responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 4  صفحه : 106
140 - أَبُو جعفر المنصور: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْد الله بْن عباس القرشيُّ الهاشميُّ العباسيُّ، [الوفاة: 151 - 160 ه]
أمير المؤمنين، وأمه سلامة البربرية.
ولد فِي سنة خمس وتسعين أو فِي حدودها.
وَرَوَى عَنْ: أبيه، ورأى جده،
وَعَنْهُ: ولده المهدي.
وكان قبل أن يلي الإمامة يقال لَهُ: عَبْد الله الطويل ضرب فِي الآفاق إِلَى الجزيرة، والعراق، وأصبهان وفارس.
قَالَ أَبُو بكر الجعابي: كان المنصور يلقب فِي صغره بمدرك التراب. أتته البيعة بالخلافة بعد موت أخيه السفاح، وهو بمكة بعهد السفاح لما احتضر إِلَيْهِ، فوليها اثنتين وعشرين سنة.
وكان أسمر، طويلا، نحيفًا، مهيبًا، خفيف العارضين، معرق الوجه، رحب الجبهة، يخضّب بالسواد، كأنّ عينيه لسانان ناطقان، تخالطه أُبَّهة المُلْك، بزيّ النُّسّاك، تقبله القلوب، وتتبعه العيون، وكان أقنى الأنف بين القنا.
وقد مر من أخباره فِي الحوادث مَا يدلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فحل بني العباس هيبة وشجاعة وحزمًا ورأيًا وجبروتًا، وكان جمّاعًا للمال تاركًا للَّهو واللعب، كامل العقل، جيّد المشاركة فِي العلم والأدب، فقيه النفس، قتل خلقًا كثيرًا حَتَّى استقام ملكه، وكان فِي الجملة يرجع إِلَى عدل، وديانة، وله حظ من صلاة وتديّن، وكان فصيحًا بليغًا مُفَوَّهًا خليقًا للإمارة.
وقد ولي بعض كور فارس فِي شبيبته لعاملها سُلَيْمَان بْن حبيب بْن المهلّب الأزدي، ثُمَّ عزله وضربه ضربا مبرحا لكونه احتجن المال لنفسه، ثُمَّ أغرمه المال، فلما ولي المنصور الخلافة ضرب عنقه.
وكان المنصور يُلقَّب أبا الدوانيق لتدقيقه، ومحاسبته العمال والصُنّاع عَلَى الدوانيق والحبّات، وكان مَعَ هَذَا ربما يعطي العطاء العظيم.
قَالَ أَبُو إسحاق الثعالبي: وعلى شهرة المنصور بالبخل ذكر محمد بْن -[107]- سلام أَنَّهُ لم يعط خليفة قبل المنصور عشرة آلاف ألف دارت بها الصُّكّاك، وثبتت فِي الدواوين فإنه أعطى فِي يوم واحد كل واحد من عمومته عشرة آلاف ألف درهم.
قُلْتُ: وقد حدّث عَن عطاء بْن أَبِي رباح يسيرًا، وقد خلف يوم مات فِي بيوت الأموال تسع مائة ألف ألف درهم وخمسين ألف ألف درهم.
وَرَوَى يَحْيَى بن غيلان، ثقة، قال: حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مِنَّا السَّفَّاحُ، وَمِنَّا الْمَنْصُورُ ".
وَقَالَ علي بن الجعد، وأبو النضر: حدثنا زهير بن معاوية، قال: حدثنا مَيْسَرَةُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: " مِنَّا السَّفَّاحُ، وَمِنَّا الْمَنْصُورُ، وَمِنَّا الْمَهْدِيُّ ".
فَهَذَا إِسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَالَّذِي قَبْلَهُ مُنْكَرٌ وَهُوَ منقطع، ويروى نحوه بإسناد آخر عَنِ الْمِنْهَالِ.
قَالَ أَبُو سهل بْن علي بْن نوبخت: كَانَ جدّنا نوبخت المجوسيّ نهاية فِي التنجيم فسجن بالأهواز: فَقَالَ رأيت أبا جعفر وقد أدخل السجن فرأيت من هيبته وجلالته وحسن وجهه مَا لم أره لأحد، فَقُلْتُ لَهُ: وحق الشمس والقمر إنك لَمِنْ وَلَد صاحب المدينة، قَالَ: لا ولكني من عرب المدينة، قَالَ: فلم أزل أتقرب إِلَيْهِ وأَخدمه حَتَّى سألته عَن كنيته، فَقَالَ: أَبُو جعفر، فَقُلْتُ: وحق المجوسية لتملكنّ، قَالَ: وما يدريك؟ قُلْتُ: هُوَ كَمَا أقول، فاذْكُرْ هَذِهِ البشري، قَالَ: إن قُضي شيء فسيكون، قُلْتُ: قد قضاه الله من السماء، فقدمت دواة فكتب لِي: يَا نوبخت إذا فتح الله ورد الحق إلى أهله لم نغفل عنك وكتب أَبُو جعفر. فلما استخلف صرت أليه فأخرجت الكتاب فَقَالَ: أَنَا لَهُ ذاكر، ولك متوقّع فالحمد لله، فأسلم نوبخت فكان منجّمًا لأبي جعفر، ومولى.
قَالَ إِبْرَاهِيم بْن عبد الصّمد بْن موسى بْن محمد الهاشمي: حدّثني أَبِي، قال: حدثنا أَبِي، عَن أبيه قَالَ: قَالَ لنا المنصور: رأيت كأني في الحرم وكأن رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الكعبة، وبابها مفتوح فنادى مناد: أين عَبْد الله؟ فقام أخي أبو -[108]- العباس حَتَّى صار عَلَى الدرجة، فأدخل فما لبث أن خرج ومعه قناة عليها لواء أسود قدر أربعة أذرع، ثُمَّ نودي: أين عَبْد الله؟ فقمت إِلَى الدرجة فأصعدت، وَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبو بكر، وعمر، وبلال فعقد لِي، وأوصاني بأُمَّتِه، وعمَّمني بعمامة، وكان كورها ثلاثة وعشرين، وقال: " خذها إليك أبا الخلفاء إِلَى يوم القيامة ".
وقال الربيع بْن يونس الحاجب: سَمِعْت المنصور يَقُولُ: الخلفاء أربعة: أَبُو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، والملوك: معاوية، وعبد الملك، وهشام، وأنا.
قَالَ شباب: أقام الحج للناس أَبُو جعفر سنة ست وثلاثين، وسنة أربعين، وسنة أربع وأربعين، وسنة اثنتين وخمسين، زاد الفسوي: أَنَّهُ حج أيضًا سنة سبع وأربعين ومائة.
قال أبو العيناء: حدثنا الأصمعي أن المنصور صعد المنبر فشرع فِي الخطبة فقام إِلَيْهِ رَجُل فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين أذكر من أنت فِي ذكره، فَقَالَ لَهُ: مرحبًا لقد ذكرت جليلا، وخوَّفت عظيمًا، وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قِيلَ لَهُ: اتق الله أخذته العزّة بالإِثم، والموعظة منا بدت، وعنّا خرجت، وأنت يَا قائلها فأحلف بالله مَا الله أردت، أنما أردت أن يقال: قام فَقَالَ فعوقب فصبر، فأهون بها من قائلها، وأهتبلها الله، ويلك إني غفرتها، وإياكم معشر الناس وأمثالها، ثُمَّ عاد إِلَى خطبته، وكأنما يقرأ من كتاب.
وقال الزبير: حدثني مبارك الطبري، سَمِعْت أبا عُبَيْد الله الوزير، سَمِعَ المنصور يَقُولُ: الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعيّة لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم عَلَى العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظَلَمَ مَن هُوَ دونه. -[109]-
قَالَ الفريابي محمد بْن يوسف: قَالَ عبّاد بْن كثير لسفيان: قُلْتُ لأبي جعفر: أتؤمن بالله؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فحدّثني عَن الأموال الَّتِي اصطفيتموها من بني أمية، فَوَالله لئن كانت صارت إليهم ظلما، وغصبا لما رددتموها إِلَى أهلها الَّذِينَ ظُلموا، ولئن كَانَت لَهُم لقد أخذتم مَا لا يحلّ لكم، إذا دُعَيت يوم القيامة بنو أمية بالعدل جاءوا بعمر بْن عَبْد العزيز، فإذا دُعيتم أنتم لم تجيئوا بأحد، فكنْ أنتَ ذَلِكَ الأحد، فقد مضت من خلافتك ست عشرة سنة، وما رأينا خليفة بلغ اثنتين وعشرين سنة، فهبْك تبلغها فما ست سنين؟ قَالَ: يَا أبا عَبْد الله مَا أجد أعوانًا، قُلْتُ: علي عونك بغير مرزئة، أنت تعلم أن أبا أيوب المورياني يريد منك كل عام بيت مال، وأنا أجيئك بمن يعمل بغير رزق، آتيك بالأوزاعي تقلّده كَذَا، وبالثوري تقلّده كَذَا، وأنا بينك وبين الناس أبلّغك عنهم، وأبلّغهم عنك، فَقَالَ: حَتَّى أستكمل بناء بغداد، فأخْرُجُ إِلَى البصرة، وأوجّه إليك.
فَقَالَ لَهُ سفيان الثوري: ولِمَ ذكرتني لَهُ؟ قَالَ: واللهِ مَا أردت إلا النُّصح للأمة، ثُمَّ قَالَ لسفيان: ويل لمن دخل عليهم إذا لم يكن كبير العقل كثير الفهم كيف يكون فتنته عليهم وعلى الأمة.
ويقال: أن عمرو بْن عُبَيْد رأس المعتزلة دخل عَلَى المنصور ووعظه، فبكى المنصور، وقال: يَا أبا عثمان هل من حاجة؟ وكان يدني عمرًا، ويكرمه، ويجلّه قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وما هِيَ؟ قَالَ: لا تبعث إليّ حَتَّى آتيك، قَالَ: إذن لا نلتقي، قَالَ: عَن حاجتي سألتني، ثُمَّ نهض فلما ولّى أمدّه بصره وهو يَقُولُ:
كُلُّكُمْ يَمْشِي رُوَيْد ... كُلُّكُمْ يَطْلُبُ صَيْد
غَيْرَ عمرو بْن عُبَيْد
قَالَ عَبْد السلام بْن حرب: أمر لَهُ بمال فردَّه، فَقَالَ المنصور: والله لتقبلّنه، قَالَ: والله لا أقبله، فَقَالَ لَهُ المهدي: أمير المؤمنين يحلف فتحلف! قَالَ: أمير المؤمنين أقوى على الكفارة من عمك.
أبو خليفة: حدثنا محمد بن سلام قال: قيل للمنصور: هلى بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله؟ قَالَ: بقيت خصلة: أن أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث فَيَقُولُ المستملي: من ذكرت رحمك الله، قَالَ فغدا عَلَيْهِ -[110]- النُّدماء وأبناء الوزراء بالمحابر والدفاتر، فَقَالَ: لستم بهم إنما هم الدنية ثيابهم، المشقّقة أرجلهم، الطويلة شعورهم، برد الآفاق، ونقلة الحديث.
الصولي: حدثنا أحمد بْن يحيى، عَن محمد بْن إسماعيل، عَن أبيه قَالَ: قَالَ عَبْد الصمد بْن علي للمنصور: يا أمير المؤمنين لقد هجمت بالعقوبة حَتَّى كأنك لم تسمع بالعفو، قَالَ: لأن بني أمية لم تُبْلَ رمَمُهُم، وآل أَبِي طالب لم تُغْمَد سيوفهم، ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوُقة، واليوم خلفاء، فليس تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو.
وَرُوِيَ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عروة دَخَل عَلَى الْمَنْصُورِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ عَنِّي دَيْنِي، قَالَ: فَكَمْ دَيْنُكَ؟ قَالَ: مِائَةُ أَلْفٍ، قَالَ: وَأَنْتَ فِي فِقْهِكَ وَفَضْلِكَ تَأْخُذُ مِائَةَ أَلْفٍ لَيْسَ عِنْدَكَ قَضَاؤُهَا! قَالَ: شَبَّ فَتَيَانِ لِي فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُبَوِّئَهُمْ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْتَشِرَ عَلَيَّ مِنْ أَمْرِهِمْ فَبَوَّأْتُهُمْ، وَاتَّخَذْتُ لَهُمُ مَنَازِلَ، وَأَوْلَمْتُ عَنْهُمْ ثِقَةً بِاللَّهِ وَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَرَدَّدَ عَلَيْهِ: مِائَةَ ألف، استكثارا لَهَا، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِعَشَرَةِ آلافٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِنِي مَا تُعْطِي، وَأَنْتَ طَيِّبُ النَّفْسِ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً وَهُوَ بِهَا طَيِّبُ النَّفْسِ بُورِكَ لِلْمُعْطِي وَالْمُعْطَى " قَالَ: فَإِنِّي طَيِّبُ النَّفْسِ بِهَا، فَأَهْوَى هِشَامٌ إِلَى يَدِ الْمَنْصُورِ يقبلها فمنعه، وقال: إِنّا نُكَرِّمُكَ عَنْهَا، وَنُكَرِّمُهَا عَنْ غَيْرِكَ.
وروي عَن الربيع قَالَ: لما مات المنصور دُرْنا فِي الخزائن أَنَا والمهديّ، فرأينا فِي بيت أربع مائة حب مسدودة الرءوس فإذا فيها أكباد ممّلحة أعدّها للحصار.
وذكر الرياشي عَن محمد بْن سلام أن جارية رأت قميصًا للمنصور مرقوعًا فأنكرت ذَلِكَ فَقَالَ: ويحك أما سَمِعْت قول ابْن هرمة:
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خَلِقٌ وجَيْب قميصه مرقوع
وروى عمر بْن شبة، وروى عَن المدائني، وغيره أن المنصور لما احتضر قَالَ: اللهم إِنِّي قد ارتكبت الأمور العظام جراءة مني عليك، وقد -[111]- أطعتك فِي أحب الأشياء إليك شهادة أن لا إله إلا الله مَنًّا منك لا منا عليك، ومات، وقد كَانَ المنصور رأى منامًا يدل عَلَى قرب الأجل فتهيّأ وسار للحج.
قَالَ هشام بْن عمار: حدثنا الهيثم بن عمران أن المنصور مات بالبطن بمكة.
وقال خليفة، والهيثم، وغيرهما: عاش أربعًا وستين سنة.
وقال الصولي: دُفن مَا بين الحَجُون وبئر ميمون فِي ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة.

نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 4  صفحه : 106
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست