responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 4  صفحه : 120
• - عَبْد الرحمن بْن عُمر بْن بوذوية، [الوفاة: 151 - 160 ه]
مر منسوبا إِلَى الجد.

159 - د: عَبْد الرحمن بْن قيس أَبُو رَوْح العَتَكيُّ البَصْريُّ. [الوفاة: 151 - 160 ه]
عَنْ: يحيى بْن يعمر، وطلحة بْن عُبَيْد الله بْن كريز،
وَعَنْهُ: وهب بْن جرير، وعبد الرحمن بْن مهدي، وغيرهما.
شيخ لا بأس بِهِ.

160 - ع: الأوزاعيُّ عَبْد الرحمن بْن عمرو بْن يُحْمَد أَبُو عَمْرو الأوزاعيُّ، [الوفاة: 151 - 160 ه]
إمام أهل الشام وفقيههم، وعالمهم.
كَانَ يسكن بظاهر باب الفراديس بمحلة الأوزاع، ثُمَّ تحول إِلَى بيروت، فرابط إِلَى أن مات بها.
قَالَ ابْن سعد: والأوزاع بطن من همدان، وهو من أنفسهم، قَالَ: وولد سنة ثمان وثمانين، وكان ثقة مأمونًا، فاضلا خيرًّا، كثير العلم والحديث والفقه، حُجَّة.
روى الأوزاعي عَنْ: عطاء بْن أَبِي رباح، والقاسم بْن مخيمرة، ومحمد بْن سيرين حكاية، والزهري، ومحمد بْن علي الباقر، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، وقتادة، وعمرو بْن شعيب، وربيعة بْن يزيد، وشداد بْن عمار، وعبدة بْن أَبِي لبابة، وبلال بْن سعد، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم التيمي، ويحيى بْن أبي كثير، وعبد الله بن عامر اليحصبي، وخلق.
وَعَنْهُ: الزهري، ويحيى بْن أبي كثير شيخاه، ويونس ين يزيد، وسفيان، وشعبة، ومالك، وسعيد بْن عَبْد العزيز، وابن الْمُبَارَك، والوليد بْن مسلم، والوليد بْن مزيد، وبقية، وابن شابور، ويحيى القطان، والمعافى الموصلي، والفريابي، وأبو المغيرة، وأبو عاصم، وخلائق.
وأصله من سبي السند.
وقال البخاري: لم يكن من الأوزاع بل نزل فيهم. -[121]-
وقال الهيثم بْن خارجة: سَمِعْت أصحابنا يقولون: ليس هو من الأوزاع، هو ابن عم يحيى بن أَبِي عمرو السيباني لَحًّا، إنما كَانَ ينزل قرية الأوزاع إذا خرجت من باب الفراديس.
وقال ضمرة بْن ربيعة: الأوزاع اسم وقع عَلَى موضع مشهور بربض دمشق سكنه بقايا من قبائل شتى، والأوزاع الفرق، تقول: وزّعته إذا فرّقته.
وقال أَبُو زُرْعة الدمشقي: كَانَ اسم الأوزاعي عَبْد العزيز فغّيره، وأصله سندي نزل فِي الأوزاع.
وكانت صَنْعَتُه الكتابة، والترسّل، ورسائله تؤثر.
وقال ضُمرة: سَمِعْت الأوزاعي يَقُولُ: كنت كالمحتلم فِي خلافة عمر بْن عَبْد العزيز.
قُلْتُ: هَذَا يردّ عَلَى قول من زعم أن مولده سنة ثلاث وتسعين.
وقال الوليد بْن مَزْيَد: وُلد ببعلبك، ونشأ بالبقاع، ثُمَّ نقلته أمّه إِلَى بيروت.
كان يتيما فقيرا حِجْر أمه، عجزت الملوك أن تؤدّب أنفسها، وأولادها أدبه فِي نفسه، مَا سَمِعْت مِنْهُ كلمة فاضلة إلا احتاج مستمعها إِلَى إثباتها عَنْهُ ولا رأيته ضاحكًا حَتَّى يقهقه، ولقد كَانَ إذا أخذ فِي ذكر المعاد أقول: أترى فِي المجلس قلْب لم يبك؟!.
قَالَ محمد بْن عَبْد الرحمن السلمي: رأيت الأوزاعي وكان فوق الرَّبعة خفيف اللحم، بِهِ سُمرة، يخضب بالحِنّاء.
وقال العباس بْن الوليد البيروتي عَن شيوخه: إن الأوزاعي قَالَ: مات أَبِي وأنا صغير فمرّ فلان من العرب فَقَالَ: مَن أنت؟ قُلْتُ: فلان، فَقَالَ: ابْن أخي يرحم الله أباك، فذهب بِي إِلَى بيته فكنت معه حَتَّى بلغت، فألحقني فِي الديوان، وضُرب علينا بعْث إِلَى اليمامة، فلما دخلنا مسجدنا قَالَ لِي رَجُل: رأيت يحيى بْن أَبِي كثير معجَبًا بك يَقُولُ: مَا رأيت فِي هَذَا البعث أهدى من هَذَا الشاب، قَالَ: فجالستُه فكتبت عَنْهُ أربعة عشر كتابًا فاحترقت، رواها محمد بْن أيوب بْن سويد عَن أبيه، وزاد: فقال لِي يحيى: ينبغي لك أن تبادر إِلَى البصرة لعلك تدرك الحسن، وابن سيرين، فانطلقت إليها فوجدت الحسن قد مات، فأخبرنا الأوزاعي أَنَّهُ دخل عَلَى ابْن سيرين فعاده، ثُمَّ مات بعد أيام فما سَمِعَ مِنْهُ. -[122]-
قَالَ الهِقْل بْن زياد: أجاب الأوزاعي فِي سبعين ألف مسألة أو نحوها.
وكان إسماعيل بْن عياش يَقُولُ: سَمِعْت الناس يقولون فِي سنة أربعين ومائة: الأوزاعي هُوَ اليوم عالم الأمة.
وقال أمية بْن يزيد: هُوَ أرفع عندنا من مكحول، إنه قد جمع العبادة، والعلم، والقول بالحق.
وذكر مسلمة بْن ثابت عَن مالك قَالَ: الأوزاعي إمام يُقتدى بِهِ.
وقال عليّ بْن بكار: سَمِعْت أبا إسحاق الفزاري يَقُولُ: مَا رأيت مثل الأوزاعي والثوري، فأما الأوزاعي فكان رَجُل عامة، وأما الثوري فكان رَجُل خاصة نفسه، ولو خُيِّرْتُ لهذه الأمة لاخترت لها الأوزاعي.
وكذا قَالَ ابْن الْمُبَارَك، وغيره.
قَالَ الخريبي: كَانَ الأوزاعي أفضل أهل زمانه.
وقال الوليد: ما رأيت أكثر اجتهادًا فِي العبادة مِنْهُ.
وقال بشر بْن المنذر: رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع.
وقال أَبُو مسهر: كَانَ الأوزاعي يُحيى الليل صلاة وقرآنا وبكاء.
وقال ابْن مهدي: إنما الناس فِي زمانهم أربعة: حماد بْن زيد بالبصرة، والثوري بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام.
وقال أحمد: الأوزاعي إمام.
وقال إسحاق: إذا اجتمع الثوري، والأوزاعي، ومالك عَلَى أمر فهو سُنَّةٌ.
وروى عمر بْن عَبْد الواحد عَن الأوزاعي قَالَ: دفع إليّ الزُّهْري صحيفة فَقَالَ: اروها عني، ودفع إلي يحيى بن أبي كثير صحيفة فَقَالَ: اروها عنّي.
قَالَ الوليد: قَالَ الأوزاعي: نعمل بها، ولا نحدّث بها.
وقال هشام بْن عمار: سَمِعْت الوليد يَقُولُ: احترقت كتب الأوزاعي زمن الرجفة ثلاثة عشر قنداقا فأتاه رَجُل بنُسَخِها فَقَالَ: يَا أبا عمرو هَذِهِ نسخة كتابك، وإصلاحك بيدك، فما عرض لشيء منها حَتَّى فارق الدُّنْيَا، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لا نأمن بإصلاح اللحن. -[123]-
وَقَالَ الْوَليِدُ بْن مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: إذا أراد الله بقوم شرًّا فتح عليهم الجدل، ومنعهم العمل.
قَالَ العباس بْن الوليد: أدركت أهل زمان محمد ولد الأوزاعي، وما كانوا يشكّون أَنَّهُ من الأبدال.
قُلْتُ: عاش محمد بعد أبيه عشرين سنة، وكان عابدًا قانتًا لله، أخذ عَنْهُ أَبُو مسهر.
وقال عمرو بْن أَبِي سلمة: سمعنا الأوزاعي يَقُولُ: رأيت كأن ملكين نزلا فأخذا بضبعي فعرجا بي إِلَى الله تعالى، وأوقفاني بين يديه فَقَالَ: أنت عبدي عَبْد الرحمن الَّذِي تأمر بالمعروف، وتنهى عَن المنكر؟ قَالَ: قلت: بعزّتِك رب أنت أعلم، قَالَ: فرَدَّاني إِلَى الأرض.
وقال محمد بْن كثير: سمعت الأوزاعي يَقُولُ: كنا والتابعون متوافرون يقولون: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما وردت بِهِ السنة من صفاته.
وقال أَبُو أسامة: رأيت سفيان الثوري، والأوزاعي، ولو خُيِّرْتُ لاخترت الأوزاعي لأنه كَانَ أعلم الرجلين.
وقال صدقة السمين: مَا رأيت أحدًا أحلم، ولا أكمل، ولا أجمل من الأوزاعي.
وقال موسى بْن أعين: قَالَ الأوزاعي: كنا نضحك، ونمزح فلما صرنا يُقتدى بنا خشينا أن لا يسعنا التبسّم.
وقال منصور بْن أبي مزاحم عَن أَبِي عُبَيْد الله كاتب المنصور قَالَ: كَانَت ترد علينا إِلَى المنصور كُتُبٌ من الأوزاعي نتعجّب منها، ونعجز كتابةً عنها، فكانت تُنْسخ فِي دفاتر، وتوضع بين يدي المنصور، فيكثر النظرَ فيها استحسانًا لألفاظها، فَقَالَ لسليمان بْن مجالد، وكان من أحظى كُتَّابه عنده: ينبغي أن تجيب الأوزاعي، قَالَ: مَا أُحسِنُ ذاك، وإن لَهُ نظْمًا فِي الكتب لا أظن أحدًا من جميع الناس يقدر عَلَى إجابته عَنْهُ، وأنا أستعين بألفاظه عَلَى مَن لا يعرفها ممن نكاتبه.
وقال الحكم بن موسى: حدثنا الوليد قال: مَا كنت أحرص عَلَى السماع من الأوزاعي حَتَّى رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي المنام والأوزاعي إِلَى جنبه، -[124]- فَقُلْتُ: يَا رسول الله عمن أحمل العلم؟ قَالَ: عَن هَذَا وأشار إِلَى الأوزاعي.
عَبْد الحميد بْن بكار، عَن محمد بْن شعيب قَالَ: جلست إِلَى شيخ فِي المسجد فَقَالَ: أَنَا ميت يوم كَذَا وكذا، فلما كَانَ ذَلِكَ اليوم أتيته فإذا هُوَ يتفلّى فِي الصحن، فَقَالَ: مَا أخذتم النعش خذوه قبل أن تُسبقوا إِلَيْهِ، قُلْتُ: مَا تقول رحمك الله؟ قَالَ: هُوَ مَا أقول لك، إِنِّي رأيت طائرًا يقع عَلَى ركن هَذِهِ القبة فسمعته يَقُولُ: فلان قَدَري، وفلان كَذَا، وعثمان بْن أَبِي العاتكة نِعْم الرجل، والأوزاعي خير من يمشي عَلَى الأرض، وأنت ميت يوم كَذَا، قَالَ: فَما جاءت الظُّهْر حَتَّى مات الرجل.
قَالَ الوليد بْن مَزْيَد: كَانَ الأوزاعي من العبادة على شيء لم يُسمع بأحد قوى عَلَيْهِ، مَا أتى عَلَيْهِ زوال قط إلا وهو قائم يصلّي.
وقال مروان بْن محمد: قَالَ الأوزاعي: مَن أطال قيام الليل هوّن الله عَلَيْهِ وقوف يوم القيامة.
ويُذكر عَن الأوزاعي أَنَّهُ حجّ فما اضطجع فِي المحمل أبدا.
وقال إسحاق بن خالد: حدثنا أَبُو مسهر قَالَ: مَا رؤي الأوزاعي باكيًا قط، ولا ضاحكًا حَتَّى تبدو نواجذه، وكان يحيى الليل بكاءً وصلاة.
وأخبرني بعض إخواني من أهل بيروت أن أم الأوزاعي كَانَت تدخل منزل الأوزاعي، وتتفقّد موضع مصلاه فتجده رطبا من دموعه.
وقال محمد ابن الأوزاعي: قَالَ لِي أَبِي: يَا بني لو كنا نقبل من الناس كل مَا يعرضون علينا لأوشك بنا أن نهون عليهم.
وَقَالَ الْوَليِدُ بْن مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: عليك بآثار من سلف، وإنْ رَفَضَك الناسُ، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول؛ فإن الأمر ينجلي وأنت عَلَى طريق مستقيم.
وقال بقية: قال لي الأوزاعي: العلم ما جاء عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما لم يجئ عَن الصحابة فليس بعلم.
وقال الوليد، وبقية عَن الأوزاعي: لا يجتمع حُبّ عليّ وعثمان إلا فِي قلب مؤمن. -[125]-
وقال الأوزاعي: كتب إليّ قتادة: إنْ كَانَت الدار فرّقت بيننا وبينك، فإن أُلْفَة الإسلام جامعة بين أهلها.
وَقَالَ الْوَليِدُ بْن مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: أتيت بيروت أرابط فلقيت سوداء عند المقابر فَقُلْتُ: أين العمارة؟ قالت: أنت فِي العمارة، وإنْ أردتَ الخرابَ فبين يديك.
قال أحمد بن عبد الواحد: حدثنا محمد بْن كثير، عَن الأوزاعي قَالَ: وقع عندنا ببيروت رجل جراد، وكان عندنا رجل له فضل، فحدث أنه رأى رجلا راكبا، فذكر من عظم الجرادة وعظم الرجل، قَالَ: وعليه خُفّان أحمران وهو يَقُولُ: " الدنيا باطلة وباطل مَا فيها " ويومئ بيده، حيثما أومأ انساب الجراد.
رواها عليّ بْن زيد الفرائضي عَن ابْن كثير، سَمِعَ الأوزاعي أَنَّهُ هُوَ الَّذِي رأى ذَلِكَ.
وقال أَبُو زرعة: أريدَ الأوزاعيُّ عَلَى القضاء من يزيد بْن الوليد فجلس بهم مجلسًا واحدًا وترك.
وعن الأوزاعي قَالَ: مَن أكْثَرَ ذكرَ الموت كفاه اليسير، ومن عرف أن منطقه من عمله قلّ كلامه.
ومن موعظة للأوزاعي يَقُولُ: كانوا بلهو الأمل آمنين، فقد علمتم مَا نزل بساحتهم بياتًا من عقوبة الله، فأصبح كثير منهم فِي ديارهم جاثمين، وأصبح الباقون ينظرون فِي آثار نِقَمِه، وزوال نِعَمِه، ومساكن خاوية فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم، وأصبحتم بعدهم فِي أجل منقوص، ودنيا مقبوضة، فِي زمان قد ولّى عفوُهُ، وذهب رخاؤه، فلم يبق مِنْهُ إلا حمّة شرّ، وصبابة كدر، وأهاويل غير، وعقوبات عبر، وإرسال فتن، وتتابع زلازل، ورذالة خلف بهم ظهر الفساد، فلا تكونوا أشباهًا لمن خدعه الأمل، وغرّه طول الأجل، جعلنا الله وإياكم ممن وعى وانتهى وعقل مثواه فمهّد لنفسه. -[126]-
وقال عامر بْن يسّاف: سَمِعْت الأوزاعي يَقُولُ: إذا بلغك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث فإياك أن تقول بغيره.
وقال أبو إسحاق، عَن الأوزاعي: كَانَ يقال: خَمْسٌ كَانَ عليها الصحابة والتابعون لَهُم بإحسان: لزوم الجماعة، واتّباع السُّنَّةِ، وعمارة المسجد، والتلاوة، والجهاد.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام.
وعن الأوزاعي قَالَ: كنا نتحدث أَنَّهُ مَا ابتدع أحد بدعة إلى سُلِب ورعُه.
وعن عنبسة بْن سعيد أَنَّهُ قَالَ: مَا ابتدع رَجُل إلا غلّ صدره عَلَى المسلمين.
وقال أَبُو توبة الحلبي: سَمِعْت سلمة بْن كلثوم يَقُولُ: كتب أَبُو حنيفة إِلَى الأوزاعي تسعين مسألة فما أجاب منها إلا بمسألتين.
وقال أَبُو إسحاق الفزاري: قَالَ الأوزاعي: إنا لا ننقم عَلَى أَبِي حنيفة أَنَّهُ رأى، كلنا نرى، ولكننا ننقم عَلَيْهِ أَنَّهُ رأى الشيء عَن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فخالفه.
وقال الأوزاعي فيما سمعه مِنْهُ الوليد بْن مزيد: إن المؤمن يَقُولُ قليلا، ويعمل كثيرًا، وإن المنافق يَقُولُ كثيرًا، ويعمل قليلا.
وقال الأوزاعي: سَمِعْت يحيى بْن أبي كثير يقول: العالم من خشي الله، وخشيةُ الله الورع.
قَالَ سَالِمُ بْنُ جنادة: حدثنا أَبُو سَعِيدٍ التَّغْلِبِيُّ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ، وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْمَنْصُورِ أَرَادَ أَهْلُ الثُّغُورِ أَنْ يُعِينُوهُ عَلَيْهِمَا فَأَبَوْا ذَلِكَ، فَوَقَعَ فِي يَدِ مَلِكِ الرُّومِ أُلُوفٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَسْرَى، وَكَانَ مَلِكُ الرُّومِ يُحِبُّ أَنْ يُفَادِي بِهِمْ، وَيَأْبَى أَبُو جَعْفَرٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الأَوْزَاعِيُّ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ اسْتَرْعَاكَ هَذِهِ الأُمَّةَ لِتَكُونَ فِيهَا بِاللِّينِ قَائِمًا وَبِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَفْضِ الْجَنَاحِ وَالرَّأْفَةِ مُتَشَبِّهًا، وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُسَكِّنَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ دَهْمَاءَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَيَرْزُقُهُ رَحْمَتَهَا، فَإِنَّ سَائِخَةَ الْمُشْرِكِينَ وَمَوْطِأَهُمْ حَرِيمُ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِنْزَالَهُمُ الْعَوَاتِقَ مِنَ الْمَعَاقِلِ لا يَلْقَوْنَ لَهُنَّ نَاصِرًا وَلا عَنْهُنَّ مُدَافِعًا، كاشفات عن رءوسهن وأقدامهن، وكان ذلك من -[127]- الله بمرأى وبمسمع، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلْيَسْعَ بِالْمُفَادَاةِ فِيهِمْ مِنَ اللَّهِ سَبِيلا، وَلْيَخْرُجْ مِنْ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ: " وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرجال والنساء والولدان " " إلا المستضعفين مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا "، وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لَهُمْ يَوْمَئِذٍ فَيْءٌ مَوْقُوفٌ، وَلا ذِمَّةٌ تُؤَدِّي خَرَاجًا إِلا خَاصَّةُ أَمْوَالِهِمْ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنِّي لأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فِي الصَّلاةِ فَأَتَجَوَّزُ فِيهَا مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ "، وَكَيْفَ بِتَخْلِيَتِهِمْ فِي أَيْدِي عَدُوِّهِمْ يَمْتَهِنُونَهُمْ وَيَطَئُونَهُمْ، وَأَنْتَ رَاعٍ وَاللَّهُ فَوْقَكَ وَمُسْتَوْفٍ مِنْكَ يَوْمَ تُوضَعُ الْمَوَازِينُ الْقِسْطُ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ كِتَابُهُ أَمَرَ بِالْفِدَاءِ.
الْوَلِيدُ بْنُ مَزْيَدَ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: وَيْلٌ لِلْمُتَفَقِّهِينَ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ، وَالْمُسْتَحِلِّينَ الحرمات بالشبهاب.
وقال محمد بن خلف بن المرزبان: حدثنا أبو نشيط محمد بن هارون، قال: حدثنا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: اجْتَمَعَ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبَّادُ بْنُ كثير بمكة فقال سفيان الثوري للأوزاعي: " حدثنا يا أبا عمر حَدِيثَكَ " مَعَ عَبْد اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: نَعَمْ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ، وَقَتَلَ بَنِي أُمَيَّةَ فجلس يوما على سريره، وعبأ أَصْحَابَهُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: مَعَهُمُ السُّيُوفُ مِسَلَّلَةً صِنْفٌ، ومعهم الجزرة صنف، ومعهم الأعمدة صنف، ومعهم الكافركوب صِنْفٍ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ فَلَمَّا صِرْتُ بِالْبَابِ أَنْزَلُونِي عَنْ دَابَّتِي، وَأَخَذَ اثْنَانِ بِعَضُدِي، ثُمَّ أَدْخَلُونِي بَيْنَ الصُّفُوفِ حَتَّى أَقَامُونِي مُقَامًا يُسْمِعُ كَلامِي، فَسَلَّمْتُ فَقَالَ لِي: أَنْتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ أَصْلَحَ اللَّهُ الأمير، قَالَ: مَا تَقُولُ فِي دِمَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ؟ فَسَأَلَنِي مَسْأَلَةَ رَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلا، فَقُلْتُ: قَدْ كَانَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ عُهُودٌ، -[128]- فَقَالَ: وَيْحَكَ اجْعَلْنِي وَإِيَّاهُمْ لا عَهْدَ بَيْنَنَا، مَا تَقُولُ فِي دِمَائِهِمْ؟ فَأَجْهَشَتْ نَفْسِي، وَكَرِهْتُ الْقَتْلَ، فَذَكَرْتُ مُقَامِي بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فَلَفَظْتُهَا، فَقُلْتُ: دِمَاؤُهُمْ عَلَيْكَ حَرَامٌ، فَغَضِبَ وَانْتَفَخَتْ عَيْنَاهُ وَأَوْدَاجُهُ، وَقَالَ: وَيْحَكَ، وَلِمَ ذَاكَ؟ قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: ثَيِّبٍ زَانٍ، وَنَفْسٍ بِنَفْسٍ، وَتَارِكٍ لِدِينِهِ " قَالَ: وَيْحَكَ أَوَلَيْسَ الأَمْرُ لَنَا دِيَانَةً؟ قلت: كيف ذاك؟ قال: أليس كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصى إلى علي؟ قلت: لَوْ أَوْصَى إِلَيْهِ لَمَا حَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ، فَسَكَتَ وَقَدِ اجْتَمَعَ غَضَبًا، فَجَعَلْتُ أَتَوَقَّعُ رَأْسِي يَقَعُ بَيْنَ يَدَيَّ، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا: أَوْمَأَ أَنْ أَخْرِجُوهُ، فَخَرَجْتُ فَرَكِبْتُ، وَسِرْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَإِذَا فَارِسٌ فَنَزَلْتُ، وَقُلْتُ: قَدْ بَعَثَ لِيَأْخُذَ رَأْسِي، أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَكَبَّرْتُ فَجَاءَ وَأَنَا قَائِمٌ أُصَلِّي فَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّ الأَمِيرَ قَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ، قَالَ: فَفَرَّقْتُهَا قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ منزلي.
وقال يعقوب بن شيبة: حدثنا أبو عبد الملك بن الفارسي عبد الرحمن بن عبد العزيز، قال: حدثنا الفريابي، قال: حدثنا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ قَتْلِ بَنِي أُمَيَّةَ بَعَثَ إِلَيَّ، وكان يومئذ قتل نيفا وسبعين بالكافركوبات فقال: ما تقول في دمائهم؟ فحدت، قال: أجب، قال: وَمَا لَقِيتُ مِثْلَهُ مُفَوَّهًا قَطُّ، فَقُلْتُ: كَانَ لَهُمْ عَلَيْكَ عَهْدٌ، قَالَ: فَاجْعَلْنِي وَإِيَّاهُمْ وَلا عهد، مَا تَقُولُ فِي دِمَائِهِمْ؟ قُلْتُ: حَرَامٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. . . الْحَدِيثَ " قَالَ: وَلِمَ؟ وَيْلَكَ! أَلَيْسَتِ الْخِلافَةُ وَصِيَّةً مِنْ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاتَلَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ بِصِفِّينَ؟ قُلْتُ: لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً مَا رَضِيَ بِالْحَكَمَيْنِ، قَالَ: فَنَكَّسَ ثُمَّ نَكَّسْتُ ثُمَّ قُلْتُ: الْبَوْلُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنِ اذْهَبْ، فَجَعَلْتُ لا أَخْطُو خُطْوَةً إِلا ظَنَنْتُ أَنَّ رَأْسِيَ تَقَعُ عِنْدَهَا.
هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ: سمعت أحمد بن الغمر يقول: لما جلت الْمِحْنَةُ الَّتِي نَزَلَتْ بِالأَوْزَاعِيِّ إِذْ نَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ حُمَاةَ طَلَبَهُ، قَالَ: فَنَزَلَ عَلِيَّ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ بِحِمْصَ فَلَمْ يَزَلْ ثَوْرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْقَدَرِ مِنْ بَعْدِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ، وَأَنَا سَاكِتٌ ثُمَّ صَلَّيْتُ، وَأَتَيْتُ حُمَاةَ فَأُدْخِلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يَا أوزاعي أيعد مقامنا هذا -[129]- وَمَسِيرَنَا رِبَاطًا؟ فَقُلْتُ: جَاءَتِ الآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. . . الْحَدِيثَ ".
وقال عتبة بن حماد القارئ: حدثنا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ فَاشْتَدَّ عَلَيَّ فَأُدْخِلْتُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي مَخْرَجِنَا هَذَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ قَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ مَوَدَّةٌ، قَالَ: لِتُخْبِرْنِي، فَفَكَّرْتُ ثم استبسلت لِلْمَوْتِ فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَسَاقَ حَدِيثَ " الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ "، قَالَ: وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ يَنْكُتُ بِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ مَا تَقُولُ فِي قَتْلِ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ؟ فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيمٌ فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ دَاوُدَ مَوَدَّةٌ، فَقَالَ: هِيهْ لِتُحَدِّثَنِي، فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا يَحِلُّ قَتْلَ مُسْلِمٍ إِلا فِي ثَلاثٍ " فَأَطْرَقَ هَوِيًّا، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنِ الخلافة وصية لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: لَوْ كَانَ وَصِيَّةً مَا تَرَكَ عَلَيَّ أَحَدًا يَتَقَدَّمُهُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي أَمْوَالِ بَنِي أمية؟ فقلت: إن كانت لهم حلالا فَهِيَ عَلَيْكَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ فَهِيَ عَلَيْكَ أَحْرَمُ - أَيْ فَرُدَّهَا إِلَى أَهْلِهَا - ثُمَّ أَمَرَنِي فَأُخْرِجْتُ.
قَالَ عَبْد الوهاب بْن نجدة: حدثنا أَبُو الأسوار محمد بْن عمر التنوخي، قَالَ: كتب أَبُو جعفر إِلَى الأوزاعي: أما بعد فقد جعل أمير المؤمنين فِي عنقك مَا جعل الله لرعيته فِي عنقه فاكتب إِلَيْهِ بما رأيت فِيهِ المصلحة، فكتب إِلَيْهِ: عليك يَا أمير المؤمنين بتقوى الله، وتواضع يرفعك الله يوم يضع المتكبّرين، واعلم أن قرابتك مِنْ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لن تزيد حق الله عليك إلا عظما، ولا طاعته إلا وجوبًا.
وقال يحيى بْن أيوب المقابري: حدثنا الحواري بْن أَبِي الحواري قَالَ: دخل الأوزاعي عَلَى المنصور فلما أراد أن ينصرف استعفى من لبس السواد فأجابه، فسئل الأوزاعي فَقَالَ: لم يُحْرِم فِيهِ مُحْرِم، ولا كُفِّن فِيهِ مَيِّتٌ، ولم تُزَيَّنْ فِيهِ عروس. -[130]-
قَالَ عَبْد الحميد بْن بكار: سَمِعْت ابْن أَبِي العشرين يَقُولُ: سَمِعْت أمير الساحل يَقُولُ - وقد دفنّا الأوزاعي -: رَحِمك الله أبا عمرو، لقد كنت أخافك أكثر ممن ولاني.
وقال محمد بْن عُبَيْد الطنافسي: كنت جالسًا عند الثوري فجاءه رَجُل فَقَالَ: رأيت كأنّ رَيْحانة من المغرب قُلِعت، قَالَ: إن صَدَقَتْ رؤياك فقد مات الأوزاعي، فكتبوا ذَلِكَ فوجد موته فِي ذَلِكَ اليوم.
قَالَ أحمد بْن عيسى المصري: حدثني خيران بْن العلاء، وكان من خيار أصحاب الأوزاعي قَالَ: دخل الأوزاعي الحمام وكان لصاحب الحمام حاجة فأغلق عَلَيْهِ، وذهب ثُمَّ جاء فوجده ميتًا مستقبل القبلة.
وقال أَبُو مسهر: بلغنا موت الأوزاعي، وأن زوجته أغلقت عَلَيْهِ باب الحمام غير متعمّدة فمات، فأمرها سعيد بْن عَبْد العزيز بعتق رقبة، ولم يخلف إلا ستة دنانير فضلت من عطائه، وكان قد اكتتب فِي ديوان الساحل.
أَبُو فروة يزيد بْن محمد الرهاوي: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: قلت لعيسى بْن يونس: أيمّا أفضل الأوزاعي أو الثوري؟ فَقَالَ لِي: وأين أنت من سفيان؟ قُلْتُ: ذهبت بِهِ العراقية، الأوزاعي وفقهه وفضله وعلمه، فغضب، وقال: أتراني أؤثر عَلَى الحق شيئًا؟! سَمِعْت الأوزاعي يَقُولُ: مَا أخذنا العطاء حَتَّى شهدنا عَلَى عليّ بالنفاق، وتبّرأنا مِنْهُ، وأخذ علينا بذاك العتاق والطلاق وأَيْمان البيعة، قَالَ: فلما عقلت أمري سَأَلْتُ مكحولا، ويحيى بْن أَبِي كثير، وَعَطَاءِ بْن أَبِي رَبَاحٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد بْن عمير، فقالوا: ليس عليك شيء إنما أنت مكره، قال: فلم تقر نفسي حَتَّى فارقت نسائي، وأعتقت رقيقي، وخرجت من مالي، وكفرت أَيْماني، فأَخْبِرْني: أَسُفْيان كَانَ يفعل ذَلِكَ؟ سمعها الحاكم من أَبِي علي الحافظ قال: أخبرنا مكحول ببيروت، قال: حدثنا أَبُو فروة.
العباس بْن الوليد بْن مزيد: حدثنا أبو عبد الله بْن فلان، قَالَ: سَمِعْت الأوزاعي يَقُولُ: نترك من قول أهل العراق خمسًا، ومن قول أهل الحجاز خمسًا، فمن قول أهل العراق: شرب المُسْكِر، والأكل عند الفجر فِي رمضان، ولا جمعة إلا فِي سبعة أمصار، وتأخير العصر حَتَّى يصير ظل كل شيء أربعة أمثاله، والفرار يوم الزحف. ومن قول أهل الحجاز: استماع الملاهي، -[131]- والجمع بين الصلاتين من غير عذر، والمتعة بالنساء، والدرهم بالدرهمين، والدينار بالدينارين مداينة، وإتيان النساء فِي أدبارهن.
قَالَ العباس بْن الوليد: سَمِعْت عقبة بْن علقمة، قَالَ: كَانَ سبب موت الأوزاعي أَنَّهُ خضّب ودخل حمّاما لَهُ فِي منزله، وأدخلت معه امرأته كانونًا فِيهِ فحم ليدفأ، وأغلقت عَلَيْهِ، فهاج الفحم وضعفت نفسه، وعالج الباب ليفتحه فامتنع عَلَيْهِ، فألقى نفسه فوجدناه موسدا ذراعه إلى القبلة.
قال العباس بن الوليد: وحدثنا سالم بْن المنذر، قَالَ: لما سَمِعْت الصيحة بوفاة الأوزاعي خرجت، فأول من رأيت نصرانيًا قد ذرّ عَلَى رأسه الرماد، قَالَ: فلم يزل المسلمون يعرفون ذَلِكَ لَهُ، وخرج فِي جنازته اليهود ناحية، والنصارى ناحية والقبط.
اتفقوا عَلَى وفاة الأوزاعي سنة سبع وخمسين ومائة، زاد بعضهم: فِي صفر - رضي الله عَنْهُ -.
ولقد كَانَ مذهب الأوزاعي ظاهرًا بالأندلس إِلَى حدود العشرين ومائتين، ثُمَّ تناقص، واشتهر مذهب مالك بيحيى بن يحيى الليثي. وكان مذهب الأوزاعي أيضًا مشهورًا بدمشق إِلَى حدود الأربعين وثلاث مائة، وكان القاضي أبو الحسن ابن حذلم لَهُ حلقة بجامع دمشق يشغل فيها لمذهب الأوزاعي.

نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 4  صفحه : 120
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست