responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 3  صفحه : 585
-سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ وَمِائَةٍ.
تُوُفِّيَ فِيهَا خَلْقٌ، مِنْهُمْ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أُمَيَّةُ بْنُ يَزِيدَ، أَعْيَنُ بْنُ لَيْثٍ جَدُّ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، خَالِدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ، رَبَاحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، زِيَادُ بن سلم بن زياد ابن أَبِيهِ، سَالِمٌ الأَفْطَسُ بْنُ عَجْلانَ، سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، سُلَيْمَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ الْمَدَنِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ الْيَمَانِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَثْيَمٍ الْمَكِّيُّ، عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْمِصْرِيُّ، عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الْكَلاعِيُّ، عَطَاءُ بْنُ قُرَّةَ السَّلُولِيُّ، عَطَاءُ السُّلَيْمِيُّ الْعَابِدُ، عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الزُّهْرِيُّ، قُحْطُبَةُ بْنُ شَبِيبٍ الأَمِيرُ، مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حزم، مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأُمَوِيُّ الْخَلِيفَةُ، مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَالِمُ الْكُوفَةِ، يَزِيدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ الأَمِيرُ، يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ أَبُو جَعْفَرٍ في قول، يونس بن ميسرة بن حلبس.
وَفِيهَا زَالَتْ دَوْلَةُ بَنِي أُمَيَّةَ، فَفِي الْمُحَرَّمِ بَلَغَ ابْنَ هُبَيْرَةَ أَنَّ قُحْطُبَةَ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْمَوْصِلِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا بَالُ الْقَوْمِ تَنَكَّبُونَا؟! قَالُوا: يُرِيدُونَ الْكُوفَةَ، فَتَرَحَّلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ نَحْوَ الْكُوفَةِ وَكَذَلِكَ فعَلَ قُحْطُبَةُ، فَعَبَرَ الْفُرَاتَ فِي سبع مائة فَارِسٍ، وَتَتَامَّ إِلَى ابْنِ هُبَيْرَةَ نَحْوَ ذَلِكَ، فَتَوَاقَعُوا فَجَاءَتْ قُحْطُبَةَ طَعْنَةٌ، فَوَقَعَ فِي الْفُرَاتِ فَهَلَكَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَوْمُهُ، وَانْهَزَمَ أَيْضًا أَصْحَابُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَغَرِقَ خَلْقٌ مِنْهُمْ فِي المخائض وذهبت أثقالهم، فقال بيهس بن حبيب: تجمع النَّاسَ بَعْدَ أَنْ جَاوَزْنَا الْفُرَاتَ، فَنَادَى مُنَادٍ: مَنْ أَرَادَ الشَّامَ فَهَلُمَّ، فَذَهَبَ مَعَهُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ، وَنَادَى آخَرُ: مَنْ أَرَادَ الْجَزِيرَةَ، فَتَبِعَهُ خَلْقٌ، وَنَادَى آخَرُ: مَنْ أَرَادَ الْكُوفَةَ، فَذَهَبَ كُلُّ جُنْدٍ إِلَى نَاحِيَةٍ، فَقُلْتُ: مَنْ أَرَادَ وَاسِطَ فَهَلُمَّ، فَأَصْبَحْنَا مَعَ ابْنِ هُبَيْرَةَ بقناطر المسيب ودخلنا واسطاً يَوْمَ عَاشُورَاءِ، وَأَصْبَحَ الْمُسَوِّدَةُ قَدْ فَقَدُوا قَائِدَهُمْ قُحْطُبَةُ، ثُمَّ اسْتَخْرَجُوهُ مِنَ الْمَاءِ فَدَفَنُوهُ، وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمُ ابْنُهُ الْحَسَنُ فَقَصَدَ بِهِمُ الْكُوفَةَ، فَدَخَلُوهَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَيْضًا وَهَرَبَ مُتَوَلِّيهَا زِيَادُ بْنُ صَالِحٍ إِلَى وَاسِطَ. -[586]-
وَقُتِلَ لَيْلَةَ الْفُرَاتِ صَاحِبُ شُرْطَةِ ابْنِ هُبَيْرَةَ زِيَادُ بْنُ سُوَيْدٍ الْمُرِّيُّ، وَكَاتِبُهُ عَاصِمٌ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ.
وَأَمَّا ابْنُ قُحْطُبَةَ فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الكوفة أبا سلمة الخلال، ثم قصد واسطا فَنَازَلَهَا وَخَنْدَقَ عَلَى جَيْشِهِ فَعَبَّأَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَسَاكِرَهُ فَالْتَقَوْا فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَتَحَصَّنُوا بِوَاسِطَ، وَقُتِلَ فِي الْوَقْعَةِ يَزِيدُ أَخُو الْحَسَنِ بْنِ قُحْطُبَةَ، وَحَكِيمُ بْنُ الْمُسَيَّبِ الْجَدَلِيُّ.
وَفِي الْمُحَرَّمِ، وَثَبَ أَبُو مُسْلِمٍ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ عَلَى ابْنِ الْكَرْمَانِيِّ، فَقَتَلَهُ بِنَيْسَابُورَ وَجَلَسَ فِي دَسْتِ الْمَلِكِ، وَبُويِعَ وَصَلَّى وَخَطَبَ لِلسَّفَّاحِ، وَصَفَتْ لَهُ خُرَاسَانَ.

-بَيْعَةُ السَّفَّاحِ
فِي ثَالِثِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، بُويِعَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ السَّفَّاحُ أَوَّلُ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ بِالْكُوفَةِ فِي دَارِ مَوْلاهُمُ الْوَلِيدِ بْنِ سَعْدٍ.
وَأَمَّا مَرْوَانُ الْحِمَارُ خَلِيفَةُ الْوَقْتِ فَسَارَ فِي مِائَةِ أَلْفٍ حَتَّى نَزَلَ الزَّابِينَ دُونَ الْمَوْصِلِ، فَجَهَّزَ السَّفَّاحُ عَمَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ فِي جَيْشٍ فَالْتَقَى الْجَمْعَانِ عَلَى كُشَافٍ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، فَانْكَسَرَ مَرْوَانُ وَتَقَهْقَرَ إِلَى الْجَزِيرَةِ وَقَطَعَ وَرَاءَهُ الْجِسْرَ وَقَصَدَ الشَّامَ لِيَتَقَوَّى وَيَلْتَقِي، وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْجَزِيرَةَ فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا مُوسَى بْنُ كَعْبٍ التَّمِيمِيُّ، ثُمَّ طَلَبَ الشَّامَ مُجِدًّا، وَأَمَدَّهُ السَّفَّاحُ بِصَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ عَمُّهُ الآخَرُ، فَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى نَازَلَ دِمَشْقَ وَفَرَّ مَرْوَانُ إِلَى غَزَّةَ، فَحُوصِرَتْ دِمَشْقُ مُدَّةً وَأُخِذَتْ فِي رَمَضَانَ وَقُتِلَ بِهَا خَلْقٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمِنْ جُنْدِهِمْ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، فَلَمَّا بَلَغَ مَرْوَانَ ذَلِكَ هَرَبَ إِلَى مِصْرَ، ثُمَّ قُتِلَ فِي آخِرِ السَّنَةِ، وَهَرَبَ ابْنَاهُ عَبْدُ الله وعبيد الله حتى دخلا أَرْضَ النُّوبَةِ، وَكَانَ مَرْوَانُ قَدِ اسْتَعْمَلَ عَلَى مِصْرَ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ بْنِ مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ اللَّخْمِيَّ، مَوْلاهُمْ، فَأَحْسَنَ السِّيرَةَ، وَسَارَ عَمُّ السَّفَّاحِ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ، فَافْتَتَحَ مِصْرَ، وَظَفَرَ بِعَبْدِ الْمَلِكِ وَبِأَخِيه مُعَاوِيَةَ، فَعَفَا عَنْهُمَا، وَقَتَلَ الأَمِيرُ حَوْثَرَةُ بْنُ سُهَيْلٍ، فَيُقَالُ: طَبَخُوهُ طَبْخًا، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ مِصْرَ مُدَّةً، -[587]- وَقُتِلَ حَسَّانُ بْنُ عَتَاهِيَةَ وَصُلِبَ سَنَةً.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: كَانَ بَدْءُ أَمْرِ بَنِي الْعَبَّاسِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ أَعْلَمَ الْعَبَّاسَ عمه أن الخلافة تؤول إِلَى وَلَدِهِ، فَلَمْ يَزَلْ وَلَدُهُ يَتَوَقَّعُونَ ذَلِكَ.
وَعَنْ رِشْدِينَ بْنِ كُرَيْبٍ أَنَّ أَبَا هَاشِمٍ عبد الله بن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَلَقِيَ مُحَمَّدَ بْنَ عبد الله بن عباس، فقال: يا ابن عَمِّ، إِنَّ عِنْدِي عِلْمًا أُرِيدُ أَنْ أَنْبُذَهُ إِلَيْكَ فَلا تُطْلِعَنَّ عَلَيْهِ أَحَدًا، إِنَّ هَذَا الأَمْرَ الَّذِي يَرْتَجِيهِ النَّاسُ فِيكُمْ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُهُ فَلا يَسْمَعَنَّهُ مِنْكَ أَحَدٌ.
وَرَوَى الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّ الإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: لَنَا ثَلاثَةُ أَوْقَاتٍ: مَوْتُ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوُيَةَ، وَرَأْسُ الْمِائَةِ، وَفَتْقٌ بِأَفْرِيقِيَّةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَدْعُو لَنَا دُعَاةٌ، ثُمَّ تقبل أَنْصَارُنَا مِنَ الْمَشْرِقِ حَتَّى تَرِدَ خُيُولُهُمُ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قُتِلَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ بِأَفْرِيقِيَّةَ وَنَقَضَتِ الْبَرْبَرُ بَعَثَ مُحَمَّدٌ الإِمَامُ رَجُلا إِلَى خُرَاسَانَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا يُسَمِّي أَحَدًا، ثُمَّ وَجَّهَ أَبَا مُسْلِمٍ وَغَيْرَهُ، وَكَتَبَ إِلَى النُّقَبَاءِ فَقَبِلُوا كُتُبَهُ، ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِ مَرْوَانَ الْحِمَارِ كِتَابٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الإِمَامِ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ جَوَابُ كِتَابٍ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ بِخُرَاسَانَ، فَقَبَضَ مَرْوَانُ عَلى إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ كَانَ مَرْوَانُ وُصِفَ لَهُ صِفَةُ السَّفَّاحِ الَّتِي كَانَ يَجِدَهَا فِي الْكُتُبِ، فَلَمَّا جِيءَ بِإِبْرَاهِيمَ قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي وَجَدْتَ، ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي طَلَبِ الْمَوْصُوفِ لَهُ فَإِذَا بِالسَّفَّاحِ وَاخْوَتِهِ وَعُمُومَتِهِ قَدْ هَرَبُوا إِلَى الْعِرَاقِ وَأَخْفَتْهُمْ شِيعَتُهُمْ، فَيُقَالُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ قَدْ نَعَى إِلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَأَمَرَهُمْ بِالْهَرَبِ، وَكَانُوا بِالْحُمَيِّمَةِ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْكُوفَةِ أَنْزَلَهُمْ أَبُو سَلَمَةَ الْخَلالُ دار -[588]- الْوَلِيدِ بْنِ سَعْدٍ فَبَلَغَ الْخَبَرُ أَبَا الْجَهْمِ فَاجْتَمَعَ بِمُوسَى بْنِ كَعْبٍ، وَعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ رِبْعِيٍّ، وَسَلَمَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ الطَّائِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْن إِبْرَاهِيمَ، وَشَرَاحِيلَ، وَابْنَ بَسَّامٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ كِبَارِ شِيعَتِهِمْ فَدَخَلُوا عَلَى آلِ الْعَبَّاسِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بن محمد ابن الْحَارِثِيَّةِ؟ فَأَشَارُوا إِلَى السَّفَّاحِ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالْخِلافَةِ، ثم خرج السفاح يوم الجمعة عَلَى بِرْذَوْنٍ أَبْلَقَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ بِالْكُوفَةِ فَذُكِرَ أَنَّهُ لَمَّا صَعِدَ الْمِنْبَرِ وَبُويِعَ قَامَ عَمُّهُ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ دُونَهُ.
فَقَالَ السَّفَّاحُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اصْطَفَى الإِسْلامَ لِنَفْسِهِ فَكَرَّمَهُ وَشَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ وَاخْتَارَهُ لَنَا، وَأَيَّدَهُ بِنَا وَجَعَلَنَا أَهْلَهُ وَكَهْفَهُ وَحِصْنَهُ وَالْقُوَّامَ بِهِ وَالذَّابِيِّنَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ قَرَابَتَهُمْ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ قَامَ بِالأَمْرِ أَصْحَابَهُ إِلَى أَنْ وَثَبَتْ بَنُو حَرْبٍ وَمَرْوَانُ، فَجَارُوا وَاسْتَأْثَرُوا فَأَمْلَى اللَّهُ لَهُمْ حِينًا حَتَّى آسَفُوهُ فَانْتَقَمَ مِنْهُمْ بِأَيْدِينَا وَرَدَّ عَلَيْنَا حَقَّنَا لِيُمِنَّ بِنَا عَلَى الَّذِينَ استُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَخَتَمَ بِنَا كَمَا افْتَتَحَ بِنَا وَمَا تَوْفِيقُنَا أَهْلِ الْبَيْتِ إِلا بِاللَّهِ، يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا لم تفتروا عن ذلك ولم يثنكم عَنْهُ تَحَامُلُ أَهْلِ الْجَوْرِ فَأَنْتُمْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِنَا وَأَكْرَمَهُمْ عَلَيْنَا وَقَدْ زِدْتُ فِي أَعْطِيَاتِكُمْ مائة مائة، فاستعدوا فأنا السفاح المبيح وَالثَّائِرُ الْمُبِيرُ، وَكَانَ مَوْعُوكًا فَجَلَسَ.
وَخَطَبَ دَاوُدُ فَأَبْلَغَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَصَرَهُ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا إِنَّمَا عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ بَعْدَ الصَّلاةِ؛ لِأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَخْلِطَ بِكَلامِ الْجُمُعَةِ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا قَطَعَهُ عَنِ اسْتِتْمَامِ الْكَلامِ شِدَّةُ الْوَعْكِ فَادْعُوا لَهُ بِالْعَافِيَةِ، فَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِمَرْوَانَ عَدُوِّ الرَّحْمَنِ وَخَلِيفَةِ الشَّيْطَانِ الْمُتَّبِعِ لِسَلَفِهِ الْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ الشَّابَّ الْمُكْتَهِلَ، فَعَجَّ النَّاسُ لَهُ بِالدُّعَاءِ.
وَكَانَ عِيسَى بْنُ مُوسَى إِذَا ذُكِرَ خُرُوجُهُمْ مِنَ الْحُمَيِّمَةَ يُرِيدُونَ الْكُوفَةَ، قَالَ: إِنَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلا خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ يَطْلُبُونَ مَا طَلَبْنَا لَعَظِيمَةٌ هِمَّتُهُمْ شَدِيدَةٌ قُلُوبُهُمْ.
وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مَرْوَانَ قَتَلَهُ غِيلَةً، وَقِيلَ: بَلْ مَاتَ بِالسِّجْنِ بِحَرَّانَ مِنْ طَاعُونٍ، وَكَانَ قَدْ وَقَعَ بِحَرَّانَ وَبَاءٌ عَظِيمٌ، وَهَلَكَ فِي السِّجْنِ -[589]- أَيْضًا: الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عبد الْمَلِكِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَفِيهَا تَوَجَّهَ أَبُو عَوْنٍ الأَزْدِيُّ إِلَى شَهْرِزَوْرَ لِقِتَالِ عَسْكَرِ مَرْوَانَ فَالْتَقَوْا، وَقُتِلَ أَمِيرُ الْمَرْوَانِيَّةِ عُثْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ، وَاسْتَوْلَى أَبُو عَوْنٍ عَلَى نَاحِيَةِ الْمَوْصِلِ قَبْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ، فَلَمَّا جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ جَهَّزَ خَمْسَةَ آلافٍ عَلَيْهِمْ عُيَيْنَةُ بْنُ مُوسَى، فَخَاضُوا الِزَابَ وَحَارَبُوا الْمَرْوَانِيَّةَ حَتَّى حَجَزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، ثُمَّ جَهَّزَ عَبْدُ اللَّهِ مِنَ الْغَدِ أَرْبَعَةَ آلافٍ عَلَيْهِمْ مُخَارِقُ بْنُ عَفَّارٍ فَالْتَقَوْا، فَقُتِلَ مُخَارِقٌ، وَقِيلَ: أُسِرَ، فَبَادَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ وَعَبَّأَ جَيْشَهُ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى مَيْمَنَتِهِ أَبُو عَوْنٍ الأَزْدِيُّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ الْوَلِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَالْتَقَاهُ مَرْوَانُ وَاشْتَدَّ الْحَرْبُ، ثُمَّ تَخَاذَلَ عَسْكَرُ مَرْوَانَ وَانْهَزَمُوا، فَانْهَزَمَ مَرْوَانُ وَقَطَعَ وَرَاءَهُ الْجِسْرَ، فَكَانَ مَنْ غَرِقَ يَوْمَئِذٍ أَكْثَرُ مِمَّنْ قُتِلَ، فَغَرِقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَخْلُوعُ، وَاسْتَوْلَى عَبْدُ اللَّهِ عَلَى أَثْقَالِهِمْ وَمَا حَوَتْ، فَوَصَلَ مَرْوَانُ إِلَى حَرَّانَ، فَأَقَامَ بِهَا عِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ دَهَمَتْهُ الْمُسَوِّدَةُ فَانْهَزَمَ، وَخَلَفَ بِحَرَّانَ ابْنَ أُخْتِهِ أَبَانَ بْنَ يَزِيدَ، فَلَمَّا أَظَلَّهُ عَبْدُ اللَّهِ خَرَجَ أَبَانُ مُسَوِّدًا مُبَايِعًا لِعَبْدِ اللَّهِ فَأَمَّنَهُ، فَلَمَّا مَرَّ مَرْوَانُ بِحِمْصَ اعْتَرَضَهُ أَهْلَهَا فَحَارَبُوهُ، وَكَانَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْهُ فَكَسَرَهُمْ، ثُمَّ مَرَّ بِدِمَشْقَ وَبِهَا مُتَوَلِّيهَا زَوْجُ بِنْتِهِ الْوَلِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَانْهَزَمَ وَخَلَفَ بِدِمَشْقَ زَوْجُ بِنْتِهِ لِيَحْفَظَهَا، فَنَازَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ وَافْتَتَحَهَا عَنْوَةً بِالسَّيْفِ وَهَدَمَ سُورَهَا وَقُتِلَ أَمِيرَهَا فِيمَنْ قُتِلَ، وَتَبِعَ عَسْكَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ مَرْوَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ إِلَى أَنْ بَيَّتُوهُ بِقَرْيَةِ بُوصَيْرَ مِنْ عَمَلِ مِصْرَ، فَقُتِلَ وَهَرَبَ وَلَدَاهُ، وَحَلَّ بِالْمَرْوَانِيَّةِ مِنَ الْبَلاءِ مَا لا يُوصَفُ.
وَيُقَالُ: كَانَ جَيْشُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ لَمَّا الْتَقَى مَرْوَانَ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَقِيلَ: اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَافْتَتَحَ دِمَشْقَ فِي عَاشِرِ رَمَضَانَ، صَعِدَ الْمُسَوِّدَةُ سُورَهَا وَدَامَ الْقَتْلُ بِهَا ثَلاثَ سَاعَاتٍ، فَيُقَالُ: قُتِلَ بِهَا خَمْسُونَ أَلْفًا.
وَذَكَر ابْنُ عَسَاكِرٍ فِي تَرْجَمَةِ الطُّفَيْلِ بْنِ حَارِثَةِ الْكَلْبِيِّ أَحَدِ الأَشْرَافِ: أَنَّهُ شَهِدَ حِصَارَ دِمَشْقَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَحَاصَرَهَا شَهْرَيْنِ وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْوَلِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي خَمْسِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ فَوَقَعَ الْخَلَفُ بَيْنَهُمْ، -[590]- ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْكُوفِيِّينَ تَسَوَّرُوا بُرْجًا وَافْتَتَحُوهَا عَنْوَةً فَأَبَاحَهَا عَبْدُ اللَّهِ ثَلاثَ سَاعَاتٍ لا يَرْفَعُ عَنْهُمُ السَّيْفَ، وَقِيلَ: إِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَتَلَهُ أَصْحَابُهُ لَمَّا اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَّنَ عَبْدُ اللَّهِ النَّاسَ كُلَّهُمْ وَأَمَرَ بِقَلْعِ حِجَارَةِ السُّورِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْمَدَائِنِيِّ.
وقال محمد بن الفيض الغساني: حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، قال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ: لَمَّا نَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ وَحَصَرَ دِمَشْقَ اسْتَغَاثَ النَّاسُ بِيَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ، فَسَأَلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنْ يَخْرُجَ وَيَطْلُبَ الأَمَانَ، فَخَرَجَ فَأُجِيبَ فَاضْطَرَبَ بِذَلِكَ الصَّوْتِ حَتَّى دَخَلَ الْبَلَدَ، وَقَالَ النَّاسُ: الأَمَانَ الأَمَانَ فَخَرَجَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْبَلَدِ خَلْقٌ وَأَصْعَدُوا إِلَيْهِمُ الْمُسَوِّدَةَ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ: اكْتُبْ لَنَا بِالأَمَانِ كِتَابًا، فَدَعَا بِدَوَاةٍ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا السُّورُ قَدْ رَكِبَتْهُ الْمُسَوِّدَةُ، فَقَالَ: نَحِّ الْقِرْطَاسَ، فَقَدْ دَخَلْنَا قَسْرًا، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: لا وَاللَّهِ وَلَكِنْ غَدْرًا لِأَنَّكَ أَمَّنْتَنَا فَإِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ فَارْدُدْ رِجَالَكَ عَنَّا وَرُدَّنَا إِلَى بَلَدِنَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْلا مَا أَعْرِفُ مِنْ مَوَدَّتِكَ إِيَّانَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَهَدَّدَهُ، وَقَالَ: أَتَسْتَقْبِلُنِي بِهَذَا؟! فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الرَّحْمَةِ وَالْحَقِّ، وَأَخَذَ يُلاطِفُهُ، فَقَالَ: تَنَحَّ عَنِّي، ثُمَّ نَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ وَقَالَ: يَا غُلامُ اذْهَبْ بِهِ إِلَى حُجَرِي تَخَوُّفًا عَلَيْهِ لِمَكَانِ ثِيَابِهِ الْبِيضِ، وَقَدْ سَوَّدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، ثُمَّ حَمَى لَهُ دَارَهُ فَسَلِمَ فِيهَا خَلْقٌ، وَقُتِلَ بِالْبَلَدِ خَلْقٌ لَكِنْ غَالِبَهُمْ مِنْ جُنْدِ الأُمَوِيِّينَ وَأَتْبَاعِهِمْ.
ثُمَّ سَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى فِلَسْطِينَ، وَجَهَّزَ أَخَاهُ صَالِحًا لِيَفْتَتِحَ مِصْرَ، وَسَيَّرَ مَعَهُ أَبَا عَوْنٍ الأَزْدِيَّ، وَعَامِرَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْحَارِثِيَّ، وَابْنَ قَنَانٍ، فَسَارُوا عَلَى السَّاحِلِ، فَافْتَتَحُوا الإِقْلِيمَ، وَوَلِيَ إِمْرَةَ مِصْرَ أَبُو عَوْنٍ.
وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ نَزَلَ عَلَى نَهْرِ أَبِي فُطْرُسٍ وَقَتَلَ هُنَاكَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ خَاصَّةً اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ نَفْسًا صَبْرًا، وَلَمَّا رَأَى النَّاسُ جُورَ الْمُسَوِّدَةِ وَجَبَرُوتَهُمْ كَرِهُوهُمْ فَثَارَ الأَمِيرُ أَبُو الْوَرْدِ مَجْزَأَةُ بْنُ كَوْثَرٍ الْكِلابِيُّ أَحَدُ الأَبْطَالِ بِقَنَّسْرِينَ وَبَيَّضَ، وَبَيَّضَ مَعَهُ أَهْلُ قِنَّسْرِينَ كُلُّهُمْ، وَاشْتَغَلَ عَنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ بِحَرْبِ حَبِيبِ بْنِ مُرَّةَ الْمُرِّيُّ بِالْبَلْقَاءِ وَالثَنِيَّةِ وَتَمَّ لَهُ مَعَهُ -[591]- وَقَعَاتٌ، ثُمَّ هَادَنَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَتَوَجَّهَ نَحْوَ قنسرين وَخَلَفَ بِدِمَشْقَ أَبَا غَانِمٍ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ رِبْعِيٍّ الطَّائِيَّ فِي أَرْبَعَةِ آلافِ فَارِسٍ، وَسَارَ فَمَا بَلَغَ حِمْصَ حَتَّى انْتَقَضَ عَلَيْهِ أَهْلُ دِمَشْقَ وَبَيَّضُوا وَنَبَذُوا السَّوَادَ، وَكَانَ رَأْسُهُمُ الأَمِيرُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ سُرَاقَةَ الأَزْدِيُّ، فَهَزَمُوا أَبَا غَانِمٍ وَأَثْخَنُوا فِي أَصْحَابِهِ، وَأَقْبَلَتْ جُمُوعُ الْحَلَبِيِّينَ وَانْضَمَّ إِلَيْهِمُ الْحِمْصِيُّونَ وَأَهْلُ تَدْمُرَ، وَعَلَيْهِمْ كُلُّهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ السُّفْيَانِيُّ، وَصَارَ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَأَبُو الْوَرْدِ كَالْوَزِيرِ لَهُ، فَجَهَّزَ عَبْدُ اللَّهِ لِحَرْبِهِمْ أَخَاهُ عَبْدَ الصَّمَدِ بْنَ عَلِيٍّ فِي عَشَرَةِ آلافٍ، فَالْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاسْتَمَرَّ الْقَتْلُ بِالْفَرِيقَيْنِ، وَانْكَشَفَ عَبْدُ الصَّمَدِ، وَذَهَبَ تَحْتَ السَّيْفِ مِنْ جَيْشِهِ أُلُوفٌ، وَانْتَصَرَ السُّفْيَانِيُّ، فَقَصَدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَعَهُ حُمَيْدُ بْنُ قُحْطُبَةَ فَالْتَقَوْا، وَعَظُمَ الْخَطْبُ وَاسْتَظْهَرَ عَبْدُ اللَّهِ فَثَبَتَ أبو الورد في خمس مائة، فَرَاحُوا تَحْتَ السَّيْفِ كُلُّهُمْ، وَهَرَبَ السُّفْيَانِيُّ إِلَى تَدْمُرَ، وَرَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى دِمَشْقَ وَقَدْ عَظُمَتْ هَيْبَتُهُ، فَتَفَرَّقَتْ كَلِمَةُ أَهْلِهَا وَهَرَبُوا فَآمَّنَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ، وَهَرَبَ السُّفْيَانِيُّ إِلَى الْحِجَازِ وَأَضْمَرَتْهُ الْبِلادُ إِلَى أَنْ قُتِلَ فِي دَوْلَةِ الْمَنْصُورِ، بَعَثَ إِلَيْهِ مُتَوَلِّي الْمَدِينَةِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيُّ خَيْلا فَظَفِرُوا بِهِ وَقَتَلُوهُ وَأَسَرُوا وَلَدَيْهِ فَعَفَا عَنْهُمَا الْمَنْصُورُ وَخَلاهُمَا.
وَلَمَّا بَلَغَ أَهْلَ الْجَزِيرَةِ هَيْجُ أَهْلِ الشَّامِ خَلَعُوا السَّفَّاحَ أيضاً وبيضوا وبيض أهل قرقيسياء، فَسَارَ لِحَرْبِهِمْ أَبُو جَعْفَرٍ أَخُو السَّفَّاحِ فَجَرَتْ لَهُمْ وَقَعَاتٌ، ثُمَّ انْتَصَرَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَكَمَ عَلَى الْجَزِيرَةِ وَأَذْرَبِيجَانَ وَأَرْمِينِيَّةَ، وَضَبَطَ تِلْكَ النَّاحِيَةَ إلى أن انتهت إليه الخلافة، ثم شخص أَبُو جَعْفَرٍ لَمَّا مَهَّدَ ذَلِكَ الْقُطْرَ إِلَى خُرَاسَانَ إِلَى صَاحِبِ الدَّوْلَةِ أَبِي مُسْلِمٍ لِيَأْخُذَ رَأْيَهُ فِي قَتْلِ وَزِيرِ دَوْلَتِهِمْ أَبِي سَلَمَةَ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْخَلالِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نزل عنده آل العباس بالكوفة وحدثته نَفْسُهُ فِيمَا قِيلَ أَنْ يُبَايِعَ رَجُلا مِنْ آلِ عَلِيٍّ ويَذَرَ آلَ الْعَبَّاسِ، وَشَرَعَ يُخْفِي أَمْرَهُمْ عَلَى الْقُوَّادِ، فَبَادَرُوا وَبَايَعُوا السَّفَّاحَ كَمَا ذَكَرْنَا فَبَايَعَهُ أَبُو سَلَمَةَ الْخَلالُ وَبَقِيَ مُتَّهَمًا عِنْدَهُمْ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: انْتَدَبَنِي أَخِي السَّفَّاحُ للذهاب إلى أبي مسلم، فسرت وجلاً فَأَتَيْتُ الرَّيَّ وَمِنْهَا إِلَى مَرْوٍ، فَلَمَّا كُنْتُ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْهَا تَلَقَّانِي أَبُو -[592]- مُسْلِمٍ فِي النَّاسِ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي تَرَجَّلَ وَمَشَى وَقَبَّلَ يَدِي، فَنَزَلْتُ وَأَقَمْتُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لا يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ: فَعَلَهَا أَبُو سَلَمَةَ أَنَا أَكْفِيكُمُوهُ، فَدَعَا مَرَّارَ بْنَ أَنَسٍ الضَّبِّيَّ، فَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَى الْكُوفَةِ فَاقْتُلْ أَبَا سَلَمَةَ حَيْثُ لَقِيتُهُ، فَأَتَى الْكُوفَةَ فَقَتَلَهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: وَزِيرُ آلِ مُحَمَّدٍ، وَلَمَّا رَأَى أَبُو جَعْفَرٍ عَظَمَةِ أَبِي مُسْلِمٍ بِخُرَاسَانَ وَسَفْكِهِ لِلدِّمَاءِ وَرَجَعَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لِأَخِيهِ أَبِي الْعَبَّاسِ: لَسْتَ بِخَلِيفَةٍ إِنْ تَرَكْتَ أَبَا مُسْلِمٍ حَيًّا، قَالَ: كيف؟ قال: وَاللَّهِ مَا يَصْنَعُ إِلا مَا يُرِيدُ، قَالَ: فَاسْكُتْ وَاكْتُمْهَا.
وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ قُحْطُبَةَ فَإِنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى حِصَارِ يَزِيدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ بِوَاسِطَ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ يَطُولُ شَرْحُهَا، وَدَامَ الْقِتَالُ وَالْحَصْرُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ قَتْلُ مَرْوَانَ الْحِمَارِ ضَعُفُوا وَطَلَبُوا الصُّلْحَ، وَتَفَرَّغَ أَبُو جَعْفَرٍ فَجَاءَ فِي جَيْشٍ نَجْدَةً لابْنِ قُحْطُبَةَ وَجَرَتِ السُّفَرَاءُ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ وَبَيْنَ ابْنِ هُبَيْرَةَ حَتَّى كَتَبَ لَهُ أَمَانًا، مَكَثَ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَهُوَ يُشَاوِرُ فِيهِ الْعُلَمَاءَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا حَتَّى رَضِيَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَأَمْضَاهُ السَّفَّاحُ، وَكَانَ رَأْيُ أَبِي جَعْفَرٍ الْوَفَاءَ بِهِ، وَكَانَ السَّفَّاحُ لا يَقْطَعُ أَمْرًا ذَا بَالٍ دون أبي مسلم ومشاروته، وَكَانَ أَبُو الْجَهْمِ عَيْنًا لِأَبِي مُسْلِمٍ بِحَضْرَةِ السَّفَّاحِ، فَكَتَبَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَيْهِ: إِنَّ الطَّرِيقَ السَّهْلَ إِذَا أَلْقَيْتَ فِيهِ الْحِجَارَةَ فَسَدَ، وَلا وَاللَّهِ لا يَصْلُحُ طَرِيقٌ فِيهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَخَرَجَ ابْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَفِي خدمته من خواصه ألف وثلاث مائة، وَهَمَّ أَنْ يَدْخُلَ الْحُجْرَةَ عَلَى فَرَسِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ الْحَاجِبُ سَلامٌ وَقَالَ: مَرْحبًا أَبَا خَالِدٍ انْزِلْ، وَقَدْ أَطَافَ بِالْحُجْرَةِ مِنَ الْخُرَاسَانِيَّةِ عَشَرَةُ آلافٍ فَأَدْخَلَهُ الْحَاجِبُ وَحْدَهُ، فَحَدَّثَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَ، فَلَمْ يَزَلْ يُنقِصُ مِنْ كَثْرَةِ الْحَشَمِ حَتَّى بَقِيَ فِي ثَلاثَةٍ، وَأَلَحَّ السَّفَّاحُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِ وَهُوَ يُرَاجِعُهُ، فَلَمَّا زَادَ عَلَيْهِ أَزْمَعَ عَلَى قَتْلِهِ، وَجَاءَ خَازِمُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَالْهَيْثَمُ بْنُ شُعْبَةَ فَخَتَمَا بُيُوتَ الأَمْوَالِ الَّتِي بِوَاسِطَ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى وُجُوهِ مَنْ مَعَ ابْنِ هُبَيْرَةَ فَأَقْبَلُوا، وَهُمْ: مُحَمَّدُ بْن نُبَاتَةَ، وَحَوْثَرَةُ بْنُ سُهَيْلٍ، وَطَارِقُ بْنُ قَدَّامَةَ، وَزِيَادُ بْنُ سُوَيْدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ كَعْبٍ، وَالْحَكَمُ بْنُ بِشْرٍ، فِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ رَجُلا مِنْ وُجُوهِ الْقَيْسِيَّةِ، فَخَرَجَ سَلامٌ -[593]- الْحَاجِبُ، فَقَالَ: أَيْنَ الْحَوْثَرَةَ وَابْنُ نُبَاتَةَ؟ فَقَامَا فَأُدْخِلا، وَقَدْ أَقْعَدَ لَهُمْ فِي الدِّهْلِيزِ مِائَةً فَنُزِعَتْ سُيُوفُهُمَا وَكُتِّفَا، ثُمَّ طُلِبَ الْبَاقُونَ كَذَلِكَ فَأُمْسِكُوا، ثُمَّ ذُبِحُوا صَبْرًا، وَبَادَرَ خَازِمٌ، وَالْهَيْثَمُ فِي مِائَةٍ فَدَخَلُوا عَلَى ابْنِ هُبَيْرَةَ وَمَعَهُ ابْنُهُ دَاوُدَ وَكَاتِبُهُ عَمْرُو بْنُ أَيُّوبَ وَحَاجِبُهُ وَعِدَّةٌ مِنْ مَمَالِيكِهِ وَبُنَيٌّ لَهُ فِي حِجْرِهِ، فَأَنْكَرَ نَظَرَهُمْ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ فِي وُجُوهِهِمُ الشَّرَّ، فَقَصَدُوهُ، فَقَامَ صَاحِبُهُ فِي وُجُوهِهِمْ وَقَالَ: تَأَخَّرُوا، فَضَرَبَهُ الْهَيْثَمُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ فَصَرَعَهُ، وَقَاتَلَهُمْ دَاوُدُ فَقُتِلَ، وَقُتِلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمَمَالِيكِ فَنَحَّى الصَّغِيرُ مِنْ حِجْرِهِ، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا لِلَّهِ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ قَتَلُوا خَالِدَ بْنَ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ وَأَبَا عَلاقَةَ الْفَزَارِيَّ صَبْرًا، وَوَجَّهَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ أَشْعَثَ عَلَى إِمْرَةِ فَارِسٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ أَعْنَاقَ نُوَّابِ أَبِي سَلَمَةَ الْخَلالِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
وَفِيهَا وَجَّهَ السَّفَّاحُ عَمَّهُ عِيسَى بْنَ عَلِيٍّ عَلَى فَارِسَ، فَغَضِبَ مُحَمَّدُ بْنُ أَشْعَثَ وَهَمَّ بِقَتْلِهِ، وَقَالَ: أَمَرَنِي أَبُو مُسْلِمٍ أَنْ لا يَقْدِمَ عَلَيَّ أحد يدعي الولاية من غيره إِلا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ فَكَّرَ وَخَافَ مِنْ غَائِلَةِ ذَلِكَ الْمَقَالِ وَاسْتَحْلَفَ عِيسَى بْنَ عَلِيٍّ عَلَى أَنْ لا يَعْلُو مِنْبَرًا وَلا يَتَقَلَّدَ سَيْفًا إِلا وَقْتَ جِهَادٍ، فَلَمْ يَلِ عِيسَى بَعْدَ ذَلِكَ عَمَلا، ثُمَّ وَجَّهَ السَّفَّاحُ عَمَّهُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى فَارِسَ وَغَضِبَ من أبي مسلم ولكنه كان يعجر عَنْهُ، وَبَعَثَ عَلَى الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْكُوفَةِ ابْنُ عَمِّهِ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَتَوَطَّدَتْ لِلسَّفَّاحِ الْمَمَالِكُ.

نام کتاب : تاريخ الإسلام - ت بشار نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 3  صفحه : 585
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست