مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
العربیة
راهنمای کتابخانه
جستجوی پیشرفته
همه کتابخانه ها
صفحهاصلی
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
همهگروهها
نویسندگان
الحدیث
علوم الحديث
العلل والسؤالات
التراجم والطبقات
الأنساب
همهگروهها
نویسندگان
مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
صفحهبعدی»
صفحهآخر»»
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
بعدی»
آخر»»
نام کتاب :
تاريخ الإسلام - ت بشار
نویسنده :
الذهبي، شمس الدين
جلد :
3
صفحه :
781
-سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ.
تُوُفِّيَ فِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، وَأَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ قَتْلا، وَالأَجْلَحُ الْكِنْدِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأُنَيْسُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيُّ، وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ ثَوْبَانَ، وَالْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ الْحَسَنِ فِي سِجْنِ الْمَنْصُورِ، وَرُؤْبَةُ بْنُ -[782]- الْعَجَّاجِ التَّمِيمِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ الأَسْلَمِيُّ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى عَفْرَةَ، وَعَمْرُو بْنُ ميمون بن مهران الجزري، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدِّيبَاجُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فِي قَوْلٍ، وَيَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ الذِّمَارِيُّ، وَنَصْرُ بْنُ حَاجِبٍ الْخُرَاسَانِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ.
وَفِيهَا بَالَغَ رِيَاحٌ وَالِي الْمَدِينَةِ فِي طلب محمد بن عبد الله حتى أحرجه. فَعَزَمَ عَلَى الظُّهُورِ، فَدَخَلَ مَرَّةً الْمَدِينَةَ خُفْيَةً. فَعَنِ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ قَدْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا: مَا تَنْتَظِرُ بِالْخُرُوجِ، وَاللَّهِ مَا نَجِدُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةَ أَشْأَمَ عَلَيْهَا مِنْكَ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ، أخْرُجْ وَحْدَكَ، فَكَانَ مِنْ قِصَّتِهِ أَنَّ رِيَاحًا طَلَبَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَبَنِي عَمِّهِ وَجَمَاعَةً مِنْ وُجُوهِ قُرَيْشٍ لَيْلَةً، قال راوي القصة: إنا لعنده، إذ سمعنا التَّكْبِيرَ فَقَامَ رِيَاحٌ فَاخْتَفَى وَخَرَجْنَا نَحْنُ فَكَانَ ظُهُورُ مُحَمَّدٍ بِالْمَدِينَةِ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ وَخَمْسِينَ رَجُلا، فَمَرَّ بِالسُّوقِ، ثُمَّ مَرَّ بِالسِّجْنِ، فَأَخْرَجَ مَنْ فِيهِ، وَدَخَلَ دَارَهُ وَأَتَى عَلَى حِمَارِهِ وذلك في أول رجب، ثم أمر بِرِيَاحٍ، وَابْنَيْ مُسْلِمٍ فَحُبِسُوا بَعْدَ أَنْ مَانَعَ أَصْحَابُ رِيَاحٍ بَعْضَ الشَّيْءِ. وَلَمَّا خَطَبَ مُحَمَّدٌ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ كَانَ مَنْ أَمْرِ هَذَا الطَّاغِيَةِ عَدُوِّ اللَّهِ أَبِي جَعْفَرٍ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكُمْ مِنْ بِنَائِهِ الْقُبَّةَ الْخَضْرَاءَ الَّتِي بَنَاهَا مُعَانَدَةً لِلَّهِ فِي مُلْكِهِ وَتَصْغِيرًا لِكَعْبَةِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ حِينَ قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْقِيَامِ فِي هَذَا الدِّينِ أَبْنَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، وَالأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ قَدْ فَعَلُوا وَفَعَلُوا فَاحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ: كَانَ الْمَنْصُورُ يَكْتُبُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن أَلْسُنِ قُوَّادُهُ يَدْعُونَهُ إِلَى الظُّهُورِ وَيُخْبِرُونَهُ أَنَّهُمْ مَعَهُ فَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ: لَوِ الْتَقَيْنَا لَمَالَ إِلَيَّ الْقُوَّادُ كُلُّهُمْ، وَقَدْ خَرَجَ مَعَهُ مثل ابن عَجْلانَ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: خَرَجَ ابْنُ عَجْلانَ مَعَهُ فَلَمَّا قُتِلَ، وَوَلِيَ الْمَدِينَةَ -[783]- جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَتَوْهُ بِابْنِ عَجْلانَ فَكَلَّمَهُ جَعْفَرٌ كَلامًا شَدِيدًا وَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ الْكَذَّابِ وَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهِ. فَلَمْ يَنْطِقْ إِلا أَنَّهُ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَقَامَ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَقَالُوا: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، إِنَّ ابْنَ عَجْلانَ فَقِيهُ الْمَدِينَةِ وَعَابِدُهَا، وَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَيْهِ وَظَنَّ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ الَّذِي جَاءَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ، وَلَمْ يَزَالُوا يَرْغَبُونَ إِلَيْهِ حَتَّى تَرَكَهُ.
وَلَزِمَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ضَيْعَةً لَهُ وَاعْتَزَلَ فِيهَا، وَخَرَجَ أَخَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَمْ يُقْتَلا، عَفَا عَنْهُمَا الْمَنْصُورُ. وَاخْتَفَى جَعْفَرٌ الصَّادِقُ وَذَهَبَ إِلَى مَالٍ لَهُ بِالْفَرْعِ مُعْتَزِلا لِلْفِتْنَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا اسْتَعْمَلَ عُمَّالَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنَ الْوُجُوهِ إِلا نَفَرٌ، مِنْهُمُ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ منذر الحزاميان، وَخُبَيْبُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
قَالَ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ مَالِكًا اسْتُفْتِيَ فِي الْخُرُوجِ مَعَ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ فِي أَعْنَاقِنَا بَيْعَةٌ لِلْمَنْصُورِ، فَقَالَ: إِنَّمَا بَايَعْتُمْ مُكْرَهِينَ وَلَيْسَ عَلَى مُكْرَهٍ يَمِينٌ، فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَى مُحَمَّدٍ وَلَزِمَ مَالِكٌ بَيْتَهُ.
قَالَ أَبُو داود السجستاني: كان سفيان الثوري يَتَكَلَّمُ فِي عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ لِخُرُوجِهِ مَعَ مُحَمَّدٍ وَيَقُولُ: إِنْ مَرَّ بِكَ الْمَهْدِيُّ وَأَنْتَ فِي الْبَيْتِ فَلا تَخْرُجْ إِلَيْهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ. وَذَكَرَ سُفْيَانُ صِفِّينَ فَقَالَ: مَا أَدْرِي أَخْطُأوا أَمْ أَصَابُوا.
وَقِيلَ: أَرْسَلَ مُحَمَّدٌ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ شَاخَ لِيُبَايِعَهُ فقال: يا ابن أَخِي، أَنْتَ وَاللَّهِ مَقْتُولٌ، كَيْفَ أُبَايِعُكَ؟ فَارْتَدَعَ النَّاسُ عَنْهُ قَلِيلا، فَأَتَتْهُ حَمَّادَةُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَتْ: يَا عَمِّ، إِنَّ إِخْوَتِي قَدْ أَسْرَعُوا إِلَى ابْنِ خَالِهِمْ فَلا تثبط عنه الناس فتقتل ابْنُ خَالِي وَإِخْوَتِي، فَأَبَى إِلا أَنْ يَنْهَى عَنْهُ، فَيُقَالُ: إِنَّهَا قَتَلَتْهُ، فَأَرَادَ مُحَمَّدٌ الصَّلاةَ عليه، فقال ابنه عبد الله: تقتل أَبِي وَتُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَنَحَّاهُ الْحَرَسُ وَصَلَّى مُحَمَّدٌ. ثُمَّ إِنَّهُ اسْتَعْمَلَ عَلَى مَكَّةَ الْحَسَنَ بْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَلَى الْيَمَنِ الْقَاسِمَ بْنَ إِسْحَاقَ، فَقُتِلَ الْقَاسِمُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا، وَاسْتَعْمَلَ -[784]- عَلَى الشَّامِ مُوسَى بْنَ عَبْدَةَ لِيَذْهَبَ إِلَيْهَا وَيَدْعُو إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُتِلَ مُحَمَّدٌ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ مُوسَى. وَكَانَ مُحَمَّدٌ شَدِيدَ الأَدَمَةِ جَسِيمًا فِيهِ تَمْتَمَةٌ.
وَرَوَى عَبَّاسُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُ قَالُوا: لَمَّا ظَهَرَ مُحَمَّدٌ قَالَ الْمَنْصُورُ لِإِخْوَتِهِ: إِنَّ هَذَا الأَحْمَقُ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ، وَكَانَ فِي سِجْنِهِ لا يَزَالُ يَطْلُعُ لَهُ الرَّأْيُ الْجَيِّدُ فِي الْحَرْبِ فَادْخُلُوا عَلَيْهِ فَشَاوِرُوهُ وَلا تُعْلِمُوهُ أَنِّي أَمَرْتُكُمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ جَمِيعًا، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: لِأَمْرٍ مَا جِئْتُمْ وَمَا جَاءَ بِكُمْ جَمِيعًا وَقَدْ هَجَرْتُمُونِي مِنْ دَهْرٍ؟ قَالُوا: اسْتَأْذَنَّا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَذِنَ لَنَا. قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ فَمَا الْخَبَرُ؟ قَالُوا: خرج مُحَمَّد. قال: فما ترون ابن سلامة صانعا، يعني المنصور، قَالُوا: لا نَدْرِي. قَالَ: إِنَّ الْبُخْلَ قَدْ قَتَلَهُ فَمُرُوهُ أَنْ يُخْرِجَ الأموال ويعط الأَجْنَادَ فَإِنْ غَلَبَ فَمَا أَوْشَكَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ مَالُهُ.
قَالَ: وَجَهَّزَ الْمَنْصُورُ عِيسَى بْنَ مُوسَى لِحَرْبِ مُحَمَّدٍ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} إِلَى قوله: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} الآيَةَ. وَلَكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَذِمَّتُهُ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ إِنْ تُبْتَ وَرَجَعْتَ أُؤَمِّنُكَ وَجَمِيعَ أَهْلِ بَيْتِكَ وَأَفْعَلُ لَكَ وَأُعْطِيكَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَا سَأَلْتَ مِنَ الْحَوَائِجِ، فَكَتَبَ جَوَابَهُ إِلَى الْمَنْصُورِ: مِنَ الْمَهْدِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أبي عَبْدِ اللَّهِ: {طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نتلو عَلَيْكَ} إِلَى قَوْلِهِ {مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} وَأَنَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ مِنَ الأَمَانِ مِثْلَ مَا عَرَضْتَ عَلَيَّ، فَإِنَّ الْحَقَّ حَقُّنَا، وَإِنَّمَا ادَّعَيْتُمْ هَذَا الأَمْرَ بِنَا، ثُمَّ ذَكَرَ شَرَفَهُ، وَأُبُوَّتَهُ حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: فَأَنَا ابْنُ أَرْفَعِ النَّاسِ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ، وَابْنُ أَهْوَنِهِمْ عَذَابًا فِي النَّارِ، وَأَنَا ابْنُ خَيْرِ الأَخْيَارِ، وَابْنُ خَيْرِ الأَشْرَارِ، وَابْنُ خَيْرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَابْنُ خَيْرِ أَهْلِ النَّارِ، وَأَنَا أَوْفَى بِالْعَهْدِ مِنْكَ لِأَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعَهْدِ وَالأَمَانِ مَا أَعْطَيْتَهُ رِجَالا قَبْلِي، فَأَيَّ الأَمَانَاتِ تُعْطِينِي! أَمَانُ ابْنِ هُبَيْرَةَ، أَمْ أَمَانُ عَمِّكَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ، أَمْ أَمَانُ أَبِي مُسْلِمٍ. -[785]-
فَأَجَابَهُ الْمَنْصُورُ: جَلَّ فَخَرَكَ بِقَرَابَةِ النِّسَاءِ، لِتَضِلَّ بِهِ الْغَوْغَاءُ، لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ النِّسَاءَ كَالْعُمُومَةِ، بَلْ جَعَلَ الْعَمَّ أَبًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ كَذَا، فَأَمْرُهُ كَذَا، وَلَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَهُ أَعْمَامٌ أَرْبَعَةٌ، فَأَجَابَ اثْنَانِ، أَحَدُهُمَا أَبِي، وَأَبَى اثْنَانِ، أَحَدُهُمَا أَبُوكَ، فَقَطَعَ اللَّهُ وِلايَتَهُمَا مِنْهُ، وَلا ينبغي لك ولا لمؤمن أن يفخر بالنار. وَفَخْرُكَ بِأَنَّكَ لَمْ تَلِدْكَ أَمَةٌ فَتَعَدَّيْتَ طَوْرَكَ وفخرت على من هو خير منك، إبراهيم ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَا خِيَارُ بَنِي أَبِيكَ إِلا بَنُو إِمَاءٍ، مَا وُلِدَ فِيكُمْ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَهُوَ لأُمِّ وَلَدٍ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ جَدِّكَ، وَمَا كَانَ فِيكُمْ بَعْدَهُ مِثْلُ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَجَدَّتُهُ أَمُّ وَلَدٍ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَبِيكَ، وَلا مِثْلُ ابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّكُمْ بَنُو رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}، وَلَكِنَّكُمْ بَنُو ابْنَتِهِ، وَأَمَّا مَا فَخَرْتَ بِهِ مِنْ عَلِيٍّ، وَسَابِقَتِهِ، فَقَدْ حَضَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْوَفَاةُ فَأَمَّرَ غَيْرَهُ بِالصَّلاةِ، ثُمَّ أَخَذَ النَّاسُ رَجُلا بَعْدَ رَجُلٍ فَلَمْ يَأْخُذُوهُ، وَكَانَ فِي سِتَّةِ أَهْلِ الشُّورَى فَتَرَكُوهُ، ثُمَّ قُتِلَ عُثْمَانُ، وَهُوَ بِهِ مُتَّهمٌ، وَقَاتَلَهُ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَأَبَى سَعْدٌ بَيْعَتَهُ وَأَغْلَقَ دُونَهُ بَابَهُ، ثُمَّ طَلَبَهَا بِكُلِّ وَجْهٍ، وَقَاتَلَ عَلَيْهَا، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ عَسْكَرُهُ، وَشَكَّ فِيهِ شِيعَتُهُ قَبْلَ الْحُكُومَةِ، ثُمَّ حَكَّمَ حَكَمَيْنِ رَضِيَ بِهِمَا وَأَعْطَاهُمَا عَهْدَهُ وَمِيثَاقَهُ، فَاجْتَمَعَا عَلَى خَلْعِهِ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ حَسَنٌ فَبَاعَهَا مِنْ مُعَاوِيَةَ بِدَرَاهِمَ وَثِيَابٍ وَلَحِقَ بِالْحِجَازِ، وَأَسْلَمَ شِيعَتَهُ بِيَدِ مُعَاوِيَةَ وَدَفَعَ الأَمْرَ إِلَى غَيْرِ أهله، وأخذ مالاً من غير ولاته، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فِيهَا شَيْءٌ فَقَدْ بِعْتُمُوهُ. ثم خرج الحسين بن عَلِيٍّ عَلَى ابْنِ مَرْجَانَةَ فَكَانَ النَّاسُ مَعَهُ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ، ثُمَّ خَرَجْتُمْ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ فَقَتَلُوكُمْ وَصَلَّبُوكُمْ حَتَّى قُتِلَ يَحْيَى بْنُ زيد بْنِ عَلِيٍّ بِخُرَاسَانَ، وَقَتَلُوا رِجَالَكُمْ وَأَسَرُوا الصِّبْيَةَ وَالنِّسَاءَ، وَحَمَلُوكُمْ بِلا وِطَاءٍ فِي الْمَحَامِلِ إِلَى الشَّامِ حَتَّى خَرَجْنَا عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ فَطَلَبْنَا بثأركم وأدركنا بدمائكم وفضلنا سلفكم فاتخذت ذَلِكَ عَلَيْنَا حُجَّةً، وَظَنَنْتُ إِنَّمَا ذَكَرْنَا أَبَاكَ وَفَضَّلْنَاهُ لِلتَّقْدِمَةِ مِنَّا لَهُ عَلَى حَمْزَةَ وَالْعَبَّاسِ، وجعفر، وليس -[786]- كَمَا ظَنَنْتُ، وَلَقَدْ خَرَجَ هَؤُلاءِ مِنَ الدُّنْيَا سَالِمِينَ، مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِمْ بِالْفَضْلِ، وَابْتُلِيَ أَبُوكُمْ بِالْقِتَالِ وَالْحَرْبِ، فَكَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ تَلْعَنُهُ كَمَا تَلْعَنُ الْكَفَرَةَ فِي الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ، فَاحْتَجَجْنَا لَهُ وَذَكَرْنَا فَضْلَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ أَخْرَجَ مِنَ السِّجْنِ بِالْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ الْقَسْرِيَّ، فَرَأَى الْقَسْرِيُّ أَنَّ الأَمْرَ ضَعِيفٌ، فَكَتَبَ إِلَى الْمَنْصُورِ فِي أَمْرِهِ فَبَلَغَ مُحَمَّدًا فَحَبَسَهُ.
قال ابن عساكر: ذبح ابن خضير أَحَدُ أَعْوَانِ مُحَمَّدٍ رِيَاحَ بْنَ عُثْمَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
وَأَمَّا ابْنُ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا مَضَى إِلَى مَكَّةَ كَانَ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا وَسَبْعَةِ أَفْرَاسٍ فَقَاتَلَ السَّرِيَّ أَمِيرَ مَكَّةَ فَقُتِلَ سَبْعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ السَّرِيِّ، فَانْهَزَمَ السَّرِيُّ وَدَخَلَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ مَكَّةَ فَخَطَبَ وَنَعَى إِلَيْهِمُ الْمَنْصُورَ، وَدَعَا لمحمد، ثم بعد أيام أتاه كتاب محمد يأمره باللحاق به، فجمع جموعاً تقدم بها على محمد، فَلَمَّا كَانَ بقَدِيدَ بَلَغَهُ مَصْرَعُ مُحَمَّدٍ فَانْهَزَمَ إلى البصرة فلحق بإبراهيم بن عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى قَتَلَ إِبْرَاهِيمَ.
وَنَدَبَ الْمَنْصُورُ لقتال محمد ابن عَمِّهِ عِيسَى بْنِ مُوسَى وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لا أُبَالِي أَيُّهُمَا قَتَلَ صَاحِبَهُ، فَجَهَّزَ مَعَ عيسى أربعة آلاف فارس، وفيهم محمد ابن السَّفَّاحِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى فَنْدَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي خِرَقِ الْحَرِيرِ يَتَأَلَّفُهُمْ، فَتَفَرَّقَ عَنْ مُحَمَّدٍ خَلْقٌ، وَسَارَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِتَلَقِّي عيسى والتحيز إليه، فاستشار محمد عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِضَعْفِ جَمْعِكَ وَقِلَّتِهِمْ، وَبِقُوَّةِ خَصْمِكَ وَكَثْرَةِ جُنْدِهِ، وَالرَّأْيُ أَنْ تَلْحَقَ بِمِصْرَ، فَوَاللَّهِ لا يَرُدُّكَ عَنْهَا رَادٌّ فَيُقَاتِلُ الرَّجُلُ بِمِثْلِ رِجَالِهِ وَسِلاحِهِ، فَصَاحَ جُبَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " رَأَيْتُنِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ ". ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا اسْتَشَارَ: هَلْ يُخَنْدِقُ عَلَى نَفْسِهِ، فَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ رَأْيُ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا تيَقَّنْ قُرْبَ عِيسَى بْنِ مُوسَى مِنْهُ، حَفَرَ خَنْدَقَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَفَرَ فِيهِ بِيَدِهِ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم -. -[787]-
وَعَنْ عُثْمَانَ الزُّبَيْرِيِّ قَالَ: اجْتَمَعَ مَعَ مُحَمَّدٍ جَمْعٌ لَمْ أَرَ أَكْثَرَ مِنْهُ، إِنِّي لأَحْسَبُنَا قد كنا مائة ألف، فلما دنا منا عِيسَى خَطَبَنَا مُحَمَّدٌ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ قَرُبَ مِنْكُمْ فِي عَدَدٍ وَعُدَدٍ، وَقَدْ حَلَلْتُكُمْ مِنْ بَيْعَتِي، فَمَنْ أَحَبَّ فَلْيَنْصَرِفْ، قَالَ: فَتَسَلَّلُوا حَتَّى بَقِيَ فِي شِرْذِمَةٍ. وَخَرَجَ النَّاسُ من المدينة بأولادهم إلى الأَعْوَصِ وَالْجِبَالِ، فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمْ عِيسَى، بَلْ جهز خمس مائة إِلَى ذِي الْحَلِيفَةِ يُمْسِكُونَ طَرِيقَ مَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ، ثُمَّ رَاسَلَهُ يَدْعُوهُ إِلَى الطَّاعَةِ وَأَنَّ الْمَنْصُورَ قَدْ أَمَّنَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: إِيَّاكَ أَنْ يَقْتُلَكَ مَنْ يَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ فَتَكُونَ شَرَّ قَتِيلٍ، أَوْ تَقْتُلُهُ فَيَكُونَ أَعْظَمَ لِوِزْرِكَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عِيسَى: لَيْسَ بَيْنَنَا إِلا الْقِتَالُ، فَإِنْ أَبَيْتَ إِلا الْقِتَالَ نُقَاتِلُكَ عَلَى مَا قَاتَلَ عليه خير آبائك، علي طلحة وَالزُّبَيْرُ عَلَى نَكْثِ بَيْعَتِهِمْ لَهُ.
وَعَنْ مَاهَانَ مَوْلَى قَحْطَبَةَ قَالَ: لَمَّا صِرْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ أَتَانَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُصْعَبٍ طَلِيعَةً فَطَافَ بِعَسْكَرِنَا حَتَّى حَزَّرَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ عَنَّا فَرُعْبِنَا مِنْهُ، حَتَّى جَعَلَ عِيسَى، وَحُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ يَقُولانِ: فَارِسٌ وَاحِدٌ يَكُونُ طَلِيعَةً لِأَصْحَابِهِ! فَلَمَّا كَانَ عَنَّا مَدَّ الْبَصَرَ نَظَرْنَا إِلَيْهِ مُقِيمًا لا يَزُولُ، فَقَالَ حُمَيْدٌ: وَيْحَكُمُ انْظُرُوا، فوجه إليه فارسين، فوجدا دابته قد عَثُرَتْ بِهِ فَتَقَوَّسَ الْجَوْشَنُ فِي عُنُقِهِ فَقَتَلَهُ، فَأَخَذَا سَلْبَهُ وَرَجَعَا بِتَنُّورٍ مُذَهَّبٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ. قِيلَ: كَانَ لِمُصْعَبٍ جَدَّهُ أَمِيرُ الْعِرَاقِ. ثُمَّ إِنَّ عِيسَى أَحَاطَ بِالْمَدِينَةِ فِي أَثْنَاءِ شهر رمضان، ثم دعا محمدا إِلَى الطَّاعَةِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ سَاقَ بِنَفْسِهِ فِي خَمْسِمِائَةٍ فَوَقَفَ بِقُرْبِ السُّورِ فَنَادَى: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ دِمَاءَ بَعْضِنَا عَلَى بَعْضٍ، فَهَلُمُّوا إِلَى الأَمَانِ، فَمَنْ جَاءَ إِلَيْنَا فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَهُ أَوِ الْمَسْجِدَ أَوْ أَلْقَى سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ صَاحِبِنَا فَإِمَّا لَنَا وَإِمَّا لَهُ، قَالَ: فَشَتَمُوهُ، فَانْصَرَفَ يَوْمَئِذٍ فَفَعَلَ مِنَ الْغَدِ كَذَلِكَ، ثُمَّ عَبَّأَ جَيْشَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَزَحَفَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ ظَهَرَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمَّا الْتَحَمَ الْحَرْبُ نَادَى: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَنِي أَنْ لا أُقَاتِلَ حَتَّى أَعْرِضَ عَلَيْكَ الأَمَانَ، فَلَكَ الأَمَانُ عَلَى نَفْسِكَ وَمَنِ اتَّبَعَكَ، وَتُعْطَى مِنَ الْمَالِ كَذَا وَكَذَا، فَصَاحَ: أَلْهُ عَنْ هَذَا، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لا يُثْنِينِي عَنْكُمْ فَزَعٌ، وَلا يُقَرِّبُنِي مِنْكُمْ طَمَعٌ، ثُمَّ تَرَجَّلَ. قَالَ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ: فَإِنِّي لأَحْسَبُهُ قَتَلَ يَوْمَئِذٍ بِيَدِهِ سَبْعِينَ رَجُلا. -[788]-
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: دَعَا عِيسَى عَشَرَةً مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ مِنْهُمُ الْقَاسِمِ بْنُ حَسَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: فَجِئْنَا سُوقَ الْحَطَّابِينَ، فَدَعَوْنَاهُمْ فَسَبُونَا وَرَشَقُونَا بِالنَّبْلِ، وَقَالُوا: هَذَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَنَا وَنَحْنُ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُمُ الْقَاسِمُ: وَأَنَا ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَكْثَرُ مَنْ ترَوْنَ مَعِي بَنُو رَسُولِ اللَّهِ، وَنَحْنُ نَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَحَقْنِ دِمَائِكُمْ، وَرَجَعْنَا، فَأَرْسَلَ عِيسَى حُمَيْدَ بْنَ قَحْطَبَةَ فِي مائة. وجعل محمد ستور المسجد دراريع لِأَصْحَابِهِ، وَكَانَ مَعَ الأَفْطَسِ عَلَمٌ أَصْفَرُ فِيهِ صُورَةٌ حَيَّةٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ: كُنَّا يَوْمَئِذٍ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ، ثُمَّ لَقِينَا عِيسَى فَتَبَارَزَ جَمَاعَةٌ.
وَعَنْ مَسْعُودٍ الرَّحَّالِ قَالَ: شَهِدْتُ مَقْتَلَ مُحَمَّدٍ بِالْمَدِينَةِ، فَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَيْهِمْ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ، وَأَنَا مُشْرِفٌ مِنْ سَلْعٍ، إِذْ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى قَدْ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ فَدَعَا إِلَى الْبِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَاجِلٌ عَلَيْهِ قَبَاءُ أَبْيَضُ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ الْفَارِسُ، فَقَتَلَهُ الرَّاجِلُ وَرَجَعَ، ثُمَّ بَرَزَ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى، فَبَرَزَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ بَرَزَ ثَالِثٌ فَقَتَلَهُ، فَاعْتَوَرَهُ أَصْحَابُ عِيسَى يَرْمُونَهُ، فَأَثْبَتُوهُ، فَأَسْرَعَ فَمَا وَصَلَ إِلَى أَصْحَابِهِ حَتَّى خَرَّ صَرِيعًا، وَدَامَ الْقِتَالُ مِنْ بَكْرَةٍ إِلَى العصر، وطم أصحاب عيسى الخندق، وجازت الْخَيْلُ، وَذَهَبَ مُحَمَّدٌ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، فَاغْتَسَلَ وَتَحَنَّطَ، ثُمَّ جَاءَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جعفر، فقلت له: بأبي أنت وأمي، ما لك بِمَا تَرَى طَاقَةٌ، فَاخْرُجْ تَلْحَقْ بِالْحَسَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ، فَإِنَّ مَعَهُ جُلَّ أَصْحَابِكَ، فَقَالَ: لَوْ رُحْتُ لَقُتِلَ هَؤُلاءِ، فَوَاللَّهِ لا أَرْجِعُ حَتَّى أَقْتُلُ أَوْ أُقْتَلُ، وَأَنْتُ مِنِّي فِي سَعَةٍ فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: رَأَيْتُ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ جُبَّةٌ مُمَشَّقَةٌ، وَهُوَ عَلَى بِرْذَوْنٍ، وَابْنُ خُضَيْرٍ يُنَاشِدُهُ اللَّهَ إِلا مَضَى إِلَى الْبَصْرَةِ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: وَاللَّهِ لا تُبْلَوُنَّ بِي مَرَّتَيْنِ، وَلَكِنِ اذْهَبْ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ. فَقَالَ: وَأَيْنَ الْمَذْهَبُ عَنْكَ؟ ثُمَّ مَضَى فَأَحْرَقَ الدِّيوَانَ وَقَتَلَ رِيَاحًا فِي الْحَبْسِ، ثُمَّ لَحِقَ مُحَمَّدًا بِالثَّنِيَّةِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. -[789]-
وَقِيلَ: قَتَلَ مَعَ رِيَاحٍ أَخَاهُ عَبَّاسَ بْنَ عُثْمَانَ، وَكَانَ مُسْتَقِيمَ الطَّرِيقَةِ، فَعَابَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى الْعَصْرَ وَعَرْقَبَ فَرَسَهُ، وَعَرْقَبَ بَنُو شُجَاعٍ دَوَابَّهُمْ، وَكَسَرُوا أَجْفَانَ سيوفهم، فقال لهم: قد بايعتموني ولست ببائع حَتَّى أُقتَلَ، ثُمَّ أَنَّهُ حَمَلَ وَهَزَمَ أَصْحَابَ عِيسَى مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ أَصْحَابُ عِيسَى مِنْ ناحية بني غفار، وجاؤوا مِنْ خَلْفِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَنَادَى مُحَمَّدٌ حُمَيْدَ بْنَ قَحْطَبَةَ: إِنْ كُنْتَ فَارِسًا فَابْرُزْ، فَلَمْ يبرزَ لَهُ، وَجَعَلَ حُمَيْدٌ يَدْعُو ابْنَ خُضَيْرٍ إِلَى الأَمَانِ، وَيَشُحُّ بِهِ عَنِ الْمَوْتِ، وَهُوَ يَشُدُّ عَلَى النَّاسِ بِسَيْفِهِ مُتَرَجِّلا، وَخَالَطَ النَّاسَ، فَجَاءَتْهُ ضَرْبَةٌ عَلَى أَلْيَتِهِ، وَأُخْرَى عَلَى عَيْنِهِ فَخَرَّ، وَقَاتَلَ مُحَمَّدٌ عَلَى جُثَّتِهِ حَتَّى قُتِلَ، وَعَهِدَ الَّذِينَ دَخَلُوا الْمَدِينَةَ مِنْ نَاحِيَةِ بَنِي غِفَارٍ فَنَصَبُوا عَلَمًا أَسْوَدَ عَلَى الْمَنَارَةِ، وَدَخَلَ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ فِي زُقَاقٍ أَشْجَعَ، فَهَجَمَ عَلَى مُحَمَّدٍ فَقَتَلَهُ وَهُوَ غَافِلٌ، وَأَخَذَ رَأْسَهُ، وَقَتَلَ مَعَهُ جَمَاعَةً.
وَقِيلَ: جَاءَتْ مُحَمَّدًا ضَرْبَةٌ عَلَى أُذُنِهِ، فَبَرَكَ وَجَعَلَ يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ بسيفه ويقول: ويحكم ابن نَبِيَّكُمْ مَظْلُومٌ، فَنَزَلَ حُمَيْدٌ فَحَزَّ رَأْسَهُ.
وَقِيلَ: كَانَ مَعَ مُحَمَّدٍ سَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذُو الْفَقَارِ، فَقَدَّ النَّاسُ بِهِ، وَجَعَلَ لا يُقَارِبُهُ أَحَدٌ إِلا قَتَلَهُ، فَجَاءَهُ سَهْمٌ فَوَجَدَ الْمَوْتَ، فَكُسِرَ السَّيْفُ.
وَرَوَى عَمْرٌو مَوْلَى الْمُتَوَكِّلِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ تَخْدِمُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ، قَالَ: كَانَ مَعَ مُحَمَّدٍ يَوْمَئِذٍ ذُو الْفَقَارِ، فَلَمَّا أَحَسَّ الْمَوْتَ أَعْطَى السَّيْفَ رجلاً كان له عليه أربع مائة دِينَارٍ، وَقَالَ: خُذْ هَذَا السَّيْفَ فَإِنَّكَ لا تَلْقَى أَحَدًا مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ إِلا أَخَذَهُ مِنْكَ وَأَعْطَاكَ حَقَّكَ، فَبَقِيَ السَّيْفُ عِنْدَهُ حَتَّى وَلِيَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدِينَةَ فَأُخْبِرَ عنه، فدعاه وأعطاه أربع مائة دِينَارٍ وَأَخَذَ السَّيْفَ، ثُمَّ صَارَ إِلَى مُوسَى فجرب به عَلَى كَلْبٍ، فَانْقَطَعَ السَّيْفُ.
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: رَأَيْتُ الرَّشِيدَ بِطُوسَ مُتَّقلِدًا سَيْفًا فَقَالَ: أَلا أُرِيكَ -[790]- ذَا الْفَقَارِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: أَسْلُلُ سَيْفِي هَذَا قَالَ: فَرَأَيْتُ فِيهِ ثَمَانِيَ عَشْرَة فَقَارَةَ.
وَكَانَ مَصْرَعُ مُحَمَّدٍ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ فِي رَابِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ هَذِهِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: عَاشَ ثَلاثًا وَخَمْسِينَ سَنَةً.
وَقِيلَ: أَذِنَ عِيسَى فِي دَفْنِهِ، وَأَمَرَ بِأَصْحَابِهِ فَصُلِبُوا مَا بَيْنَ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى دَارِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَقِيلَ: لَمَّا خَرَجَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَعَ مُحَمَّدٍ، كَانَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ يَنْهَاهُ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ جَعْفَرٌ يَقُولُ لَهُ: هُوَ وَاللَّهِ مَقْتُولٌ.
وَبَعَثَ عِيسَى بْنُ مُوسَى بِالرَّأْسِ إِلَى الْعِرَاقِ، ثُمَّ طِيفَ بِهِ فِي الْبُلْدَانِ، وَقَبَضَ عِيسَى عَلَى أَمْوَالِ بَنِي الْحَسَنِ.
وَحَدَّثَ أَيُّوبُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: لَقِيَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبَا جَعْفَرٍ الْمَنْصُورَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رُدَّ عَلَيَّ قَطِيعَتِي عَيْنِ أَبِي زِيَادٍ آكُلُ مِنْهَا، قَالَ: إِيَّايَ تُكَلِّمُ هَذَا الْكَلامَ! وَاللَّهِ لَأُزْهِقَنَّ نَفْسَكَ. قَالَ: فَلا تَعْجَلْ عَلَيَّ، فَقَدْ بَلَغْتُ ثَلاثًا وَسِتيِّنَ سَنَةً، وَفِيهَا مَاتَ أَبِي وَجِدِّي، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فِرْقَ لَهُ، فَلَمَّا مَاتَ الْمَنْصُورُ رَدَّ الْمَهْدِيُّ عَلَى أَوْلادِ أَبِي جَعْفَرٍ عَيْنِ أَبِي زِيَادٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الزُّبَيْرِيُّ: لَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدٌ، مَضَى أَخُوهُ مُوسَى، وَأَبِي وَأَنَا وَرَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، فَأَتَيْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ سِرْنَا إِلَى الْبَصْرَةِ، فَدَخَلْنَاهَا لَيْلا، فَمُسِكْنَا وَأُرْسِلْنَا إِلَى الْمَنْصُورِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى أَبِي قَالَ: هِيهِ أَخَرَجْتَ مَعَ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِهِ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِمُوسَى فَضُرِبَ بِالسِّيَاطِ، ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِي، فَكَلَّمَهُ فِيَّ عَمُّهُ عِيسَى بْنُ عَلِيٍّ وَقَالَ: مَا أَحْسَبُهُ بَلَغَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كُنْتُ غُلامًا تَبَعًا لِأَبِي، فَضُرِبْتُ خَمْسِينَ سَوْطًا، ثُمَّ حُبِسْتُ حَتَّى أَخْرَجَنِي المهدي. -[791]-
وَقِيلَ: بَلْ قَتَلَ عُثْمَانُ لِأَنَّهُ سَأَلَهُ أَيْنَ الْمَالُ؟ قَالَ: دَفَعْتُهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَسَبَّهُ، فَجَاوَبَهُ عُثْمَانُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ.
وَقِيلَ: قَالَ لَهُ: أَنْتَ الْخَارِجُ عَلَيَّ؟ قَالَ: بَايَعْتُ أَنَا وَأَنْتَ رَجُلا بِمَكَّةَ، فَوَفَّيْتُ أَنَا، وَغَدَرْتَ أَنْتَ.
وَاسْتَعْمَلَ الْمَنْصُورُ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الرَّبِيعِ الْحَارِثِيَّ، فَثَارَتْ عَلَيْهِ السُّودَانُ بِالْمَدِينَةِ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ جُنْدِهِ انْتَهَبَ شَيْئًا مِنَ السُّوقِ، فَاجْتَمَعَ الرُّؤَسَاءُ إِلَى ابْنِ الربيع وكلموه، فَلَمْ يُنكِرْ وَلا غَيَّرَ، ثُمَّ اشْتَرَى جُنْدِيٌّ مِنْ لَحَّامٍ وَأَبَى أَنْ يُوَفِّيهِ الثَّمَنَ، وَشَهَرَ سَيْفَهُ عَلَى اللَّحَّامِ، فَطَعَنَهُ اللَّحَّامُ بِشَفْرَتِهِ فِي خَاصِرَتِهِ فَسَقَطَ، فَتَنَادَى الْجَزَّارُونَ وَالسُّودَانُ عَلَى الْجُنْدِ وَهُمْ يَذْهَبُونَ إِلَى الْجُمْعَةِ، فَقَتَلُوهُمْ بِالْعُمُدِ، فَهَرَبَ ابْنُ الرَّبِيعِ بِاللَّيْلِ، وَهَذَا تَمَّ فِي آخِرِ العام.
وكان رؤوس السودان ثلاثة: وثيق، ومعقل، وربيعة، فَخَرَجَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ مِنَ السِّجْنِ، فَخَطَبَ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى الطَّاعَةِ، فَسَكَنَ النَّاسُ، وَرَجَعَ ابْنُ الرَّبِيعِ وَقَطَعَ يَدَ وَثِيقٍ وَأَيْدِي ثَلاثَةٍ مَعَهُ.
نام کتاب :
تاريخ الإسلام - ت بشار
نویسنده :
الذهبي، شمس الدين
جلد :
3
صفحه :
781
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
صفحهبعدی»
صفحهآخر»»
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
بعدی»
آخر»»
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
کتابخانه
مدرسه فقاهت
کتابخانهای رایگان برای مستند کردن مقالهها است
www.eShia.ir