله يُحدِث مِن أمره ما شاء ". وإنّ ممّا أحدث أن لا تكلّموا في الصلاة، فالقرآن العظيم كلام الله ووحيه وتنزيله، وهو غير مخلوق.
قال أحمد بْن أَبِي الحواريّ: سمعتُ وكيعًا يَقُولُ: ما أحدث حديثا قط عرضا.
قال ابن أبي الحواري: ذكرت لابن مَعِين وكيعًا، فقال: وكيع عندنا ثَبْت.
وقال عَبْد الرَّحْمَن بْن الحَكَم بْن بشير: وكيع عَنْ سُفْيان غاية الإسناد، ليس بعده شيء، ما أعدل بوكيع أحدا. فقيل لَهُ: أبو معاوية؟ فنفَر مِن ذَلِكَ.
نوح بن حبيب: حدثنا وكيع قال: حدثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مهديّ قَالَ: حضرت موت سُفْيان، فكان عامّة كلامه: ما أشدّ الموت. قال نوح: فأتيت ابن مهدي فقلت: حَدَّثَنَا وكيع عنك، وحَكيت لَهُ الكلام، وكان متكئا فقعد، فقال: أَنَا حدّثت أبا سُفْيان؟ جزى الله أبا سُفْيان خيرًا، ومن مثل أَبِي سُفْيان، وما يقال لمثل أَبِي سُفْيان.
عليّ بْن خَشْرم: حدثنا وكيع، عَنْ إسماعيل بْن أَبِي خَالِد، عَنْ عَبْد الله البهيّ أنّ أبا بَكْر الصديق جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاته، فأكبّ عَليْهِ فقبّله وقال: بأبي وأميّ، ما أطيب حياتك ومماتك. ثمّ قَالَ البهي: وكان النبي تُرِك يومًا وليلة حتى ربَا بطنُه وأنثنت خِنْصراه. قَالَ ابن خشرم: فلمّا حدّث وكيع بهذا بمكة اجتمعت قريش وأرادوا صَلْبه، ونصبوا خشبة ليصلبوه، فجاء ابن عُيَيْنَة فقال لهم: الله الله، هذا فقيه أهل العراق وابن فقيهه، وهذا حديث معروف. قَالَ: ولم أكن سمعته، إلا أنّي أردت تخليص وكيع.
قَالَ ابن خشرم: سمعته مِن وكيع بعدما أرادوا صلبه، فتعجّبت مِن جسارته، وأُخْبِرتُ أنّ وكيعًا احتجّ فقال: إنّ عِدّةً مِن الصحابة منهم عُمَر قَالُوا: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمت، فأحبّ الله أن يُريهم آية الموت.
رواها أحمد بْن محمد بْن عليّ بْن رَزِين الباشانيّ عَنْ عليّ بْن خشرم، ورواه قُتَيْبة عَنْ وكيع.
وَهَذِهِ هفوة مِن وكيع كادت تَذهب فيها نفسه، فما لَهُ ولرواية هذا الخبر -[1238]- المنكرَ المنقطع، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ "، ولولا أنّ الحافظ ابن عساكر وغيره ساقوا القصة في تواريخهم لتركتها وَلَمَا ذكرتها، ولكنْ فيها عِبرة.
قَالَ الفَسويّ في تاريخه: وفي هذه السَّنَةِ حدَّث وكيع بمكة عَنْ إسماعيل عَنِ البهيّ، وذكر الحديث. قَالَ: فرُفِع إلى العثماني فحبَسه، وعزم عَلَى قتله، ونصبت خشبة خارج الحرم، وبلغ وكيعًا وهو محبوس، قَالَ الحارث بْن صِدّيق: فدخلت عَليْهِ لمّا بلغني وقد سَبقَ إليه الخبر. قَالَ: وكان بينه وبين سفيان بن عيينة يومئذ متباعد، فقال: ما أرانا إلا قد اضطُّررنا إلى هذا الرجل واحتجْنا إليه؛ يعني سُفْيان. فقلت: دع هذا عنك، فإن لم يدركك قُتِلْتَ. فأرسل إليه وفزع إليه، فدخل سُفْيان عَلَى العثمانيّ فكلّمه فيه، والعثماني يأبى عَليْهِ، فقال لَهُ سُفْيان: إنّي لك ناصحُ، إنّ هذا رجل مِن أهل العِلْم، وله عشيرة، وولده بباب أمير المؤمنين، فَتُشخَص لمناظرتهم. قَالَ: فعمل فيه كلام سفيان، فأمر بإطلاقه. فرجِعتُ إلى وكيع فأخبرته، وأُخرِجَ، فركب حمارا، وحملنا متاعه، وسافر، فدخلت عَلَى العثمانيّ مِن الغد وقلت: الحمد لله الذي لم تبتل بهذا الرجل، وسلَّمك الله. قَالَ: يا حارث، ما ندمت عَلَى شيء ندامتي عَلَى تَخْلِيته، خطر ببالي هذه الليلة حديث جَابِر بْن عبد الله قَالَ: حوّلت أَبِي والشهداء بعد أربعين سنة فوجدناهم رِطابًا يُثبتون، لم يتغيّر منهم شيء.
قَالَ الفسويّ: فسمعت سَعِيد بْن منصور يَقُولُ: كنّا بالمدينة، فكتب أهل مكّة إلى أهل المدينة بالذي كَانَ مِن وكيع، وقالوا: إذا قِدم عليكم فلا تتّكلوا عَلَى الوالي، وارجموه حتى تقتلوه. قال: فعرضوا عليَّ ذَلِكَ، وبلَغنا الَّذِي هُمْ عَليْهِ، فبعثنا بريدًا إلى وكيع أن لا يأتي المدينة، ويمضي من طريق الربذة. وكان قد جاوز مفرق الطريقين، فلمّا أتاه البريد ردَّ، ومضى إلى الكوفة. -[1239]-
وقد ساق ابن عدي هذه الواقعة في ترجمة عَبْد المجيد بن أَبِي روّاد، ونقل أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أفتى بقتل وكيع، فقال: أَخْبَرَنَا محمد بْن عيسى المَرْوَزِيّ فيما كتب إلي قال: حدثنا أبي عيسى بن محمد قال: حدثنا العباس بن مصعب قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا ابن أَبِي خَالِد، فساق الحديث. ثمّ قَالَ قتيبة: حدث وكيع بهذا بمكة سنة حجّ الرشيد، فقدّموه إِليْهِ، فدعا الرشيد سُفْيان بْن عُيَيْنَة وعَبْد المجيد، فأمّا عَبْد المجيد فإنّه قَالَ: يجب أن يُقْتَلَ، فإنّه لم يروِ هذا إلا مِن في قلبه غشٌّ للنَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال سُفْيان: لا قتْلَ عَليْهِ، رجلٌ سَمِعَ حديثًا فرواه، المدينة شديدة الحرّ، تُوُفّي النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُرِك ليلتين؛ لأنّ القوم كانوا في إصلاح أمر الأمّة، واختلفت قريش والأنصار، فمن ذَلِكَ تغيَّر. قَالَ قُتَيْبة: فكان وكيع إذا ذَكَر فعل عَبْد المجيد قَالَ: ذاك جاهلٌ، سمعَ حديثًا لم يَعرف وجهه فتكلم بما تكلم.
عن مليح بن وكيع قَالَ: لما نزل بأبي الموت أخرج يديه فقال: يا بُنيّ، ترى يديّ ما ضربتُ بها شيئًا قطّ.
قَالَ مليح: فحدَّثني داود بْن يحيى بْن يَمَان قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِن الأبدال؟ قَالَ: الذين لا يضربون بأيديهم شيئًا، وإنّ وكيعًا منهم.
قلتُ: بل مَن ضربَ بيديه في سبيل الله فهو أفضل.
قال عليّ بْن عَثّام: مرض وكيع فدخلنا عَليْهِ، فقال: إنّ سُفْيان أتاني فبشّرني بجواره، فأنا مبادرٌ إِليْهِ.
غُنْجار في تاريخه: حدثنا أحمد بْن سهل، سمعتُ قيس بْن أنيف، سَمِعَت يحيى بْن جعفر، سَمِعْتُ عَبْد الرّزّاق يَقُولُ: يا أهل خُرَاسان، إنّه نُعِيَ لي إمام خُرَاسان؛ يعني وكيعًا. قَالَ: فاهتممنا لذلك. ثمّ قَالَ: بُعْدًا لكم يا معشر الكلاب، إذا سمعتم مِن أحدٍ شيئًا اشتهيتم موته.
قلت: ومن جسارته كونه حج بعد تيك المحنة.
قال أبو هشام الرفاعيّ: مات وكيع سنة سبْعٍ وتسعين ومائة يوم عاشوراء، وَدُفِنَ بفَيْد؛ يعني راجعًا من الحج. -[1240]-
وقال أحمد: حجّ وكيع سنة ستٌّ وتسعين، ومات بفَيْد.

نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 4  صفحه : 1230
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست