خطبة أخرى لعائشة (ض):
وينسب إلى أم المؤمنين عائشة (ض) خطبة أخرى بهذه المناسبة، وهي تفوق الخطبة المذكورة من حيث البلاغة والفصاحة ورصانة في الأسلوب ورشاقة في البيان ونصها: ((إن لي عليكم حرمة الأمومة [1]، وحق الموعظة، لا يتهمني إلا من عصى ربه، قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سحري ونحري [2]، وأنا إحدى نسائه في الجنة، له ادخرني ربي وحصنني من كل بضع، وبي ميز مؤمنكم من منافقكم [3]، وبي أرخص الله لكم في صعيد الأبواء وفي نسخة ((ثم أبي ثاني اثنين الله ثالثهما)) وأبي رابع أربعة من المسلمين [4]، وأول من سمي صديقا [5]، قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنه راض. وقد طوقه وهف الإمامة [6]، ثم اضطرب حبل الدين، فأخذ بطرفيه، ورتق لكم أثناءه [7]، فوقد النفاق، وأغاض نبع [8] الردة، وأطفأ ما تحش يهود، وأنتم يومئذ جحظ العيون، تنظرون العدوة وتستمعون الصيحة [9]، فرأب الثأي وأوزم العطلة [10]، وامتاح [1] لأنها من أمهات المؤمنين أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]. [2] السحر: الرئة، والنحر: أعلى الصدر، تريد أنه مات محضونا بين يديها وصدرها. [3] تشير إلى حديث الإفك المعروف، وخلاصته أن قوما اتهموها بريبة فنزل الوحي ببراءتها وعلم أن المنافقين هم الذين شنعوا في التهمة، وقد سبق ذكره. [4] تشير إلى انه من الأوائل السابقين في التشرف بدخول الإسلام. [5] لأنه كان كلما تحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء أجابه ((صدقت)). [6] أي ثقلها. [7] الرتق ضد الفتق، وأثناء الشيء: قواه، تريد لما اضطرب الأمر يوم الردة أحاط به من جوانبه وضمه. [8] النبع: العين التي يخرج منها الماء، وأغاضه: أنقصه، تريد أنه لافى فورتها من أصلها. [9] تريد أنهم كانوا في حالة جهد وبلاء، أجحظوا عيونهم أي أبرزوها وهم ينظرون الوثبة
عليهم ويسمعون للتصايح إليهم، وقد أسقط في يدهم. [10] العطلة: الدلو المعطلة عن الاستقاء لانقطاع وزمها: أي السيور التي بين آذانها أو عراها، وأوزمها: أي شدها وأصلحها.
نام کتاب : سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين نویسنده : الندوي، سليمان جلد : 1 صفحه : 178